زعيم تيغراي: بقاء الإقليم ضمن إثيوبيا أصبح موضع شك

دبرصيون يقول إنه لم يتوقع أن يعود إلى ميكيلي حيًّا (الأوروبية)

شدد رئيس الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، دبرصيون جبر ميكائيل، على أنه حتى لو انتهى الصراع مع الحكومة الإثيوبية قريبا، فإن مستقبل الإقليم تيغراي كجزء من إثيوبيا يبقى موضع شك، مضيفا أن الثقة تحطمت، ومع ذلك يتوقف الأمر على سياسات المركز.

وتساءل دبرصيون، الذي يعني اسمه بلهجة التيغراي "جبل صهيون"، "إذا لم يكونوا يريدوننا (يقصد الإثيوبيين) بينهم، فلماذا يتعين علينا البقاء؟".

ورد ذلك في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) الأميركية، وهي الأولى من نوعها التي تجريها وسيلة إعلامية مع دبرصيون منذ استعادة قواته السيطرة على ميكيلي عاصمة الإقليم الواقع في شمال غربي إثيوبيا.

وعرض دبرصيون في المقابلة التي أجراها معه ديكلان والش، كبير مراسلي الصحيفة للشؤون الأفريقية، رؤية الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي لصراع أدخل البلاد في معمعة الفوضى إثر إطلاق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد حملة عسكرية في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني على الإقليم المتمرد.

العودة إلى ميكيلي

ومن مدينة جيجيت في جنوب تيغراي، قدم والش عرضا تفصيليا لعودة دبرصيون إلى ميكيلي في قافلة سيارات كانت تسلك طريقا زلقا من أعلى الجبل صوب ميكيلي.

عاد دبرصيون -وهو الاسم الذي أطلقه عليه والده- إلى عاصمة تيغراي بعد أن ظل طوال 8 أشهر متخفيا وسط الجبال حيث كان يقود حربا لاستعادة حكمه على الإقليم.

وجاءت عودته بعد يومين من استرداد جبهة تحرير تيغراي عاصمة الإقليم من أيدي قوات الحكومة المركزية الإثيوبية التي تخلّت عن المدينة بشكل مفاجئ.

وتعليقا على فرار القوات الحكومية من ميكيلي، قال دبرصيون "لم أتوقع أن أعود حيًّا ولكن هذه ليست مسألة شخصية، فالأهم أن شعبي الآن حر، بعد أن تحرر من الغزاة. كان الشعب يعيش في جحيم، والآن بإمكانه أن يتنفس مجددا".

ويزعم دبرصيون -المولود في يونيو/حزيران عام 1950في بلدة شيرا إندا سلاسي من أسرة مسيحية أرثوذكسية- أن قواته ألحقت الهزيمة بـ7 من 12 فرقة من فرق الجيش الإثيوبي وقتلت ما لا يقل عن 18 ألف جندي منهم.

خطط واسعة

واستعرض دبرصيون بالتفصيل خططه لتوسيع نطاق الحرب لتشمل كل تيغراي لطرد "أي قوة خارجية" من الإقليم بما فيها القوات الإريترية والمليشيات القادمة من إقليم الأمهرة المجاور، متحديا بذلك النداءات الدولية لوقف إطلاق النار.

وفي هذا الصدد يقول زعيم تيغراي "إنهم استولوا على الأرض بالقوة، وسنستردها منهم بالقوة"، في إشارة إلى تلك القوات التي وصفها بالخارجية.

ويقول الصحفي ديكلان والش إنه عندما وصل إلى ميكيلي لإجراء المقابلة في ظهيرة يوم عاصف الخميس الماضي، كان دبرصيون منكبًّا على العمل على جهاز حاسوب محمول في غرفة مظلمة تقريبا بالطابق العلوي لمنزل "يشبه القلعة المحصنة"، فقد قطعت الحكومة المركزية التيار الكهربائي وشبكة الهاتف عن المدينة.

واعتذر دبرصيون إلى الصحفي الأميركي عن الأوضاع، وقال إن الإقليم "تحت حصار"، منتقدا في الوقت نفسه حليفه السياسي السابق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد واصفا إياه بأنه "زعيم نزق وقليل الخبرة وقد تجاوز حدوده".

ماركسي عارض منغستو

ورغم نشأته الأرثوذكسية المتدينة، فإن دبرصيون حاد عنها عندما التحق بكلية الهندسة في جامعة أديس أبابا حيث اعتنق الماركسية فكرا إبان حكم الكولونيل منغستو هايلي ماريام (1974-1991).

ولما لم يكن راضيا عن حكومة منغستو المستبدة رغم يساريته، اضطر إلى الخروج عليها هو ونفر من الإثيوبيين ليعلنوا ميلاد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في 18 فبراير/شباط 1975.

وبعد سقوط حكومة منغستو عام 1991 تابع دبرصيون دراسته في جامعة أديس أبابا التي كان قد قطعها في عام 1977، فنال منها درجتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الكهربائية، ثم حصل على الدكتوراه بالمراسلة من جامعة كابيلا بالكونغو عام 2011 عن أطروحته في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المجتمعية.

ويصف دبرصيون، في مقابلته مع نيويورك تايمز، إثيوبيا بأنها "بلد معقد، وغارق في الفوضى"، وأن آبي أحمد "يفتقر إلى الخبرة وغير ناضج".

ويمضي في وصفه لرئيس الوزراء الإثيوبي قائلا "لكنه بسبب طموحه ليكون ملكا أو حاكما لإثيوبيا، فقد رآنا عقبة في طريقه".

إذلال آبي أحمد

ويوم الجمعة الماضي نظمت قوات الدفاع لإقليم تيغراي مسيرة بدا كأن الغرض منها "إذلال" آبي أحمد، إذ سار ما لا يقل عن 6 آلاف أسير حرب إثيوبي في وسط مدينة ميكيلي، في حين اصطف السكان على جوانب الطرق وهم يهتفون "آبي لص!".

وتلفت الصحيفة الأميركية إلى أن زعيم تيغراي خاض أول حروبه في ثمانينيات القرن الماضي عندما كان يدير إذاعة الثورة "صوت وياني" التابعة للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي كانت تقود المعارضة ضد نظام الحكم الماركسي آنذاك في إثيوبيا.

وبعد سقوط نظام منغستو في 1991 هيمن تحالف من تنظيمات عدة بقيادة التيغرانيين على الحكم في إثيوبيا زهاء 3 عقود إلى أن أصبح آبي أحمد رئيسا للوزراء في 2018.

وقد شهدت تلك المرحلة استقرارا في إثيوبيا واستطاعت الحكومة الائتلافية تحقيق نمو اقتصادي ظل مزدهرا قرابة عقد من الزمان.

تقدم على حساب الحقوق المدنية

غير أن ذلك التقدم جاء على حساب الحقوق المدنية الأساسية لسكان البلاد، وكان أن فازت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالانتخابات المتعاقبة بنسبة 100% من الأصوات.

وفي ذلك الوقت، لم يكن دبرصيون من التكنوقراط ذائعي الصيت، فقد عمل وزيرا للاتصالات ومسؤولا عن مرفق الكهرباء إذ أشرف على تشييد سد لتوليد الطاقة الكهربائية المائية بتكلفة 4.5 ملايين دولار، سيصبح عند اكتماله الأكبر من نوعه في أفريقيا.

وعندما عكرت احتجاجات شعبية صفو الحكم الذي تقوده جبهة تحرير تيغراي في إثيوبيا منذ عام 2015، سطع نجم دبرصيون داخل الحزب الحاكم.

بيد أن الحرب التي اندلعت غيّرت كل شيء، حسب ديكلان والش في تقريره بنيويورك تايمز.

وقال آبي أحمد حينئذ إنه لم يكن أمامه من خيار سوى شنّ عملية عسكرية بعد أن هاجمت قوات تيغراي قاعدة عسكرية في الإقليم الشمالي في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وردّ دبرصيون على رواية آبي أحمد بالقول إن أديس أبابا ظلت أياما تحشد قواتها على طول الحدود مع إقليم تيغراي استعدادا لشن عدوان عليه.

دور إماراتي

وتنقل الصحيفة الأميركية عن دبرصيون القول إن قوات تيغراي فوجئت في بادئ الأمر بسيل من الغارات بطائرات مسيرة ضد أنظمة مدافعها وخطوط إمداداتها، مضيفا أن ذلك تم بواسطة دولة الإمارات العربية المتحدة التي يصفها بأنها حليف لآبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي.

وتقول نيويورك تايمز إنها لم تحصل على رد من مسؤول إماراتي على أسئلة تتعلق بالهجمات المزعومة بطائرات مسيرة، مشيرة إلى أن دبرصيون زعم أن تلك الهجمات غيرت مسار الحرب.

وقال زعيم إقليم تيغراي في المقابلة مع الصحيفة الأميركية إنه "لولا تلك الطائرات المسيرة لكان القتال مختلفا".

وكشف دبرصيون عن أنهم سيطلقون سراح معظم السجناء الإثيوبيين الذين عرضتهم قواته في المسيرة التي نظمتها في شوارع ميكيلي الجمعة الماضية، إلا أنه أكد أن الضباط الإثيوبيين سيظلون قيد الحبس.

ودعا المجتمع الدولي إلى ضمان محاسبة المسؤولين عن الفظائع التي ارتُكبت في تيغراي في الشهور الماضية من مذابح واغتصاب واستخدام الجوع كسلاح حرب.

رفض للتحقيق الأممي

ومع أن بعض مواطني تيغراي متهمون أيضا بارتكاب فظائع في أثناء الصراع، فإن دبرصيون رفض التحقيق الذي تجريه الأمم المتحدة بجانب جهة حقوقية ذات صلة بالحكومة الإثيوبية باعتبارها جهة "متحيزة".

وحذر دبرصيون من أن آبي أحمد إذا حاول حشد قواته مرة أخرى في الأقاليم المتاخمة لتيغراي فإنه سيسارع بإرسال مقاتليه لاعتراضها.

وأوردت نيويورك تايمز في تقريرها أن بعض زعماء تيغراي أشاروا إلى أن قواتهم قد تتقدم نحو أسمرا، عاصمة إريتريا، لإطاحة أسياس أفورقي الذي يضمر عداوة لهم.

ولكن دبرصيون بدا أكثر حذرا -حسب الصحيفة- إذ أكد أنهم سيقاتلون لإبعاد القوات الإريترية إلى خارج الحدود "وليس بالضرورة الذهاب إلى أبعد من ذلك".

ويقول في هذا الصدد "علينا أن نكون واقعيين. صحيح أننا نرغب في إزاحة أسياس، ولكن في نهاية الأمر على الإريتريين إسقاطه".

المصدر : نيويورك تايمز