ارتدادات الشأن الأفغاني في أوروبا.. انقسامات وجدل حول موجات اللجوء المتوقعة
جمعية فرنسية مدافعة عن اللاجئين تطالب بوقف عمليات ترحيل الأفغان طالبي اللجوء الموجودين في أوروبا إلى أفغانستان لخطورة الأوضاع الأمنية هناك

باريس- تشهد فرنسا ودول أوروبا عامة جدلا وانقساما سياسيا في موقفها جراء التحولات الأخيرة في أفغانستان، وهو ما تؤكده التصريحات المتناقضة وحركة اجتماعات الاتحاد الأوروبي المتسارعة، وآخرها لقاء وزراء داخلية الاتحاد أول أمس الأربعاء، والذي شهد انقسامات حادة حيال موجات الهجرة واللجوء المتوقعة من أفغانستان.
وفي فرنسا، خلفت تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون المتلفزة بداية الأسبوع -والتي تحدث فيها عن "موجات هجرة غير نظامية" من أفغانستان- استياء وجدلا واسعا في الأوساط السياسية.

ردود متباينة
وقوبلت تصريحات ماكرون باستنكار قوى اليسار الفرنسي ونشطاء ومنظمات حقوقية، ووصفتها عضوة مجلس الشيوخ الاشتراكية لورانس روسينيول بأنها "مخزية"، فيما اتهم النائب عن حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي أدريان كاتين الرئيس بـ"تقزيم فرنسا".
اقرأ أيضا
list of 4 itemsآلاف العالقين بمطار كابل.. خطاب مرتقب لبايدن وحلف الأطلسي يتعهد بتسريع إجلاء الأجانب والمتعاونين الأفغان
وول ستريت جورنال: في قمة مع بايدن.. بوتين رفض أي دور للقوات الأميركية قرب أفغانستان
خلال زيارتها الـ19 لموسكو.. ميركل تدعو لاستمرار الحوار مع وروسيا رغم التوترات
وقالت مارتين أوبري عمدة مدينة ليل أمس الخميس عبر إذاعة "فرانس إنتر" إن خطاب ماكرون "صدمها"، مبدية أسفها لهذا الموقف "السلبي".
وأوضحت الوزيرة السابقة أنها تنتظر من أوروبا فعل الكثير لحفظ سلامة اللاجئين الأفغان، وأثنت على موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في هذا السياق، مضيفة أنها تشاركها ترحيبها بالمدنيين الأفغان في أوروبا، واعتبرتها "الشخص الوحيد الذي يحفظ مرة أخرى شرف أوروبا".
من جانبه، غرد المرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة عن حزب "الخضر" يانيك جادو "مندهش مما سمعته من ماكرون، ومن إعلانه أن النساء والرجال والأطفال الفارين من جحيم طالبان يشكلون تهديدا وأنهم "مهاجرون غير نظاميين".
وأضاف جادو "يمكن لفرنسا والاتحاد الأوروبي القيام بما هو أفضل بكثير قبل أن يصبح هؤلاء ضحايا أو ربما لاجئين".
أما اليمين واليمين المتطرف فقد دعَوَا إلى التشدد في هذا الملف الحساس، قبل 8 أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية.
وفي هذا السياق، حذر كزافييه برتران المرشح اليميني للانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل/نيسان 2022 من أن "الأزمة الأفغانية يمكن أن تتحول إلى موجة هجرة جديدة إلى أوروبا".
وبعد الضجة التي أحدثتها تصريحات ماكرون ردت الرئاسة الفرنسية عبر بيان قالت فيه "ليس لدينا ما يدعو إلى الخجل لأننا من البلدان الأكثر استقبالا للأفغان والأكثر حماية لهم"، في حين أعرب ماكرون عن أسفه "لمحاولات البعض تحريف تصريحاته".
إجلاء وطلبات معلقة
ووفقا للأرقام الرسمية، تلقت فرنسا نحو 10 آلاف طلب لجوء تقدم بها أفغان منذ عام 2018.
في المقابل، بلغ إجمالي طلبات اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي نحو 50 ألفا.
وعلى الأرض، قامت الطائرات العسكرية الفرنسية بعدة رحلات إلى مطار كابل في الأيام الأخيرة أجلت خلالها 216 شخصا، بينهم 184 أفغانيا "من المجتمع المدني بحاجة لحماية" كما أعلنت وزارة الخارجية في بيانها أول أمس الأربعاء.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن العملية أتاحت إجلاء 25 فرنسيا "وهو ما يعني قسما كبيرا من حملة الجنسية الفرنسية والأفغانية الذين لجؤوا إلى مبنى السفارة الفرنسية في كابل".
كما حطت طائرة تابعة للقوات الجوية الفرنسية تقل أكثر من 200 راكب -بينهم فرنسيون وأغلبية كبيرة من الأفغان- في مطار رواسي (مطار شارل ديغول) بباريس مساء الخميس.
وفي تصريحات لوسائل إعلام محلية أمس الخميس، قال رئيس الدبلوماسية الفرنسية "إذا كان الجيل الجديد من طالبان يريد اعترافا دوليا فيتعين عليهم أولا أن يسمحوا بخروج الأفغان الذين يريدون مغادرة البلاد لأنهم خائفون، ثم عليهم أن يحولوا دون أن يصبح بلدهم ملاذا للإرهاب، وأن يثبتوا ذلك بشكل ملموس للغاية".

الأولوية لإجلائهم
وفي جانب متصل، نددت جمعيات ومنظمات حقوقية بما وصفته بـ"الموقف الفرنسي السلبي" و"الموقف الأوروبي المتذبذب"، ونبهت إلى ضرورة إيلاء المدنيين والناشطين واللاجئين الأفغان أولوية وأهمية قصوى في عملية الإجلاء من مطار كابل، وبعد ذلك استقبالهم في أوروبا.
وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار إن "ما يحدث أمام أعيننا في أفغانستان مأساة كان يجب توقعها وتجنبها، ولن يزداد الأمر سوءا إذا اتخذ المجتمع الدولي إجراءات سريعة وحاسمة".
وأضافت كالامار -في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه- أن "الآلاف من الأكاديميين والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني وحقوق المرأة معرضون لخطر انتقام طالبان".
وشددت على ضرورة اتخاذ الحكومات الأجنبية التدابير اللازمة لضمان ممر آمن للمعرضين لخطر استهدافهم، وعلى أهمية " تسريع إجراءات التأشيرات، وإرسال تعزيزات لإخلاء مطار كابل، وضمان نقل هؤلاء الأشخاص وإعادة توطينهم، ووقف جميع عمليات الترحيل والإعادة القسرية إلى أفغانستان".
أما الجمعية الفرنسية العريقة "سيماد" المعروفة بدفاعها عن حقوق اللاجئين فقدمت عريضة -تسلمت الجزيرة نت نسخة منها- إلى رئيس الجمهورية قالت فيها "يقع على عاتق فرنسا واجب قانوني وأخلاقي للعمل على حماية جميع المواطنين الأفغان".
ودعت الجمعية الرئيس الفرنسي إلى "احترام التزامات فرنسا بحقوق الإنسان من خلال توفير الحماية والضيافة لجميع الأفغان الذين يطلبونها، وحماية الأشخاص الذين يخاطرون بحياتهم في أفغانستان على المدى الطويل".
كما طالبت بالسماح لأسر اللاجئين الأفغان في فرنسا بالوصول إلى الأراضي الفرنسية في أسرع وقت ممكن، وإنهاء عمليات الترحيل إلى أفغانستان على الفور، وعدم نقل طالبي اللجوء إلى دولة أوروبية أخرى.
وفي بيان وصل الجزيرة نت نسخة منه دعت أمس الخميس أكثر من 30 منظمة حقوقية -بينها المجلس النرويجي للاجئين، والمجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين، و"عمل اللاجئين في هولندا"، والاتحاد الأوروبي- إلى تعليق عمليات إبعاد وترحيل المهاجرين من طالبي اللجوء الموجودين في أوروبا إلى أفغانستان فورا، مع مراعاة تدهور الأمن في البلاد.
وفي أوائل يوليو/تموز الماضي حثت أفغانستان الدول الأوروبية على إنهاء عمليات الترحيل لمدة 3 أشهر على الأقل، وبينما قامت السويد وفنلندا والنرويج مؤخرا بتعليق عمليات في ذلك مؤقتا إلا أن بعض الدول لم تستجب لنداء الحكومة الأفغانية، وفق البيان.
تخوفات الاتحاد الأوروبي
وشهدت أروقة الاتحاد الأوروبي حركة اجتماعات عاجلة وردود أفعال وصفها مراقبون بـ"المتخوفة" و"الحذرة" و"المتذبذبة".
وأول أمس الأربعاء، تصدر مصير الأفغان الذين أرادوا الفرار من بلادهم بعد انتصار طالبان نقاشات وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي.
وقالت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية في أفغانستان إيلفا يوهانسون "يجب أن نمنع الناس من القيام برحلات خطيرة للغاية والوصول بشكل غير منتظم إلى حدود الاتحاد الأوروبي".
وأضافت "يجب تجنب الطرق غير النظامية والخطيرة التي يسهلها المهربون، وأن نوفر قنوات قانونية وآمنة للأشخاص الذين يحتاجون إلى حماية دولية للقدوم إلى الاتحاد الأوروبي".
وأعلن رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي أن موضوع اللاجئين والتطورات في أفغانستان سيطرح في اللقاء الذي يجمع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الجمعة، وكذلك في لقائها المرتقب بعد غد الأحد في كييف مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.