بعد تصاعد الهجمات الإلكترونية.. بايدن يحذر من دخول حرب ضد قوى كبرى
تتجه الاتهامات الأميركية تحديدا إلى روسيا في ما يتعلق بالهجمات الإلكترونية، لكنها ليست قاصرة عليها، فكثيرا ما يأتي ذكر الصين وأحيانا إيران ضمن الدول التي تقول واشنطن إنها تشن هجمات إلكترونية ضدها لكن بقدر أقل

واشنطن – عندما التقى الرئيس الأميركي جو بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الشهر الماضي في جنيف لم تتركز المحادثات بينهما على القضايا التقليدية لنزع السلاح أو المقايضات الجيوإستراتيجية المعتادة.
وتركزت محادثات الزعيمين على قضية جديدة فرضت نفسها، وهي الهجمات الإلكترونية التي تتعرض لها منذ سنوات مؤسسات الحكومة الفدرالية والأجهزة المحلية والشركات الخاصة في الولايات المتحدة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبعد هجمات إلكترونية على وكالات أميركية حساسة.. هل ستُعاقَب روسيا؟
نيويورك تايمز: إدارة بايدن تخطط لهجمات إلكترونية سرية ضد شبكات روسية
قبيل قمته مع بايدن.. بوتين يعد بالسعي لتحسين العلاقات ويرفض اتهامات بتورط روسيا في هجمات إلكترونية
وبعدها بـ3 أسابيع فقط اتصل بايدن ببوتين هاتفيا خصيصا ليطلب منه -فيما وُصف بالإنذار النهائي- وقف تلك الهجمات من الأراضي الروسية، واتخاذ إجراءات ضد هؤلاء القراصنة وإلا فإن واشنطن ستتحرك بنفسها لمواجهتها.
اللهجة الحادة للإدارة لم تعد تتحدث عن عمليات القرصنة كجرائم أفراد أو جماعات، بل باعتبارها تهديدا للأمن القومي يستدعي إجراءات أقوى من قبل الرئيس الأميركي شخصيا.

وعندما سئل بايدن عما إذا كانت الهجمات المضادة تعني تعطيل الشبكات الإلكترونية والإنترنت التي يستخدمها القراصنة كانت إجابته: نعم.
وتتجه الاتهامات الأميركية تحديدا إلى روسيا في ما يتعلق بهذه الهجمات لكنها ليست قاصرة عليها، فكثيرا ما يأتي ذكر الصين وأحيانا إيران ضمن الدول التي تقول واشنطن إنها تشن هجمات إلكترونية ضدها لكن بقدر أقل.
ويضع بايدن هذه القضية في مقدمة اهتماماته، وصار يتحدث عنها في كثير من المناسبات، لكنه استغل زيارته الأخيرة لمكتب مدير أجهزة الاستخبارات الأميركية ليركز عليها، حيث أوضح طبيعة الهجمات المستمرة على الولايات المتحدة، سواء تلك التي تشنها حكومات أو عمليات القرصنة الإجرامية التي تستهدف تعطيل أنظمة الشركات وفرض فدية عليها لإعادة تشغيلها.
وقدم بايدن تحذيرا هو الأقوى بشأن ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك قائلا "لو انتهى الأمر إلى دخول حرب حقيقية ضد قوة كبرى فإنها ستكون نتيجة لهجوم إلكتروني كبير تسبب في عواقب وخيمة".
الشركات والفدية الإلكترونية
ورغم أن التركيز الإعلامي كان موجها خلال السنوات الأخيرة على الاتهامات الأميركية لروسيا بالتدخل في العملية الانتخابية الأميركية لإفسادها أو إثارة الشكوك في دقتها ومصداقيتها فإن أغلب هذه الهجمات كانت موجهة ضد هيئات حكومية وشركات خاصة.
وشهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعا ملحوظا فيها، منها الهجوم ضد خطوط أنابيب "كولونيال" (Colonial) التي تمد الساحل الشرقي للولايات المتحدة بـ45% من احتياجاته من الطاقة، وتقول واشنطن إن مجموعة تتحدث الروسية مسؤولة عنه.
وبعدها تعرضت أكبر شركات إنتاج اللحوم في العالم "جيه بي إس" (JBS) لعملية قرصنة إلكترونية عطلت أنظمتها، واضطرت لدفع فدية قدرها 11 مليون دولار لتعود إلى العمل.
وشهد العام الماضي عمليات قرصنة إلكترونية واسعة، منها عمليات تجسس "سولارويندز" (SolarWinds)، وتتهم واشنطن المخابرات الروسية بالتورط فيها، وهو ما تنفيه موسكو، كما شملت هجمات على برامج تتحكم في شبكات الإمداد لنحو 18 ألف شركة أو جهاز حكومي محلي وفدرالي.
لكن ما أثار غضب بايدن أكثر هو الهجوم الذي شنته جماعة أطلقت عليها واشنطن اسم "آر إيفل" (REvil) في الرابع من يوليو/تموز الجاري مع عيد الاستقلال، حيث جاء بعد قمة جنيف مع بوتين، وكان أكثر جرأة واستخدم تقنيات حديثة وكاد يؤدي إلى كارثة للشركات التكنولوجية لولا أنه تم التصدي له ووقفه قبل فوات الأوان.
وتقر المصادر الأميركية بصعوبة مواجهة هذا التهديد الجديد الذي يمكن أن يأتي من أي مكان في العالم ولا تفيد معه الحماية الطبيعية بمحيطين كبيرين أو بترسانة نووية متطورة.
لكن الإدارة تتجه الآن لمعاملة هؤلاء القراصنة كإرهابيين أو مثل عصابات التهريب الخطيرة، وبذلك تتولى مواجهتها قيادة الحرب الإلكترونية في البنتاغون لإفساد تلك الهجمات حتى لو اقتضى الأمر التدخل في عمل شبكات داخل روسيا.
قرار تنفيذي
ورغم تصاعد عمليات القرصنة فإن سياسة المواجهة ظلت تفتقر إلى إستراتيجية متكاملة وتعتمد على مجموعة إجراءات، أغلبها غير إلزامية، وصفها مسؤول أميركي بأنها غير كافية لحماية خطوط الغاز وإمدادات المياه والمنشآت الصناعية وغيرها من الخدمات التي تدعم الاقتصاد، لذلك أصدر بايدن قرارا تنفيذيا لزيادة قدرتها على مواجهة تلك الهجمات.
وتفرض القرارات الجديدة بعض المعايير على وكالات الحكومة الفدرالية، وتضع أهدافا محددة للأمن والحماية الإلكترونية، مثل تشفير البيانات والتأكد من الأفراد والجهات المستخدمة لها لجعل اختراق الأنظمة لديها أكثر صعوبة حتى لو تمت سرقة كلمة المرور.
وتتجه الحكومة الفدرالية بذلك إلى تقييم أداء كل شركة ومدى استعدادها لمواجهة عمليات القرصنة.
لكن تظل سلطة الرئيس الأميركي محدودة في إلزام الشركات الخاصة أو التابعة للولايات بتنفيذ هذه الإجراءات التي تظل تطوعية لها، لذلك فإن القرار يتضمن مواصفات وشروطا أمنية على الشركات التي تبيع برامج "سوفت وير" (Software) للحكومة الفدرالية، على أمل أن يدفع ذلك تلك الشركات للالتزام بالمعايير الجديدة، لكنها مراهنة غير مأمونة باعتبار أن القطاع الخاص يهيمن على أغلب خدمات البنية الأساسية في أميركا.
ورغم أن هذه الشركات لها أدواتها الخاصة لحماية نفسها بالاشتراك مع جهات أخرى تتبادل المعلومات في ما بينها فإن التجربة أثبتت وجود فجوات فيها تسهل اختراقها من قبل جهات تعمل لصالح حكومات أو قراصنة.