أسوأ كوابيس عرّابي حرب أفغانستان.. طالبان تعود لكابل فأين جورج بوش وتوني بلير؟
بوش صرح في أعقاب هجمات سبتمبر/أيلول أن "حربنا على الإرهاب تبدأ بتنظيم القاعدة، لكنها لا تنتهي عند هذا الحد. ولن تنتهي حتى يتم العثور على كل مجموعة إرهابية ومنعها من الانتشار العالمي ووقفها وهزيمتها".
واشنطن ولندن- قبل أسبوع واحد من انتهاء رئاسته في 20 يناير/كانون الثاني 2009، قلد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير "وسام الحرية"، وهو أرفع وسام مدني أميركي يُمنح للأفراد الذين قدموا مساهمة خاصة للأمن أو المصالح القومية للولايات المتحدة.
ووصف بوش بلير بالقول "هذا هو الصديق الحقيقي للولايات المتحدة، لقد واجه تحديات تاريخية بتصميم كبير وكان مثالا لنوعية رجل الدولة المطلوب في بلده وفي الخارج".
اقرأ أيضا
list of 3 itemsالمأساة الفيتنامية تتكرر في أفغانستان.. هكذا تغادر الولايات المتحدة كابل بعد 20 عاما من الحرب
أفغانستان تحت حكم طالبان من جديد
وقف بلير مع بوش، وشاركت بريطانيا مع الولايات المتحدة في حربيها بأفغانستان والعراق، ومع عودة تنظيم طالبان للحكم في الأيام الأخيرة، لم يسمع أحد صوت المسؤوليَن السابقين اللذيَن احتفلا ذات يوم "بالقضاء على تنظيم طالبان، وإزاحته عن الحكم في أفغانستان".
بلير.. صديق الحرب
"أنا فخور بأننا أسهمنا بإسقاط حكم طالبان في أفغانستان"، هكذا خاطب رئيس الوزراء البريطاني برلمان بلاده مباشرة بعد سقوط قندهار وخروج مقاتلي طالبان منها في ديسمبر/كانون الأول 2001، وها هي السنين تمر وتعود حركة طالبان للعاصمة كابل وتسيطر على كل مناطق البلاد.
ولعل توني من أبرز الوجوه التي تؤرخ لحقبة الحروب في أفغانستان والعراق، وهو الذي أعلن مباشرة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، أنه سيقف "كتفا إلى كتف" مع الولايات المتحدة، وكان حريصا على مشاركة بلاده في أول العملية عسكرية بأفغانستان.
لم يعلن توني بلير حتى الآن موقفه مما يحدث حاليا بأفغانستان، رغم أنه كان يبرر قرراه بالتدخل في تلك البلاد البعيدة من أجل "محاربة الإرهاب، وحماية الأمن القومي لبلاده، وحماية قيم الديمقراطية الغربية".
وهو الذي صم آذانه، برفقة جورج بوش، عن توصية وزير الدفاع الأميركي آنذاك دونالد رامسفيلد، الذي طلب أن يكون التدخل عبارة عن "عقاب ثم انسحاب"، من دون التورط في معركة طويلة الأمد.
عقيدة الأسئلة الخمسة
ولسنوات، ظل الثنائي توني بلير وجورج بوش أهم المدافعين عن الحرب في أفغانستان وأهميتها، وإن كان الأمر غير مستغرب من الرئيس الأميركي جورج بوش، فما زال كثيرون يعاتبون بلير على موقفه من التدخل العسكري في العراق وأفغانستان.
وسبب هذا العتاب هو ما يعرف "بعقيدة بلير"، وهي عبارة عن وثيقة قدمها سنة 1999 في مؤتمر في شيكاغو، تضمنت المعايير الخمسة التي يجب أن تؤطر أي تدخل عسكري غربي في أي منطقة بالعالم، واعتبر فيها أن العالم يجب أن يتحرك فقط لأغراض إنسانية.
هذه العقيدة التي يرى بلير أنه يجب على العالم تبينها، تضع 5 أسئلة قبل التدخل في أي بلد، وهي "هل نحن متأكدون من أن ما يحدث في هذه البلاد جرائم ضد الإنسانية؟ وهل تم استنفاد جميع الخيارات الدبلوماسية؟ وهل العمليات العسكرية ستتم بحذر ودقة؟ وهل نحن مستعدون للمدى الطويل؟ وأخيرا، هل لدينا مصالح وطنية تقتضي التدخل؟"
وعند تطبيق هذه العقيدة على النموذج الأفغاني، سيظهر أنها لا تتلاءم مع نظرية بلير قبل أكثر من عقدين من الزمن، لهذا يقول إن نموذجه يحتاج لإضافة "ما خطر التطرف الإسلامي؟"
وظلّت حربا أفغانستان والعراق تلاحقان توني بلير، وكانتا السبب لإزاحته عن قيادة حزب العمال، رغم حفاظه على تأثير كبير على المشهد السياسي البريطاني، وعلاقاته الجيدة مع الأميركيين الذين وشحوه بأرقى الأوسمة، نظير الدعم الذي قدمه لهم في حربهم في أفغانستان.
لكن حتى الآن، لم يجب توني عن سؤال: هل فعلا كان الأمر يستحق كل هذا؟ وهو السؤال الذي يتردد حاليا في كل وسائل الإعلام البريطانية التي تنظر لما حصل في كابل بأنه "إهانة تاريخية لبريطانيا"، حسب وصف صحيفة "تايمز" البريطانية.
بوش: "الحرب على الإرهاب" و"محور الشر"
خلال حملته الانتخابية، تعهد جورج بوش باتّباع سياسة خارجية متواضعة، تعكس الطابع الأميركي من "تواضع القوة الحقيقية، وتواضع العظمة الحقيقية"، وقارن بين نهجه وبين "غطرسة" إدارة بيل كلينتون التي "قوضت التحالفات الأميركية، وأبعدت أصدقاءها وشجّعت خصومها".
حتما، كل هذا تغير في 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث وحّدت الهجمات أميركا في حزن مشترك، وفي تصميم على استئصال تنظيم القاعدة، والقضاء على طالبان.
وبعد ساعات من وقوع هجمات 11 سبتمبر في أثناء وجوده في ولاية فلوريدا، عاد جورج بوش لواشنطن وخاطب الشعب الأميركي مستعينا بنص إنجيلي جاء فيه "حتى لو سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا، لأنكَ أنت معي".
واستدعى بوش الدين لحربه على الإرهاب، تلك الحرب التي لم يتصور يوما أنها ستمتد لـ3 رؤساء أميركيين من بعده، وستكلف الأميركيين كثيرا من الدماء.
ورد الرئيس بوش على "الهجمات الإرهابية" بـ"حرب على الإرهاب"، وحدد "محور الشر" الذي لا يزال أعضاؤه يمثلون صداعا مستمرا للولايات المتحدة؛ فكوريا الشمالية لديها سلاح نووي، ولا تزال إيران عازمة على اكتساب قدرات نووية والتوسع إقليميا، في حين أن العراق لا يبعد عن نفوذ طهران.
وأمام جلسة مشتركة للكونغرس في 20 سبتمبر/أيلول 2001، أعلن الرئيس بوش نهجا جديدا للسياسة الخارجية ردا على هجمات 11 سبتمبر/أيلول، "حربنا على الإرهاب تبدأ بتنظيم القاعدة، لكنها لا تنتهي عند هذا الحد، ولن تنتهي حتى يتم العثور على كل مجموعة إرهابية ومنعها من الانتشار العالمي، ووقفها، وهزيمتها".
وصلت قوة ضاربة صغيرة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية إلى أفغانستان بعد أسبوعين من هجمات 11 سبتمبر/أيلول، واستخدمت الأموال لشراء تعاون أعداء طالبان والمليشيات المتنافسة وأمراء الحرب.
ولم يمانع بوش في التعاون مع أمراء الحرب الذين كانوا يديرون أفغانستان ويدمرونها لسنوات عديدة من أجل القضاء على تنظيم طالبان. وسمح القصف الجوي الأميركي للمقاتلين الأفغان بدفع طالبان إلى خارج العاصمة كابل. غير أن بن لادن -الهدف الرئيسي لبوش- اختفى.
وأمس الاثنين، قال كارل روف -أحد كبار مساعدي بوش- لشبكة فوكس الإخبارية إن الرئيس بوش "مستاء للغاية من استيلاء طالبان على أفغانستان".
وغادر جورج بوش الحكم بعد 8 سنوات في البيت الأبيض إلى مزرعته تحت شمس ولاية تكساس الحارقة، تاركا بلاده تعاني في مستنقعي العراق وأفغانستان. وبعد 20 عاما على بدئه الحرب وهزيمته لطالبان، تعود طالبان لتسيطر من جديد على بلد منهك من حرب لم يحدد لها جورج بوش تعريفا للانتصار.