الجمهوريون رافضون والديمقراطيون يصرون.. إلى أين تتجه معركة التحقيقات في اقتحام الكونغرس الأميركي؟

Trump supporters storm Capitol building in Washington
الترامبيون خلال عملية اقتحام الكونغرس من أجل تعطيل التصديق على فوز بايدن (الأناضول)

واشنطن ـ بعد وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول قبل نحو عقدين من الزمن، اتفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي على تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للنظر فيما جري من حيث التنقيب عن الأسباب وأوجه القصور التي سمحت بوقوع هذه الهجمات، إضافة إلى تقديم توصيات ومقترحات لمنع وقوع هجمات مشابهة في المستقبل.

واتفق الحزبان، بعيدا عن الحسابات والمصالح الحزبية، على تشكيل لجنة مشتركة مستقلة تُخصص لها ملايين الدولارات من الموارد ومئات الموظفين المتفرغين، لإنجاز تلك المهمة.

ومنحت تلك اللجنة سلطات واسعة منها استدعاء شهود، وتوظيف مختصين، والاطلاع على الوثائق الحكومية والمراسلات الرسمية المتعلقة بمكافحة الإرهاب.

ووافق الكونغرس بما يشبه الإجماع على تشكيل وتمويل التي اللجنة التي ترأسها الديمقراطي لي هاميلتون والجمهوري توماس كين.

ومنذ وقوع حادثة اقتحام الكونغرس في السادس من يناير/كانون الثاني الماضي، من طرف الآلاف من أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب الكونغرس، بهدف تعطيل التصديق على نتاج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، تعالت أصوات الديمقراطيين مطالبة بتشكيل لجنة تحقيق مشابهة للجنة 11 سبتمبر، إلا أن رفض الجمهوريين قضى على أي آمال في هذا الطريق.

التحقيقات ليست مصلحة جمهورية

وبعد إلقاء اللوم في البداية على الرئيس السابق لتحريضه على أعمال الشغب، حث قادة الحزب الجمهوري بمجلسي الكونغرس زملاءهم على التصويت ضد قرار التصويت بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة.

وحذر النائب كيفين مكارثي زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس النواب، والسيناتور ميش ماكونيل زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس الشيوخ، من مغبة تنبي مشروع القرار على مصالح الحزب الجمهوري.

وأصدر ماكونيل بيانا جاء فيه "لن توجد حقيقة جديدة عن ذلك اليوم، نحن لسنا بحاجة إلى لجنة الديمقراطيين لتكشف لنا ما جرى، وسأواصل دعم العمل الحقيقي والجاد لتحقيقات أجهزة العدالة الجنائية، ولجان مجلس الشيوخ الخاصة بنا".

ومن جانبه، أصدر الرئيس السابق بيانا نصح فيه الجمهوريين بمجلسي الشيوخ والنواب بالتصويت ضد قرار تشكيل لجنة الكونغرس المقترحة، واصفا إياها بأنها "فخ ديمقراطي" تؤدي إلى "المزيد من الظلم الحزبي" كما ناشد الجمهوريين "أن يصبحوا أكثر صرامة وذكاء، وأن يتوقفوا عن التناغم مع اليسار الراديكالي".

ويدرك المعلقون الأميركيون أنه ليس من مصلحة الجمهوريين السياسية أن يحافظوا على هذه القضية حية في أذهان الناخبين، وهو ما يمكن أن ينتج عن تشكيل لجنة تحقيقات مستقلة قبل أقل من عام ونصف العام على إجراء انتخابات التجديد النصفي بالكونغرس على كل مقاعد مجلس النواب وثلث مقاعد مجلس الشيوخ في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وينقسم الأميركيون بناء على الانتماء الحزبي تجاه التحقيق في أحداث 6 يناير/كانون الثاني الماضي. ووفقا لاستطلاع رأي أجرته جامعة هارفارد، رأى 52% من المشاركين أن أعمال الشغب التي قام بها (الترامبيون) مؤيدو ترامب تبرر إجراء تحقيق شامل من طرف الكونغرس. وبالمقابل، يعتقد 48% من المشاركين أن التحقيقات الجنائية الجارية، والتي يشرف عليها مكتب التحقيقات الاتحادي، كافية.

ويندرج الانقسام الحالي حول ما إذا كانت هناك حاجة إلى إجراء تحقيق بالكونغرس للوصول إلى جوهر وتفاصيل ما جري إلى الانتماء الحزبي، إذ يقول 69% من الديمقراطيين إنهم يؤيدون لجنة تحقيق مستقلة، في حين يرفض 62% من الجمهوريين هذا الطرح، وينقسم المستقلون حزبيا بنسبة 50% إلى نسبة 50% حول هذه المسألة.

لجنة خاصة

لم تكف موافقة أغلبية مجلس النواب بـ 222 صوتا، من بينهم جمهوريان فقط، مقابل رفض 190 عضوا كلهم من الجمهوريين، لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للنظر في أحداث السادس من يناير/كانون الثاني.

وقبل ذلك فشل مجلس الشيوخ في الاتفاق على تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، حيث لم يصوت إلى جانب الديمقراطيين إلا 6 أعضاء جمهوريين، في حين كانت هناك حاجة لـ 10 أصوات جمهورية، من أجل تمرير مشروع قرار بتشكيل لجنة تحقيق خاصة.

ومع ذلك لجأت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي للبدء في تشكيل لجنة خاصة لإجراء التحقيقات. وستتكون من 13 عضوا منهم 5 جمهوريين، واختارت بيلوسي النائبة الجمهورية ليز تشيني، في رسلة واضحة لهز ثقة الجمهوريين بأنفسهم.

ويدرك الديمقراطيون أنه، وبدون مشاركة الجمهوريين في اللجنة بجدية، لن يكون لنتائج التحقيقات النهائية قيمة كبيرة.

وأجرت لجان فنية بمجلسي الشيوخ والنواب تحقيقات مستقلة حول حادثة 6 يناير/كانون الثاني، وانتهت بتوصيات فنية لمنع وقوع أحداث مستقبلية مشابهة، كما تجري أجهزة إنفاذ القانون التابعة لوزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" (FBI) تحقيقات جنائية يتهم فيها المئات بالمشاركة في أعمال مخالفة للقانون واقتحام مبان فدرالية والاعتداء على موظفين عموميين والتسبب في قتل 7 أشخاص وإصابة المئات.

وأوصت التحقيقات بعدة إجراءات من بينها دعم شركة الكابيتول، وتسهيل الاستعانة بقوات الجيش والحرس الوطني خلال الأزمات.

ولم تتطرق تقارير التحقيقات التشريعية إلى دور الرئيس السابق في التحريض على أعمال الشغب، بحجة أن ذلك خارج نطاق التحقيقات.

وجدير بالذكر أن مجلس النواب قد أدان ترامب في يناير/كانون الثاني الماضي بتهمة دعم التمرد والتحريض على اقتحام الكونغرس، إلا أن محاكمة الرئيس أمام مجلس الشيوخ أدت إلى تبرئته.

مخاوف من عواقب عدم التحقيق المستقل

يرى العديد من المعلقين أنه، وبدون تحقيق شامل وعميق ومستقل في أحداث 6 يناير/كانون الثاني، سيكون النظام الأميركي قد أظهر أنه لا يزال غير قادر على معالجة نفس المشاكل التي أنتجت العنف في المقام الأول، مثل الحزبية الشديدة، انعدام الثقة المتفشي في الجانب الآخر، الاستعداد الجديد للتشكيك في نتائج الانتخابات.

وقال زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ السيناتور تشاك شومر "هناك حاجة ماسة إلى لجنة التحقيق لمواجهة مزاعم ترامب الكاذبة بأن الانتخابات سرقت منه".

ووفق تقارير إخبارية، سيحاول الجمهوريون التركيز على ما يرونه فشلا من بيلوسي في توفير المزيد من الموارد لتأمين مبنى الكابيتول، وهو ما يقع ضمن اختصاصاتها بهدف تشتيت الانتباه، ومحاولة تحويل اللوم بعيدا عن الرئيس السابق.

ولا تغيب انتخابات الكونغرس المقرر لها العام القادم عن حسابات بيلوسي، خاصة مع وجود مع ما يشبه عرف سياسي يقضي بخسارة حزب الرئيس -في العادة- بعض مقاعد مجلس النواب بانتخابات التجديد النصفي.

ويكفي الجمهوريين نيل 5 مقاعد فقط كي تنتقل الأغلبية إلى الجمهوريين داخل مجلس النواب، وهو ما قد يؤدي إلى شبه شلل بأجندة الرئيس جو بايدن خلال العامين الأخيرين من فترة حكمه.

المصدر : الجزيرة