البروفة الثالثة لتشكيل الحكومة اللبنانية.. هل ينجح ميقاتي فيما فشل فيه الحريري؟
يستبعد مراقبون لبنانيون أن يواجه ميقاتي نفس العقبات التي واجهها الحريري، في حين يتوقع آخرون أن يكون اعتذاره عن تشكيل الحكومة مسألة وقت
بيروت – استطاع نجيب ميقاتي أن ينال لقب ثالث رئيس مكلف لتشكيل حكومة لبنانية، بعد استقالة حكومة حسان دياب في أغسطس/آب من العام الماضي، في بلد يعيش أسوأ أزماته التاريخية، سياسيا واقتصاديا ومعيشيا.
وانتهت الاستشارات البرلمانية الإلزامية التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون، أمس الاثنين، بتكليف ميقاتي بـ72 صوتا مقابل 42 نائبا لم يصوتوا لأحد، وصوت واحد للدبلوماسي نواف سلام، فيما تغيب 3 نواب عن الاستشارات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsكلفه الرئيس اللبناني بتشكيل الحكومة.. ميقاتي يطلب تعاون الجميع لحل الأزمات
مهمة البحث عن بديل للحريري.. هل العقدة في المواصفات الشخصية أم النظام السياسي؟
لبنان.. تكليف ميقاتي بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة
ويأتي ميقاتي رئيسا مكلفا لحكومة سعت فرنسا منذ نحو عام أن تخرج من رحم مبادرتها التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون في بيروت، ولقبتها بـ"حكومة المهمة" المكونة من اختصاصيين غير حزبيين.
لكن المبادرة الفرنسية، تهاوت تدريجيا، وفق كثيرين، بعد أن عجز مصطفى أديب (المكلف الأول) من تأليفها، فاعتذر، ثم كُلّف سعد الحريري واعتذر بعد نحو 9 أشهر، نتيجة استفحال الخلافات بينه وبين رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، ليفضي التوافق على شخصية ميقاتي، متسلحا بغطاء طائفي (سني) من دار الفتوى وما يعرف بنادي رؤساء الحكومة السابقين.
وقال ميقاتي عقب لقائه عون، بعد تكليفه رسميا، إنه سيسعى لتشكيل الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية، وأولى مهماتها تنفيذ المبادرة الفرنسية، مؤكدا حصوله على الضمانات الخارجية المطلوبة تنفيذا لمهمته.
ورغم أن ميقاتي، مثل الحريري، لم يحصل على تصويت أكبر تكتلين مسيحيين في البرلمان، وهما التيار الوطني الحر (برئاسة جبران باسيل)، وحزب القوات اللبنانية، فإنه نال أصوات كتلة حزب الله البرلمانية، خلافا للحريري الذي نال عند تكليفه 65 صوتا بلا أصوات الحزب.
الرئيس المكلف
ميقاتي (65 عاما)، رجل أعمال وملياردير من كبار أثرياء العالم، وتقدر مجلة فوربس ثروته بـ2.7 مليار دولار، يأتي من طرابلس شمالي البلاد التي يعيش معظم أبنائها فقرا مدقعا، ويعد زعيما سياسيا للمدينة ذات الغالبية السنية، وتصدر فيها بانتخابات 2018، المرتبة الأولى بنيله 21 ألف صوت تفضيلي، بعد منافسة شديدة بين لائحته ولائحة الحريري شمالا. كما ترأس ميقاتي حكومتين في 2005 و2011، ووصفت الأخيرة بحكومة اللون الواحد التي طغى عليها نفوذ حزب الله.
وهذا الرجل الذي يوصف بالوسطية والاعتدال، كان من بين المسؤولين التي أثيرت حولهم شبهات الفساد بملفات قضائية عدة، كـ"الإثراء غير المشروع"، وملف القروض السكنية.
ثوابت ميقاتي
يفيد مصدر مقرب من ميقاتي للجزيرة نت، أنه سينطلق من 3 ثوابت أساسية بمرحلة التأليف:
- تشكيل حكومة تكنوقراط غير سياسية تضم اختصاصيين فقط وبلا حصص أو ثلث معطل لأحد.
- إعطاء الحكومة طابعا إنقاذيا، مهمتها كبح الانهيار والتفاوض مع صندوق النقد الدولي.
- عدم الدخول بتكليف مفتوح، وسيعطي لنفسه وقتا قصيرا، إما ينجح بالتأليف أو ينسحب، منعا لفتح بازار سياسي.
لكن هذه الثوابت، دفعت الحريري للاصطدام مع فريق عون بحائط الاعتذار.
فهل سينجح ميقاتي بقلب معادلات التأليف لصالحه؟
يستبعد الكاتب والمحلل السياسي، رضوان عقيل، أن يواجه ميقاتي نفس العقبات التي واجهها الحريري، انطلاقا من اعتبارات عدة:
- كان عون وباسيل يرفضان وجود الحريري، وقد نجحا بدفعه للاعتذار، بعد أن أخذ خلافهم طابعا شخصيا، فيما طبيعة هذه العلاقة غير موجودة مع ميقاتي.
- خلافا للحريري الذي رفض طوال رحلة تكليفه أن يلتقي مع باسيل، أقدم ميقاتي على لقائه مساء الأحد، قبل تكليفه رسميا، كمؤشر إيجابي لفتح قنوات التواصل والنقاش مع فريق عون.
- سيكون هذه المرة عون وباسيل أكثر تساهلا مع ميقاتي، لأنه إذا جرى تطويقه، بعد تكليف رئيسين، سيُحرجان أكثر أمام الرأي العام، ومن الصعب العثور على شخصية تحظى بغطاء سني بعد الحريري وميقاتي.
وطوال رحلة تكليف الحريري، تمحور خلافه مع الرئيس عون حول التضارب بشرح الصلاحيات الدستورية، إلى جانب الخلاف على توزيع الحقائب الوزارية وعدد الوزراء، مقابل تمسك عون بتسمية الوزراء المسيحيين، وما يعرف بالثلث المعطل، وبحقيبتي الداخلية والعدل.
وهنا، يعتبر عقيل، في حديث للجزيرة نت، أن عون وباسيل يدركان صعوبة تحقيق مطالبهما، ما يدفعهما للتعاطي ببراغماتية مختلفة، مشيرا إلى أن امتناع كتلة باسيل تسمية ميقاتي، لا يعني عدم انفتاحهم للتفاوض معه لأن باسيل يسعى لاستثمار مواقفه لانتخابات 2022، وإذا فشلت هذه الحكومة، وفق عقيل، لا يريد أن يتحمل المسؤولية أمام الشارع، وتحديدا المسيحي.
وعليه، يتوقع المحلل السياسي ولادة حكومة ميقاتي بعد فترة، "إذ تبدو علاقاته مقبولة، كما يدعمه رئيس البرلمان نبيه بري (حليف حزب الله)، إلى جانب تسميته من قبل حزب الله الذي يحتاج لتشكيل حكومة، ضبطا لتداعيات الانهيار بالشارع".
أما إذا تكرر سيناريو عون-الحريري، وفق عقيل، فيعني أن ميقاتي سيكون قاب قوسين من الاعتذار، ليكون مصير حكومة تصريف الأعمال البقاء حتى إدارة انتخابات 2022.
عقبات التأليف
بالمقابل، يتوافق كل من الباحث السياسي فادي الأحمر، وأستاذ العلاقات الدولية رئيف الخوري، في حديثهما للجزيرة نت، على صعوبة تأليف الحكومة، ويعتبر الأخير أن ميقاتي ليس أوفر حظا من الحريري وقبله أديب، ويتوقع أن يكون اعتذاره مسألة وقت.
داخليا: يعتبر الأحمر أن العقبات التي تواجه ميقاتي ما زالت نفسها مع عون وباسيل ومن خلفهما حزب الله، ربطا برفض فريق عون تشكيل حكومة من دون تسمية الوزراء المسيحيين فيها، ومذكرا بموقف أمين عام حزب الله حسن نصر الله، الذي كرر مرارا دعوته لتشكيل حكومة سياسية، على اعتبار أن حكومة التكنوقراط لن تكون على قدر التحديات.
ويرى الأحمر أن حزب الله يتمسك بتمثيله بالحكومة، نظرا لتوجسه من مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ما يدفعه للسعي بالانخراط فيها أو الإشراف على تفاصيلها.
ويرجح الأحمر أن يبقى فريق عون، متمسكا بحقيبة الداخلية، لأنها ستكون موكلة بالإشراف على الانتخابات، كما سيتوسع نطاق إدارتها الأمنية لشؤون البلاد إذا وقعت الفوضى بالشارع، وإذا لم يجر التوافق على انتخاب رئيس جديد يخلف عون العام المقبل.
كذلك سيبقى فريق عون متمسكا بوزارة العدل، لأنها ستتابع ملفات الفساد، ومن بينها ملف التدقيق الجنائي بحسابات المركزي، كما تطلع على ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت. وهذه شروط، من المفترض أن يرفضها ميقاتي تماشيا مع موقف رؤساء الحكومة السابقين، لينطلق من حيث انتهى الحريري، وفق الأحمر.
من جهته، يعتبر خوري أن ثمة عملية توزيع أدوار بين فريق عون وحزب الله نظرا لتحالفهما المتين. فإذا كان الأخير سمى ميقاتي، فإن الأول أحجب صوت أكبر كتلة مسيحية عنه، وبالتالي، فإذا لم يقدم باسيل بعض التنازلات، فلن تبصر حكومة ميقاتي.
خارجيا: يجد الخوري أن ميقاتي يتسلح فقط بالدعم الفرنسي، لكنه لن يجدي نفعا، "بعد أن تلاشت مبادرتهم بندا تلو الآخر، ولم تنجح لمجرد سعيها جمع باسيل والحريري على طاولة واحدة". ويرتبط المعيار الخارجي لولادة الحكومة، وفق أستاذ العلاقات الدولية، بمفاوضات فيينا بين إيران وأميركا.
لذا، فإن "بعض القوى الداخلية، تقف وراء موقف رئيس الجمهورية، الذي يخدمها". واختار حزب الله تأييد ميقاتي، بحسب أستاذ العلاقات الدولية، متكلا على معارضة فريق عون له، كي تبقى خطوطه (الحزب) مفتوحة مع المكون السني، تجنبا لأي صراع سياسي أو طائفي بغير أوانه، وتعبيرا عن مرونته تجاه المبادرة الفرنسية.
وقال إذا "تقاربت وجهات النظر الإيرانية-الأميركية يمكن أن تتشكل حكومة لبنان بغضون 24 ساعة، لأن الإدارة الأميركية الجديدة تعترف ضمنا بقوة نفوذ إيران بالمنطقة".
خليجيا: يرى الخوري أن أسهم ميقاتي لن ترتفع لدى السعودية أكثر من الحريري، لاعتبارها أن كل مساعدة للبنان، تعني مساعدة لحزب الله وإيران.
ويعتقد الأحمر أن موقف السعودية هو "الحياد السلبي" تجاه لبنان، مستبعدا ولادة الحكومة، ما لم تجرِ حلحلة عقد جوهرية، داخليا وعربيا ودوليا.