خبيرة أميركية: النموذج الإيراني قد يكون أفضل سيناريو للحكم في أفغانستان

واشنطن- ترى الخبيرة في مركز الأمن والإستراتيجية بمعهد "بروكينغز" فاندا فلباب براون أن هناك عدة سيناريوهات للحكم في أفغانستان قد تتبنى حركة طالبان أحدها.
وأشارت براون -في حديث خاص للجزيرة نت- إلى أن هذه النماذج تتراوح بين الأفضل متمثلا في سيناريو مشابه لنظام الحكم الإيراني، والأسوأ متمثلا في العودة لنظام حكم طالبان الذي طبقته في تسعينيات القرن الماضي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsكاتبة أميركية: أفغانستان تثبت لنا مرة أخرى أننا لا نستطيع تشكيل الدول الأخرى على صورتنا
أفغانستان.. حصاد 20 عاما من الاحتلال الأميركي
قراءة فكرية في وصول طالبان إلى الحكم في أفغانستان
حديث قديم عن الانسحاب
وذكرت براون -وهي أيضا مديرة مبادرة الجماعات المسلحة خارج نطاق الدولة- أن فكرة الانسحاب الأميركي من أفغانستان قديمة، وبدأت بصورة جدية عام 2010 في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، عقب تبني سياسة زيادة القوات الأجنبية هناك، إذ تجاوز حينها عدد القوات الأميركية أكثر من 100 ألف جندي، إضافة إلى عدد مقارب من دول حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وقالت إنه بعد الفشل في القضاء عسكريا على حركة طالبان، بدأ الاتصال بالحركة للبحث عن حل سياسي يسمح بانسحاب القوات الأميركية، إلا أن طالبان رفضت أي مشاركة للحكومة الأفغانية في المفاوضات، واستمر الاتصال بطالبان لسنوات على الرغم من رفض واشنطن استبعاد حكومة كابل من إطار التفاوض.
وحسب براون، مع ظهور وتمدد تنظيم الدولة الإسلامية وسقوط مدينة الموصل عام 2014، تبخرت آمال التوصل لاتفاق يسمح بانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وكان من "الصعب الاتفاق مع حركة طالبان في ظل تمدد تنظيم الدولة حيث كان سيفهم منه رسائل في الاتجاه الخاطئ".
وتشير إلى وجود دائم لمناورات سياسية بشأن اتفاق بين الطرفين، في الوقت الذي نجحت فيه طالبان بالبقاء قوية صامدة في وجه التصعيد الأميركي في بداية عهد أوباما. وعلى الرغم من اقتناع أوباما باستحالة الانتصار العسكري، كانت الغلبة لطالبان التي كانت ترفض شروط التفاوض، ولم يكن عامل الزمن مؤثرا أو ضاغطا عليها كما الحال مع الإدارات الأميركية المتعاقبة.
واعتبرت أن الرئيس دونالد ترامب جاء متعهدا بالانسحاب من أفغانستان، ووجه ترامب مبعوثه للتفاوض مع طالبان السفير زلماي خليل زاده بالعمل على التوصل لاتفاق يقضي بانسحاب أميركي كامل، إلا أن ترامب انصاع لرفض وزير دفاعه الجنرال جيمس ماتيس، ومستشاره للأمن القومي الجنرال إتش آر ماكماستر، وجون بولتون من بعده، بعدم التوصل لاتفاق بالانسحاب يهدد حكومة كابل.
وعلى الرغم من ذلك لم يتوقف ترامب عن التغريد بضرورة الانسحاب من المستنقع الأفغاني إلى أن توصلت إدارته لاتفاق انفرادي مع حركة طالبان من دون مشاركة أو دور لحكومة الرئيس أشرف غني.
وأكدت براون أنه "لم يتوقع أحد هذا الانهيار الكامل للجيش الأفغاني في 10 أيام". وترى براون أن سيطرة طالبان من دون مقاومة تذكر تضعف من جهود المصالحة أو الحلول والسياسية لمعضلة الحكم، التي يحاول فيها الرئيس السابق حامد كرزاي ورئيس لحنة المصالحة الوطنية عبد الله عبد الله، حيث إن طالبان في موقع قوة وغير مضطرة لتقديم تنازلات. وتشير براون إلى أن طالبان تدرك صعوبة انفرادها بالحكم على غرار ما جرى قبل أكثر من 20 عاما.
تغيرات طالبان
واعتبرت براون أنه من المبكر الحكم على طالبان ومقارنتها بتجربة حكمها في التسعينيات التي كانت ضد الحداثة، لكنها توقعت أن تختلف طالبان 2021 عن طالبان تسعينيات القرن الماضي.
وقالت براون للجزيرة نت إن "طالبان اليوم غير طالبان الأمس فيما يتعلق بتركيبتها العرقية؛ ففي الماضي، كانت الأغلبية البشتونية طاغية على طالبان، أما اليوم فهناك طالبان أوزبكية وطالبات طاجيكية، وتوسع انتشار العرقيات ضمن حركة طالبان يُبشر بتغير".
وأشارت براون إلى أن قادة طالبات يرون كل هؤلاء الآلاف من الشباب الساعيين إلى الهجرة والخروج إلى أي دولة في العالم، ويدركون أن أكثر من 50% من سكان أفغانستان هم من الشباب وسنهم أقل من 25 عاما ويتطلعون إلى حياة أفضل.
واعتبرت براون أن الاعتراف بتنظيم طالبان ليس هو ما يقلق قادة الحركة، لكن رفع العقوبات التي فرضتها واشنطن عن طريق وزارة الخزانة على الكثير من قادة الحركة هي النقطة التي تؤرقهم في هذا الوقت.
وأشارت إلى أن واشنطن لديها كثير من النفوذ في المسألة الأفغانية، لكنه بالطبع قلّ عما كان عليه قبل أسابيع. وترى براون أن تجميد واشنطن لأرصدة البنك المركزي الأفغاني البالغة 9.6 مليارات دولار إضافة إلى تجميد صندوق النقد صرف قرض قيمته 460 مليون دولار يؤكد أهمية الدور الأميركي.
إيران نموذج الحكم الأكثر واقعية
وعن نظام الحكم المتوقع أن تتبناه حركة طالبان بعد استكمال خروج القوات الأميركية، اعتبرت براون أن البدائل تتراوح بين سيناريو شديد السوء يعود بنا إلى خبرة طالبان في الحكم في نهاية تسعينيات القرن الماضي حيث اتبعت تفسيرا ضيقا للشريعة وعارضت الحداثة في كل صورها، وانتهكت حقوق النساء والفتيات في التعليم والعمل.
وعلى الناحية الأخرى، ترى براون أن "النموذج الإيراني في الحكم قد يكون السيناريو الأفضل عمليا حيث يمكن يتم تشكيل مجلس أعلى له سلطة عليا، في حين يحكم على الأرض جهاز تنفيذي وبرلمان تمثيلي يتم انتخابهما بصورة دورية (وإن كانت انتخابات معيبة)".
وحسب براون، إن طالبان متشددة اجتماعيا لكنها تدرك أن هناك "مجتمعات محافظة مثل المملكة السعودية تجمعها علاقات طيبة بالولايات المتحدة والغرب، ومن هنا لا يجب أن نستبعد علاقات طيبة بين الطرفين".
فائزون وخاسرون
واعتبرت أن أكبر الخاسرين فيما شهدته الأيام الماضية والـ20 عاما الأخيرة هو الشعب الأفغاني، الذي عانى لعقود من الفساد والقمع وانتهاك حقوق النساء والأقليات. وتعد عودة حركة طالبان خبرا مزعجا للنساء اللاتي يترقبن ما ستقوم به حركة طالبان معهن.
أما الطرف الفائز فهو حركة طالبان بالطبع، فقد عادت بعد 20 عاما وبعد قتال ضد القوة الأقوى في عالم اليوم، وعادت بدون مقاومة تذكر. كذلك يمكن اعتبار واشنطن فائزة في مهمة الانسحاب بعد القضاء على الإرهاب القادم من أفغانستان، وإن كانت فشلت في إيجاد حكومات مسؤولة وشفافة، وهو ما أسهم في انسحابها بهذه الصورة".
يذكر أن براون عملت مستشارة لفريق عمل شكله الكونغرس لدراسة عملية السلام في أفغانستان وتقديم توصيات لصانعي السياسات في مطلع عام 2021، وبالفعل قدم الفريق عدة توصيات ولكن لم يتم الأخذ بها، ولم يكن الانسحاب الأميركي الكامل من أفغانستان أحد خيارتها.