التصعيد مقابل الإخلاء.. هكذا رد "البيتاويون" على انسحاب المستوطنين من جبل صبيح
أهالي بلدة بيتا بالضفة الغربية ابتدعوا أساليب وطرائق لمقاومة الاحتلال والمستوطنين مثل "الإرباك الليلي" ووحدات الكوشوك والخوازيق والليزر.

نابلس- بينما كان المستوطنون يستعدون للنزول عن جبل صبيح تمهيدا لإخلائه كان "البيتاويون" يصعدون باتجاهه ليكملوا يومهم الـ65 في مقارعة المستوطنين الذين احتلوا الجبل قبل أكثر من شهرين وأقاموا عليه مستوطنة "جفعات أفيتار".
وبموجب اتفاق تسوية بين وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس وقادة المستوطنين، وعبر مفاوضات سرّية بدأ المستوطنون إخلاء مؤقتا يوم الجمعة الماضي ويستمر حتى اليوم الأحد من المكان، على أن تظل بيوتهم المتنقلة (الكرفانات) قائمة لتخدم جيش الاحتلال الذي سيقيم نقطة عسكرية دائمة في الموقع.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsيستلهمون تجربة غزة في إرباك المستوطنين.. هكذا ينظم شباب “بيتا” الفلسطينية مواجهتهم للاحتلال
مصور فلسطيني: هذه خطورة وجود بؤرة استيطانية في بلدة بيتا وهكذا أثبت الإرباك الليلي قوتهسيتم فتح هذه المقالة في علامة تبويب جديدة
وبطريقتهم ردَّ أهالي بيتا جنوب نابلس شمال الضفة الغربية على قرار الإخلاء، فاحتشدوا بعدّة وعتاد أكبر من المرات السابقة، وانطلقوا نحو الجبل محصَّنين بمختلف أساليب المقاومة الشعبية من المشاعل وإطارات المركبات وكشافات الليزر، ووسط هتافهم الثوري أعلنوا أن لا نزول عن الجبل حتى تحريره كاملا من المستوطنين وجيش الاحتلال معا.

وسجلت البلدة يوم الجمعة فقط 250 إصابة بين طفيفة وصعبة بأنواع مختلفة من الرصاص المعدني المغلف بالمطاط والحي وقنابل الغاز المدمع التي أغرقت المتظاهرين بعد أن أطلقها الجنود من بنادقهم وعبر طائرات مُسيَّرة.
استحداث وحدات
وثمة ما يشغل "البيتاويين" أكثر من إخلاء المستوطنة وهو ابتداع طرائق للمقاومة ووحدات "الإرباك الليلي" التي تعددت وتنوعت مهامها، كوحدة "الكوشوك" وتتولى حرق الإطارات فضلا عن وحدات الليزر والمشاعل، وأضافوا وحدة "الخوازيق" ومهمتها إعطاب عجلات مركبات الاحتلال العسكرية.
ويقول نسيم معلا الناشط في المقاومة الشعبية في بلدة بيتا إنهم سيقابلون الإخلاء بالاستمرار بقض مضاجع الاحتلال بكل الوسائل، مشيرا إلى أنهم أعادوا فتح طرق أغلقها الاحتلال، وغنموا "صيدا ثمينا" من قنابل الغاز المدمع من مخلفات الجيش وأعادوا استخدامه ضده.
وعملوا أيضا على بث روح الثورة في القرى المجاورة لبيتا لتنظيم فعاليات مشابهة بمناطقها لإرباك الاحتلال وتشتيته، واستغلوا دعم بقية المدن والقرى الفلسطينية والوفود السياسية والصحافة المحلية والأجنبية لتسليط الضوء على مقاومتهم وجعلها نهجا.

وفي ثمانينيات القرن الماضي بدأت محاولات الاستيطان على جبل صبيح فدافع الأهالي عن أرضهم وقدموا الشهداء والأسرى، وهدم الاحتلال بيوتهم ونفى بعضهم، ليعود المستوطنون بعد ذلك وبطرق التفافية لتشييد بؤرتهم حتى نجحوا بذلك مطلع مايو/أيار الماضي، وبسباق مع الزمن وبدعم من الجيش بنوا أكثر من 40 وحدة سكنية تقطنها 50 أسرة مستوطنة.
أدلجة الصراع
ويقول الناشط معلا للجزيرة نت إن تصرفات الجنود عند الإخلاء عكست نيتهم للتصعيد، فلم يخفضوا من "حدة التوتر" مع الفلسطينيين الذي كان سببا بإجلاء المستوطنين، وكثفوا وجود الجنود مع خروج المستوطنين ورفعوا أعلاما إسرائيلية ضخمة ومجسما حديديا لنجمة داود.
ويضيف معلا أن الاحتلال يريدها "حربا دينية"، ويؤكد أن على الأرض لا يوجد إخلاء، فهناك "كنيس" ديني يتلقى فيه عشرات المستوطنين المتطرفين تعاليمهم الدينية على يد 3 أسر ستظل لهذا الغرض، وهذا سيلهب نار البيتاويين مجددا ويُذكي صراعا قديما مع المستوطنين يتطور إلى "المواجهة" كما حدث سابقا ومن وقت قريب أيضا.
ويكرر معلا مقولة أحد "حرّاس الجبل" أنه "إذا ما احتل جبل صبيح فعلى الجيش تجهيز 15 ألف رصاصة يضعها في رؤوس سكان القرية كلها الذين سيستميتون دفاعا عن أرضهم"، مبينا أن الدعوات خرجت الجمعة لإلحاق القول بالفعل وبناء مسجدين قرب جبل صبيح ردا على تشييد مدرسة دينية يهودية.

ودعما للجبل لم يبرح حراسه الأرض وبدؤوا يتأقلمون مع ذلك، فأحيوا مناسباتهم من زواج وغيره هناك وأداروا أعمالهم وتكفلت النساء برفدهم بالطعام والشراب، وآخر المبادرات تبرع "أسرى بيتا" في سجون الاحتلال بوجبات طعامهم.
ووفق اتفاق الإخلاء يتعين على الجيش الإسرائيلي خلال 6 أشهر التحري عن "حقوق الملكية للأرض" تمهيدا لتثبيت المستوطنين، ويرفض البيتاويون ذلك ويؤكدون أن الجبل أراض خاصة وموثقة بأسماء أصحابها، وتؤكد ذلك سجلات محكمة نابلس في العهد العثماني.
مسارات المقاومة
ويقول موسى حمايل نائب رئيس بلدية بيتا إن المستوطنين يدركون أنه لو أمكنهم ولو "بأساليب ملتوية" ابتياع متر واحد لفعلوا ذلك للسيطرة على الجبل بأكمله، ويرى أن "اتفاق التسوية" بين الطرفين (الجيش والمستوطنين) لا علاقة له بالأرض والعمل على السيطرة عليها وحرمان أصحابها منها بخاصة أنه يبقي على وجود المستوطنين المتطرفين عبر "كنيس تلمودي" سيظل إلى جانب نقطة الجيش.

وتلجأ سلطات الاحتلال إلى قانون "الأغراض العسكرية" للدولة المحتلة لوضع يدها على الأرض الفلسطينية لتحولها لاحقا إلى المستوطنين بعد أن تنسحب منها، وهو ما تحاول أن تفعله في بيتا، وهو ما جعل تسفي سوكوت أحد المسؤولين المستوطنين في "أفيتار" يُصرح لوكالة الصحافة الفرنسية مؤكدا ضرورة الحفاظ على "وجود يهودي فوق التلة".
ويقول حمايل للجزيرة نت إن جيش الاحتلال عمل خلال السنوات الماضية لعرقلة وصول المواطنين إلى أرضهم، فمنع استصلاحها وجرفها بمزروعاتها أكثر من مرة ليدّعي أنها "أراض غير معمرة ومهجورة" لتسهيل مصادرتها.
وعبر مستويات ثلاثة يسير أهالي بيتا، حسب حمايل، للتصدي لمشروع الاحتلال الاستيطاني على جبل صبيح؛ أولها يتمثل بالمقاومة الشعبية عبر المظاهرات والإرباك الليلي وغير ذلك، والثاني قانوني عبر متابعة الملف في المحاكم الإسرائيلية لتثبيت ملكيتهم للأرض، والثالث يرتكز على إعمار الأرض المحيطة بالجبل ودعوة أصحابها للبقاء بها.
ولا تملك بيتا أكثر من 25% من أراضي جبل صبيح المقدرة بـ820 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع)، وتذهب 75% منها إلى قرى قبلان ويتما، ومع ذلك يتصدر البيتاويون المشهد ويدافعون بصدورهم العارية عن الأرض، واستشهد منهم 4 حتى الآن وخامس من قرية يتما المجاورة، ومع ذلك يظل لسان حالهم أن لا نزول عن الجبل حتى طرد آخر مستوطن وجندي إسرائيلي.