موقع بريطاني: فضيحة برنامج التجسس بيغاسوس تعري سوأة أمن إسرائيل الإلكتروني

أفاد موقع ميدل إيست آي البريطاني (Middle East Eye) أن فضيحة بيغاسوس، التي تعد من أكبر فضائح التجسس في العصر الحديث، كشفت عن ثغرات تعتري الرواية التي تروج لها إسرائيل عن النجاح الذي حققته في مجال الأمن السيبراني (الإلكتروني).
وذكر الموقع في تقرير مطول أن ما انكشف عن حجم اختراق برنامج بيغاسوس ( Pegasus) في إطار التجسس الإلكتروني الخاص بمجموهة "إن إس أو"(NSO Group) الإسرائيلية أثار عاصفة من الجدل في إسرائيل وخارجها حول الطريقة التي يعمل بها قطاع الأمن السيبراني الذي تتباهى به تل أبيب كثيرا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالشركة الإسرائيلية مصممة برنامج التجسس "بيغاسوس" تمنع الحكومات مؤقتا من استخدامه
تحقيق إسرائيلي بشأن برنامج بيغاسوس… غانتس يطمئن باريس بعدم اختراق هاتف ماكرون وقلق أميركي من الأنشطة التجسسية
أغلقت مكاتبها وطردت موظفيها.. فشل مشروع شركة التجسس الإسرائيلية إن إس أو بقبرص
ولطالما استطاعت الشركات الإسرائيلية العاملة في مجال الأمن الإلكتروني الحفاظ على علامة تجارية قوية نظرا لشهرة أجهزة المخابرات الإسرائيلية -لا سيما الموساد ووحدة استخبارات الإشارات (SIGINT 8200) في هذا المجال- وقدرة تلك الشركات الملموسة على توظيف الخريجين من تلك الأجهزة ضمن العاملين بها.
ولعل من بين الجوانب التي لا تحظى بكثير من النقاش هو ما إذا كان قطاع الأمن السيبراني مجد ماليا.
التجسس عماد التكنولوجيا الرقمية الإسرائيلية
وأشار الموقع البريطاني في تقريره إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو تحدث مرارا عن الفضاء الرقمي باعتباره عماد قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل، واقتصادها عموما.
غير أن صحيفة هآرتس (Haaretz) كشفت عن أدلة كثيرة تثبت أن قدرات إسرائيل السيبرانية الهجومية -وخاصة التكنولوجيا التي تستخدمها مجموعة "إن إس أو"- لعبت دورا كبيرا في سياسة نتنياهو الخارجية.
فقد أبرمت دول من بينها المجر والهند ورواندا والإمارات وغيرها صفقات مع مجموعة "إن إس أو" عقب زيارة نتنياهو لها.
وحينما يتعلق الأمر بأرباح شركات التكنولوجيا فإن الصورة أبعد ما تكون عن الوضوح، بحسب "ميدل إيست آي". ولأنها شركات خاصة لا يتم تداول أسهمها بأسواق الأوراق المالية، فإن تلك الشركات تحافظ على سرية قوائم زبائنها وحجم العقود المبرمة معهم، وتكاليف كل مشروع حسب فترة التنفيذ والمواد المستخدمة فيه، حتى أنه ليس من السهل الحصول على تقاريرها المالية المتعلقة بإجمالي الإيرادات وتكاليف التشغيل والأرباح.
الحفاظ على السرية أصبح صعبا
وقد أصبح الحفاظ على سرية شركات الأمن السيبراني الإسرائيلية أكثر صعوبة في عالم تزداد فيه خصخصة قطاع الأمن. وتعتمد الشركات الأمنية الخاصة على الاستثمارات الخاصة وعلى الزبائن من القطاع الخاص، ومن ثم يتعين عليها السعي للوصول إلى الجمهور والترويج لنفسها.
وقد درجت الحكومة الإسرائيلية على إحكام قبضتها على صناعة السلاح وعلى أجهزة الاستخبارات العاملة بالداخل والخارج، إلا أن الخصخصة زحفت إليها حتى أن أكبر شركات السلاح الإسرائيلية، وهي إلبيت سيستمز (Elbit Systems) مملوكة للقطاع الخاص.
ولا تقتصر مجموعة "إن إس أو" على كونها مملوكة للقطاع الخاص، بل إن أغلب أسهمها اشتراها صندوق نوفالبينا (Novalpina) -ومقره بأوروبا- عام 2019، مما يعني أن الشركة قد تكون إسرائيلية إلا أنها مملوكة لمستثمرين أجانب.
ومن الأمثلة الأخرى لشركات الأمن الإسرائيلية بلاك كيوب (Black Cube) التي تفتخر بكونها تأسست على أيدي عملاء سابقين في جهاز الموساد.
الشهرة لا تعني النجاح
وذاع صيت مجموعة "إن إس أو" ويقال إنها باتت الشركة السيبرانية الإسرائيلية الهجومية الأشهر (أو بالأحرى السيئة السمعة). بيد أن الشهرة لا تعني بالضرورة النجاح، وفقا لتقرير "ميدل إيست آي".
وأجرت الصحفية هاجر شيزاف من جريدة هآرتس لقاءات مع عاملين بمجموعة "إن إس أو" واكتشفت أن ما يميزها من بين الشركات في دول أخرى هو استعدادها لتحمل مخاطر أكبر، كالتعامل مع أكثر الحكومات استبدادا وانتهاكا لحقوق الإنسان.
وتساءلت شيزاف عما إذا كان تحمل المخاطر ينم عن ثقة في النفس أو عن يأس. ففي عام 2017 قررت بلاكستون (Blackstone) -وهي شركة تعمل في مجال إدارة الاستثمارات ومقرها الولايات المتحدة- عدم الاستثمار في "إن إس أو" لما اعتبرته محفوفا بالمخاطر.
وعندما رفعت فيسبوك (Facebook) دعوى قضائية ضد مجموعة "إن إس أو" لاختراقها المزعوم لأكثر من 1400 حساب واتساب، وهي القضية التي انضمت إليها مايكروسوفت وغوغل، وجدت الشركة الإسرائيلية نفسها تحت ضغط متزايد.
وتزعم الشركة الآن أنها وضعت مدونة أخلاق خاصة بها تستعين بها في اختيار زبائنها بحرص أكبر. كما نشرت هذا العام تقرير شفافية انتقدته منظمة العفو الدولية (Amnesty International) واعتبرته "فرصة ضائعة" لأنه لم يكن شفافا بما فيه الكفاية.
ووفقا للكاتب الإسرائيلي أميتاي زيف من مجلة "ذا ماركر" (The Marker) فإن الأوضاع المالية لمجموعة "إن إس أو" متعثرة حتى قبل أن يفتضح أمر عملياتها. فقد وظفت مزيدا من العاملين وزاد تعداد قوتها العاملة من 600 إلى 750 موظفا ربما من أجل التعامل مع الدعوى القضائية التي رفعتها ضدها شركة فيسبوك والتصدي للتغطية الإعلامية "السيئة" التي تعرضت لها.
غيّرت مديريها 3 مرات
عام 2020، بلغ إيراد "إن إس أو" 343 مليون دولار مقارنة بمبلغ 251 مليونا عام 2018. ولاحظ الكاتب زيف أن الشركة غيّرت مديريها التنفيذيين 3 مرات في غضون 11 عاما.
ولم يتسن للكاتب الحصول مباشرة على التقارير المالية لذات الشركة، لكنه استشهد بتقرير صادر عن وكالة موديز للتصنيف الائتماني (Moody’s) في مايو/أيار حذرت فيه من أن حركة السيولة النقدية لمجموعة "إن إس أو" تحولت إلى سالبة، مما دفعها "أي الوكالة" لتخفيض التصنيف الائتماني للشركة الإسرائيلية للدرجة بي 3 (B3).
وقد أُعلن في 27 يوليو/تموز الماضي أن صندوق نوفالبينا كابيتال (Novalpina Capital)، الذي يملك معظم أسهم "إن إس أو"، يواجه التصفية بسبب خلافات داخل إدارته. فإذا انتهى الأمر بالصندوق ببيع أصوله في الأسواق المفتوحة، فليس ثمة قانون يحول دون شراء الصين أو إيران أسهم "إس إن أو" وما يترتب على ذلك من احتمال حصولها على وضع المساهم الرئيسي.
فقدان سيطرة الدولة
وتكمن المخاطرة في أن خصخصة قطاع الأمن تفضي إلى فقدان الدولة سيطرتها على الأسلحة والمعرفة التي تنتجها لمصلحة مؤسستها العسكرية.
ولأن الحكومة الإسرائيلية دأبت على استخدام وسائل المراقبة الجماعية لتبقي الفلسطينيين في حالة خوف دائم، ظل الاحتجاج الدولي في أدنى درجاته. لكن الآن ومع ما قد يكون لدى أي كائن بهذه المعمورة سبب للخوف من التعرض للمراقبة فقط لأن أحدا ما قرر الاستعانة بمجموعة "إن إس أو" (أو أي شركة أخرى) للتجسس عليه، فقد بدأ القلق ينتاب العالم أكثر وأكثر.
ويختم الموقع البريطاني بالقول إن مجموعة "إن إس أو" امتنعت عن التعليق على ما ورد بهذا التقرير.