بين الشرعية الدستورية والمشروعية الشعبية.. هل يمكن للرئيس التونسي تعليق العمل بالدستور؟
تعالت أصوات وجوه سياسية وحقوقية تحذر من مغبة ذهاب الرئيس نحو نسف المنظومة السياسية برمتها، وتعليق العمل بالدستور تحت ذريعة التدابير الاستثنائية، بينما اعتبر آخرون أنه آن الأوان للحديث عن دستور يليق بالدولة التونسية.
تونس- أعاد قرار الرئيس التونسي تمديد العمل بالإجراءات الاستثنائية التي اتخذها منذ شهر ومواصلة تجميد عمل البرلمان إلى أجل غير مسمى، الجدل حول مستقبل الديمقراطية في البلاد وفرضية ذهاب الرئيس نحو تعليق العمل بدستور 2014.
وتعالت أصوات من الحزام الداعم للرئيس، تدعوه للذهاب نحو كتابة دستور جديد، ودخول تونس مرحلة جديدة ونظاما سياسيا يقطع مع السنوات العشر التي أعقبت الثورة.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsتونس نموذجا.. هل تُمهِّد الشعبوية الطريق إلى الاستبداد؟
دعوة حركة النهضة للحوار.. خيار وحيد أو خطوة للصلح؟
وقال النائب المجمد عن حركة الشعب هيكل المكي إنه آن الأوان للحديث عن دستور يليق بالدولة التونسية وليس على مقاس الإخوان المسلمين، وفق قوله.
واعتبر المكي في حديثه لوسائل إعلام محلية أنه لا رجوع للبرلمان، وأن الشعب قال كلمته يوم 25 يوليو/تموز الماضي، داعيا الرئيس للخروج من النظام السياسي الحالي.
طريق خطه الشعب
ومنذ أيام انتقد الرئيس التونسي الطريقة التي صيغ بها الدستور التونسي، معتبرا أنه تم السطو على الثورة باسم القانون، وأنه تم تفصيل كل بند من الدستور لأجل مصلحة أشخاص، مشددا على أن الفصل 80 من الدستور أعطاه حق التدخل.
وسخِر سعيد في السياق ذاته من دعوة كثيرين له للإعلان عن خارطة طريق وإستراتيجية عمل للخروج من الوضع الاستثنائي، قائلا إن "طريقه هو الطريق الذي خطه الشعب".
ويقول أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي -في حديثه للجزيرة نت- إن للرئيس السلطة التقديرية في تمديد العمل بالإجراءات الاستثنائية وتجميد عمل البرلمان في ظل غياب المحكمة الدستورية.
وشدد على أنه طالما لا تزال أسباب اتخاذه للتدابير الاستثنائية قائمة، فإنه يمكن للرئيس أن يمددها حتى سنة كاملة، ولا سيما فيما يتعلق بالوضع الأمني على الحدود والمسألة الاقتصادية، وفق قوله.
ولم يستبعد الزكراوي إمكانية أن يذهب الرئيس بعيدا نحو تعليق العمل بالدستور والدعوة لصياغة آخر أو تعديله، وأن يعهد بذلك إلى لجنة مصغرة لإعداده ومن ثمة عرضه على الاستفتاء.
وبشأن الانتقادات التي طرحها حقوقيون في حال اتخذ الرئيس تلك الخطوة، أكد الخبير الدستوري أن للرئيس مشروعية شعبية ومدا شعبيا تزول بموجبهما الشرعية الدستورية، بحسب توصيفه، لافتا إلى أن القوانين والدساتير كتبت لتنظيم حياة الناس لا لسجنهم داخل أطرها.
وتعالت أصوات وجوه سياسية وحقوقية تحذر من مغبة ذهاب الرئيس نحو نسف المنظومة السياسية برمتها، وتعليق العمل بالدستور تحت ذريعة التدابير الاستثنائية والاستقواء بالمشروعية الشعبية.
وفي هذا الصدد عبرت أحزاب سياسية عن مواقفها الرافضة لاتخاذ الرئيس أي خطوة في هذا الصدد، حيث دعا حزب حراك تونس من وصفهم بالقوى الوطنية الحية المناصرة للشرعية الدستورية وللديمقراطية، إلى التجند من أجل الدفاع عن الدستور والديمقراطية.
وعبرت قيادات عن حزب أمل خلال لقائها الأمين العام لمنظمة اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، عن مخاوفها مما قد ينتج عن جمع كل السلطات في يد رئيس الجمهورية منذ 25 يوليو/تموز، في غياب كل سلطة رقابية وعلى رأسها مجلس النواب والمحكمة الدستورية.
تعديل نصوص
واعتبر الخبير الدستوري سليم اللغماني -في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك- أن من الأفضل الذهاب نحو تعديل فصول بعينها من دستور 2014 دون الحاجة لكتابة دستور جديد.
ويرى الأستاذ في القانون الدستوري خالد الدبابي أن غياب المحكمة الدستورية التي عجز البرلمان عن انتخابها طوال السنوات الماضية، منح الرئيس الضوء الأخضر لإعلان الحالة الاستثنائية وحرية تمديدها أو الانتهاء منها.
ولفت بالمقابل إلى أن ذهاب الرئيس نحو تمديد العمل بالتدابير الاستثنائية إلى حين إشعار آخر دون تحديد سقف زمني، طرح إشكالا كبيرا من الناحية السياسية، في ظل ما وصفه بضبابية الخيارات والقرارات التي سيتخذها بعد ذلك.
وأشار أستاذ القانون الدستوري في حديثه للجزيرة نت، إلى أن فلسفة الفصل 80 من الدستور التونسي التي استند عليها الرئيس تقوم على تجميع السلطات لكن بطريقة وقتية، وتهدف للعودة إلى الحالة العادية، لكن يجب ألا تتحول إلى مبدأ وقاعدة ثابتة.
وفي علاقة بإمكانية ذهاب الرئيس لتعليق العمل بالدستور، شدد الأستاذ في القانون الدستوري على أن هذه الخطوة مقيدة ولا يمكن للرئيس أن يتخذها بمفرده.
وقال إن هذه الخطوة لا بد أن تستند على مشروعية شعبية، وأن يستبقها استفتاء استشاري يتوجه به الرئيس للشعب لأخذ رأيه بشأن تغيير المنظومة الدستورية وتعليق العمل بالدستور والذهاب نحو دستور آخر أم لا.
وأكد الدبابي أن المرور لمرحلة تأسيسية جديدة وبناء دستوري جديد لا بد أن يستند على إجماع شعبي وليس على قرار شخصي وفردي من الرئيس.