سيناريوهات الأزمة السياسية في ماليزيا.. ماذا بعد فقدان الحكومة ثقة البرلمان؟
ينتظر أن يلتئم البرلمان في 6 سبتمبر/أيلول المقبل، بعد أكثر من 9 أشهر من توقفه بسبب جائحة كورونا، ويبقى التحدي أن يتمكن أنور إبراهيم من حشد التأييد الكافي لإسقاط الحكومة من خلال التصويت على سحب الثقة من محيي الدين ياسين.

كوالالمبور- لم يعد السؤال المتداول في الأوساط السياسية الماليزية: متى سيرحل رئيس الوزراء؟ وإنما: من سيخلفه؟ ورغم أن محيي الدين ياسين (74 عاما) نجح على مدى 18 شهرا في إدارة الصراع داخل وخارج حكومته، إلا أن كثيرا من المراقبين يرون أن أيامه باتت معدودة في سدة الحكم، وذلك بعد رفع أحزاب موالية ومعارضة قوائم بأسماء ممثليها في البرلمان إلى الملك، تؤكد فقدان الحكومة دعم الأغلبية البرلمانية.
فقد خيّر الملك عبد الله رعاية الدين المصطفى بالله شاه رئيس الوزراء بين الاستقالة أو التصويت على الثقة في البرلمان، وبحسب مصادر البلاط الملكي فإن الملك أشار بوضوح، أثناء لقائه برئيس الوزراء قبيل اجتماع الحكومة الأربعاء الماضي، إلى المادة 43 (4) من الدستور، والتي تخيّر رئيس الوزراء بين الاستقالة أو دعوة الملك إلى حل البرلمان، في حال خسارته تأييد أغلبية أعضاء البرلمان.
ويقول فيصل عزيز رئيس حركة الشباب الإسلامي إن إثارة المادة 43 لم تترك أمام رئيس الوزراء خيارات سوى الاستقالة، وأعرب للجزيرة نت عن ثقته بأن الملك لن يستجيب للخيار الثاني الذي ينص على حل البرلمان، والدعوة لانتخابات مبكرة.
ويشاركه الرأي، باستبعاد حل البرلمان، عبد الرحمن عثمان مدير مؤسسة الوحدة الإسلامية العالمية، لما يترتب على حل البرلمان من الدعوة لانتخابات مبكرة خلال 60 يوما، بحسب ما ينص عليه الدستور، والتي يرى، في حديثه للجزيرة نت، أنها تنطوي على مخاطر صحية في ظل تزايد أعداد الإصابات بفيروس كورونا والطفرات المتحورة منه.
ويعتقد عثمان، المقرب من معسكر رئيس الوزراء، أن غياب توافق برلماني على شخصية بديلة، تحظى بثقة الملك والبرلمان معا، يستدعي التريث في اتخاذ قرار الاستقالة، بل توقع إعادة تكليف ياسين بتشكيل حكومة تضم مختلف الأطياف السياسية لاستكمال فترة البرلمان الحالي التي تنتهي بحلول منتصف عام 2023.
لكن مراقبين آخرين يرون عوامل كثيرة تجعل من الصعب القبول بتكليف ياسين مجددا، مثل تراجع شعبيته، وصداماته المتواصلة مع منافسين كثر، وشعور رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد بخيانته، وكذلك حلفائه السابقين في "تحالف الأمل" الذي يقوده زعيم المعارضة أنور إبراهيم.
ويسود الأوساط السياسية الماليزية اعتقاد واسع بأن الخروج من الأزمة السياسية المستعصية يكمن في استئناف عمل البرلمان، لكن أحزابا معارضة وأخرى مشاركة في الحكومة تتهم رئيس الوزراء بالتحايل على توجيهات الملك بعقد جلسة للبرلمان، والتي نصت على دعوة رئيس الوزراء البرلمان للانعقاد في "أقرب وقت ممكن".

صعوبة التوافق
بالرغم من القناعة الواسعة بخسارة رئيس الوزراء الحالي ثقة الأغلبية البرلمانية فإن شكوكا كثيرة تدور حول إمكانية التوافق على رئيس وزراء مقبل. وبينما أعلن أكبر الأحزاب المشاركة في السلطة حاليا، وهو المنظمة الملايوية القومية المتحدة (أمنو) سحب ثقته برئيس الوزراء فإنه أبقى على الغموض بشأن دعم زعيم المعارضة إبراهيم لتولي المنصب.
ويرى رئيس حركة الشباب الإسلامي أن التوافق على رئيس وزراء جديد يتطلب تنازلات كبيرة من قبل جميع الأحزاب في البرلمان، لأنه لا توجد كتلة حزبية منفردة قادرة على الحصول على ثقة الأغلبية في البرلمان.
وفي حين يعتبر اختيار رئيس الوزراء من صلاحية الملك المطلقة فإن خبراء في الفقه الدستوري يرون أن الأحق بالتكليف هو من يمتلك العدد الأكبر من مقاعد البرلمان، وهو في هذه الحالة زعيم المعارضة الذي يضم تحالفه نحو 100 عضو من بين مجموع المقاعد البالغة 222، لكن عثمان يعتقد أن تكليف إبراهيم لن ينهي الاضطراب السياسي في البلاد ولذلك فإنه يستبعد تكليفه.
ومن الأسماء الأخرى المطروحة بقوة لتولي منصب رئيس الوزراء وزير المالية السابق رزالي حمزة البالغ من العمر 84 عاما، وهو شخصية سياسية مخضرمة ينتمي لحزب أمنو، لكنه قد لا يحظى بثقة رئيس الحزب زاهد حميدي الذي أعلن مؤخرا أهليته للمنصب.

حكومة إنقاذ
تتجه أنظار بعض الأحزاب لا سيما أمنو إلى حكومة ذات طبيعة خاصة، تكون مهمتها معالجة القضايا الرئيسية التي تمر بها البلاد، وهي مواجهة جائحة كورونا، والأزمة الاقتصادية، والتحضير للانتخابات المقبلة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية عبد الرزاق أحمد -في حديثه للجزيرة نت- إن حكومة مصغرة من الأخصائيين (تكنوقراط) تفي بالغرض وتتفادى المشاكل التي تتسبب بها الحكومات الموسعة، مثل حكومة ياسين التي تضمن نحو 70 وزيرا.
أما مهاتير فتبنى فكرة إقامة "مجلس حكم" برئاسته، يكون بمثابة مجلس إنقاذ على غرار الحكومة التي شكلت في أعقاب أعمال العنف العرقي التي شهدتها البلاد عام 1969.
وفي حين يرى زعيم حزب عدالة الشعب (إبراهيم) أن تشكيل حكومة مستقرة، تعكس إرادة الشعب، وحدها القادرة على إخراج البلاد من أزمتها، يرى مقربون منه أن تحالف الأمل الذي يقوده هو من فاز بالانتخابات الأخيرة، وما زال الأقدر على صياغة حكومة مستقرة تعكس رغبة شعبية.

النظام السياسي
تتبنى ماليزيا نظاما مشابها للنظام البريطاني في الحكم، وهو حكومة يفرزها برلمان منتخب، ويكلفها ملك يحكم دستوريا، ومدة فترة البرلمان 5 سنوات، ويتشكل من مجلسي النواب والشيوخ، ويناط بمجلس النواب المنتخب مباشرة محاسبة الحكومة.
وتعود أسباب الأزمة الحالية إلى الخلافات بين مهاتير وأركان حكومته، والتي انتهت باستقالته في 28 فبراير/شباط 2020، وتشكلت حكومة ائتلافية من توليفة حزبية غير متوافقة، وتبعها انشقاقات وخلافات حزبية واسعة طالت معظم الأحزاب الرئيسية.
وزاد من تعقيدات الأزمة الخلاف داخل التحالف الحاكم الحالي، وإخفاق رئيس الوزراء في التوصل إلى صفقة مع القيادات السياسية، تنهي ملف محاكمات المتهمين في الفساد من قادة الأحزاب المشاركة في السلطة، وعلى رأسهم نجيب عبد الرزاق رئيس الوزراء السابق و(حميدي) رئيس حزب أمنو.
الملك هو رئيس الدولة ورمزها، وينص الدستور على أن من مهامه الحفاظ على الإسلام والعرق الملاوي، وهو من يختار رئيس الوزراء، وذلك بعد قناعته بقدرته على قيادة مجلس النواب، ولا يمكنه إقالة الحكومة أو حل البرلمان إلا بتوصية من رئيس الوزراء، وللملك أن يرفض التوصية بالحل.
وينتظر أن يلتئم البرلمان في 6 سبتمبر/أيلول المقبل، بعد أكثر من 9 أشهر من توقفه بسبب جائحة كورونا، وإذا لم يتمكن إبراهيم من حشد التأييد الكافي لإسقاط الحكومة من خلال التصويت على سحب الثقة من ياسين، والتصويت على الثقة به، فإن احتمال استمرار الأخير في السلطة يبقى واردا.