مياه القرم.. بوادر نزاع جديد بين كييف وموسكو
تتصدر قضية المياه قائمة الأولويات في مواقف البلدين، مما يجعلها مرشحة لإشعال فتيل حرب جديدة بينهما، بحسب مراقبين، ويقول الخبير في "المعهد الأوكراني للمستقبل" إيليا كوسا إن "احتمال الحرب وارد لأن روسيا غير قادرة على تأمين مياه عذبة كافية من مصادر أخرى تتجاوز قناة شمال القرم".
كييف- قطعت أوكرانيا المياه العذبة عن شبه جزيرة القرم بعد ضم روسيا لشبه الجزيرة عام 2014، ممّا تسبب في إشعال فتيل أزمة بين الجانبين وسط معاناة أكثر من 2.2 مليون نسمة من شح مياه الشرب والري.
وترفض أوكرانيا -التي تلبي من خلال قناة الشمال نحو 85% من حاجة القرم من المياه العذبة- حتى اليوم فتح القناة، وأكد وزير خارجيتها دميتري كوليبا "أن ذلك لن يتم إلا في سياق إنهاء احتلال شبه الجزيرة"، وفق قوله.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsأكاديمية بأكسفورد: أوكرانيا وروسيا.. هل يتجه العالم إلى حرب دموية في أوروبا؟
روسيا تغلق مناطق في البحر الأسود وأوكرنيا تحتج وتتهمها بانتهاك القانون الدولي
وكان الرئيس الأوكراني فولودمير زيلينسكي لمح في وقت سابق إلى وجود "أفكار وصفها بالجيدة وخطط لبناء سد إضافي يُعرف بمشروع البناء الكبير على بعد 107 كيلومترات من قناة شمال القرم".
وحذر أنصار حماية البيئة من أن الاستخدام المنتظم للمياه المتوفرة من خزانات الجريان السطحي الطبيعية والمصادر الجوفية أدى إلى تملح التربة.
خسائر
ووفق إحصائيات رسمية، تكبد قطاع الزراعة في القرم خسائر ناهزت 2.7 مليار دولار، وتقلصت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة من 130 ألف هكتار عام 2013 إلى 14 ألف هكتار عام 2017.
وأدى تراجع منسوب المياه في الخزانات بنسبة 93% إلى انقطاع المياه عن السكان ساعات طويلة تجاوزت -على سبيل الذكر- 6 ساعات يوميا على سكان مدينة سيمفروبول عاصمة القرم.
كما ألقى انقطاع المياه العذبة بظلاله على حركة السياحة في القرم ودفع بعض المنتجعات والفنادق إلى إنشاء محطات خاصة لتحلية مياه البحر.
أزمة قديمة
ويعتبر مؤرخون أن أزمة المياه المتفاقمة قديمة فرضت نفسها على الاتحاد السوفياتي ومن جاء بعده.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي أوليكساندر بالي للجزيرة نت إن "الحاجة إلى المياه وغياب الطرق البرية والحديدية المؤدية إليها بغرض الإمداد (إلا مع أوكرانيا) هي الأسباب الرئيسية التي دفعت الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف إلى نقل القرم إداريا إلى أوكرانيا سنة 1954 وليس بهدف تعزيز الوحدة بين الروس والأوكرانيين".
ويضيف "روسيا تعرف هذا جيدا ولولا حاجتها إلى أراض وسواحل القرم لأهداف عسكرية بالدرجة الأولى، لما فكرت في فتح قضية عجز السوفيات عن حلها".
ويفسر هذا الرأي سعي انفصاليي أوكرانيا للسيطرة على مدن الطرق البرية في أوكرانيا سنة 2014 التي تربط روسيا بالقرم، وعلى رأسها ماريوبول، وبلوغ تكلفة دعم شبه الجزيرة 1.5 تريليون روبل روسي في السنوات الخمس الأولى للضم، وقُدرت ميزانية دعمها بـ104 مليار روبل في 2021 (نحو 1.42 مليار دولار).
وتفوق بذلك حصة القرم نصيب الأقاليم الجنوبية من الدعم الفدرالي الروسي متقدمة على جمهوريتي الشيشان وداغستان في شمال القوقاز، بحسب البيانات الحكومية الروسية.
تدخل روسي
وفي إطار محاولات موسكو لحل مشكلة التواصل مع الإقليم، أحيت مجددا مشروعا سوفياتيا لبناء "جسر مضيق كيرتش" أو "جسر القرم" ليكون الأطول في أوروبا (19 كيلومترا)، غير أن الجسر لم يحل مشكلة المياه.
في الأثناء، تتهم روسيا أوكرانيا بانتهاك حقوق الإنسان والقوانين الدولية لرفضها استئناف إمدادات المياه إلى القرم.
بالمقابل، يعتبر كوليبا أن "الرواية الروسية حول الأزمة الإنسانية مبالغ فيها"، وترى الرئاسة الأوكرانية "أنه من غير المقبول أن تتحدث قوة محتلة (روسيا) عن انتهاكات حقوق وأنه -ووفقا لاتفاقية جنيف الرابعة- يجب على القوة المحتلة تزويد السكان المدنيين بكل الموارد الضرورية بما في ذلك المياه".
بدوره، علق وزير الداخلية الأوكراني السابق أرسين أفاكوف على أزمة بلاده مع روسيا قائلا، "هل ينبغي علينا تزويد وحدة القوات الروسية والصواريخ المنتشرة هناك بالمياه؟ هل نحن مسؤولون عن هذا؟ هل تقع على أوكرانيا بعض الالتزامات الدولية؟".
وفي ظل السخط الأوكراني الكبير على روسيا بعد ضم القرم، ترى أطراف أخرى أن أوكرانيا أضعفت موقفها الشعبي في شبه الجزيرة التي تطالب باستعادتها.
ليست فعالة
في السياق، يعتبر رئيس تحرير موقع "بوليت نافيغاتور" الروسي المعارض سيرغي ستيبانوف أن سياسات أوكرانيا فيما يتعلق بمياه القرم وقبلها الكهرباء "ليست فعالة مما انعكس على موقف سكان شبه الجزيرة تجاه أوكرانيا".
وبحسب ستيبانوف، فإنه "كان على أوكرانيا بيع المياه للقرم بدلا من قطعها لتحقيق أرباح وتحفيز وجودها السياسي والاقتصادي"، ويقول "لن تستعيد كييف نفوذها في شبه الجزيرة إلا بهذه الطريقة وإلا فإن استعادة القرم أمر غير واقعي".
ويضيف أنه "على كييف استبدال سياسة الشعبوية بالعقلانية لأن بيع المياه للقرم لا يعني اعترافا بأنها روسية وإنما يعني تقديم أوكرانيا على أنها حامية السكان وتحل مشكلاتهم"، وفق تقديره.
ويشير من جهة ثانية إلى "مسؤولية السلطات المحلية المتعاقبة في جمهورية القرم (المتمتعة بالحكم الذاتي) التي أهملت صيانة شبكات نقل المياه ما تسبب في إهدار نحو 30% من المياه في الأنابيب المتهالكة التي لم تُستبدل منذ حقبة الاتحاد السوفياتي".
فتيل حرب
وتتصدر قضية المياه قائمة الأولويات في مواقف البلدين، مما يجعلها مرشحة لإشعال فتيل حرب جديدة بينهما، بحسب مراقبين.
يقول الخبير في "المعهد الأوكراني للمستقبل" إيليا كوسا إن "احتمال الحرب وارد لأن روسيا غير قادرة على تأمين مياه عذبة كافية من مصادر أخرى تتجاوز قناة شمال القرم وهو ما قد يدفعها لتنفيذ عملية عسكرية محدودة تستولي بموجبها على القناة التي تنطلق من منطقة خيرسون شمال القرم"، حسب رأيه.
ويرى في حديثه للجزيرة نت أن أوكرانيا "ستكون مضطرة للقتال دفاعا آنذاك أو ستجبر على إعطاء المياه، لكن السكان لن يقبلوا بهذا وستحدث أعمال شغب".
بالمقابل، يقلل مدير مكتب الرئيس الأوكراني أندري يرماك من قيمة هذا الاحتمال ويرى "صعوبة في نشوب حرب بسبب أزمة المياه في شبه جزيرة القرم، لأنه "يوجد اليوم ما يكفي من المياه لمن يعيشون هناك" وفق قوله.
أما المحلل السياسي أوليكساندر بالي فيتحدث عن وسائل أخرى سياسية واقتصادية لدى موسكو، لإجبار كييف والضغط عليها لاستئناف إمدادات المياه للقرم قبل اللجوء إلى الخيار العسكري "غير المستبعد في العقلية الروسية"، على حد تعبيره.
ويقول، "نقل الغاز والحاجة إلى كميات من الكهرباء والتصعيد في مناطق الشرق والحرب الهجينة والسيبرانية عموما، هي أوراق قوية بيد روسيا لا شك أنها تخطط لاستخدامها في وقت ومكان ما، بدل اللجوء مباشرة إلى خيار حرب سيكون لها تداعيات سياسية واقتصادية على موسكو".