الجزائريون في معركة مع الوقت لإنقاذ أشجارهم ومنازلهم من الاحتراق
تعتبر ولاية تيزي وزو واحدة من أهم مصادر زراعة الزيتون وإنتاج الزيت في الجزائر، وتقدر أعداد أشجار الزيتون المزروعة في جبالها بنحو 4 ملايين ونصف شجرة، بات معظمها عُرضة للاحتراق حاليا.
تيزي وزو- تحت الدخان الذي كفّن جبال ولاية تيزي وزو (90 كلم شرق الجزائر العاصمة)، وعلى بعد مئات أمتار من الحرائق، يجلس السبعيني محنِد على صخرة ورأسه بين ركبتيه، ممسكًا شيبه بكفّين غطاهما الرّماد، ومتعبا من مجابهة النيران، لكنه يرفض مغادرة المكان وقد اختار انتظار أن ينتهي "الكابوس" كما وصفه.
يقول الرجل للجزيرة نت "فقدت عمري اليوم، يقولون الموت هو أقسى ما قد يحدث للإنسان.. هم لا يعرفون، حرقة القلب هذه أقسى من الموت".
اقرأ أيضا
list of 4 itemsارتفاع حصيلة ضحايا حرائق الغابات في الجزائر إلى 69.. قوافل لدعم المنكوبين والمغرب وفرنسا تعرضان المساعدة
مع سقوط عشرات الضحايا في حرائق الغابات بالجزائر.. حداد وحزن وتضامن على المنصات
حرائق الغابات في الجزائر.. ارتفاع عدد الضحايا والأوضاع أصبحت كارثية
ويملك السّبعيني قصصا احترقت اليوم بين أغصان زيتونه وذكريات تفحّمت مع مواشيه التي كانت ترعى حيّة تبادله الأنفاس بين الجبال الخضراء قبل ساعات.
وغير بعيد عنه، تنتظر الشّابة دوجة شقيقها الذي ذهب لإحضار سيارة لنقل عائلته بعيدا عن الحرائق، تبكي وهي التي تركت جهاز عُرسها في منزلها الذي احترق، تقول "كان زفافي الأسبوع المقبل" .
قالت دوجة للجزيرة نت "كنت أصنع الأواني التقليدية وأبيعها لأجهز نفسي، لكن 4 سنوات من العمل والتحضير ذهبت في لمح البصر.. وكل هذا لا يهم أمام وجع الجبال التي تعرّت".
وفي أعالي الجبال الزاخرة بالغابات بولاية تيزي وزو، والمعروفة أيضا في إحدى مسمياتها بـ "مدينة الزيتون"، تحاصر النيران الإنسان والشّجر والحيوان والحجر، منذ الاثنين الماضي. وتتعالى الصّرخات لإخماد غضب اللّهب الذي دخل في معركة مع مَن قرّروا إما العيش مع زرعهم وأشجارهم، أو الموت احتراقا معها.
ليلة النار
لم يكن مساء الاثنين وليلة الثلاثاء كباقي ليالي الولاية الجزائرية السياحية الساحلية الهادئة، والتي جمعت بين الغابة والبحر، ويعيش سكّان قراها بين الجبال يقتاتون على ما تنتجه أشجار الزيتون، وقد نحتوا الصّخور وشيّدوا منازلهم في تلك المناطق الوعرة.
وفي الأيام الأخيرة، دخل أهالي المنطقة بين ألسنة النار لينقذوا مواشيهم ومزروعاتهم وأشجار الزيتون، فذهب ضحية الحرائق أزيد من 37 مدنيا و28 عسكريا هبوا لإنقاذ العائلات العالقة بين النيران.
صدمة الجزائريين
وما إن اندلعت الحرائق في جبال تيزي وزو ومدينتي جيجل وسطيف، حتى انتشرت مقاطع فيديو وصور من "الفاجعة" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي شكّلت صدمة للجزائريين.
وأصبح فيديو "الجندي المستغيث"، واحدا من بين الأكثر تداولا، حيث يظهر جنديا مستغيثا طالبا للصّفح والعفو ممن يعرفه، بينما يتوقع موته تحت صدمة فقدان زملائه، كما شكلت مقاطع فيديو لعائلات حاصرتها النيران صدمة للجزائريين عامة.
ومع الإعلانات المتوالية عن وفيات بين المدنيين والعسكريين، هبّ آلاف المتطوعين من مختلف مناطق البلاد لإغاثة المنكوبين في منطقة تيزي وزو، ومدّ يد العون لرجال الحماية المدنية في إخماد الحرائق التي نشبت في مناطق يصعب الوصول إليها.
ولاية الزيتون
يتذكر الجزائريون اليوم الأغنية الأمازيغية "أسا تيويزي انلقض أزمور"، التي تردّدها النساء في موسم جني الزيتون وتعني "اليوم سنتكاتف لنجمع الخير".
في حين هبّ المساندون لإنقاذ ما تبقى من أشجار الزيتون كي لا تنقطع أصوات الأمّهات أثناء جني "الخير" بكل موسم.
وتعتبر ولاية تيزي وزو واحدة من أهم مناطق إنتاج الزيتون بالجزائر، ويوجد على أرضها أكثر من 4 ملايين ونصف مليون شجرة زيتون، أنتجت نحو 20 مليون لتر من الزيت الأعلى جودة، في العام 2020.
وفي آخر تصريح له، أعلن محافظ الغابات بولاية تيزي وزو محمد ولد يوسف، أن الحرائق أتت على 20 ألف هكتار، في الولاية التي تبلغ مساحتها الحضرية والمزروعة نحو 38 ألف هكتار.