إيران.. لهذا قد تتكرر احتجاجات خوزستان على ندرة المياه
طهران – رافعين لافتات كتبوا عليها "أنا عطشان" باللغتين الفارسية والعربية، احتجّ أهالي خوزستان التي تقطنها غالبية عربية في جنوب غربي إيران على الجفاف وانعدام التنمية في منطقتهم التي اشتهرت منذ القدم بأنهارها الجارية، وتربتها الخصبة ومواردها من النفط والغاز.
استمرت احتجاجات أهالي خوزستان في الليالي الماضية وامتدت إلى المدن والمحافظات المجاورة، حيث قتل وأصيب عدد من الشباب في هذه الاحتجاجات التي يرجعها المراقبون إلى أسباب أخرى إلى جانب الجفاف.
وفضلا عن نهر كارون أطول أنهار إيران (950 كيلومترا) الذي كان صالحا للملاحة سابقا، هناك أنهار أخرى تجري في المحافظة، كما أن مدينة شوشتر تشتهر بنظام ريها الهيدروليكي التاريخي على نهر كارون الذي يعود إلى 500 سنة قبل الميلاد وتم تسجيله لدى اليونسكو في عام 2009. فلماذا تفجرت الاحتجاجات إذن هذه الأيام؟.
تعددت الأسباب
ويقول الباحث والناشط البيئي محمد درويش "إن مشكلة خوزستان الأكثر أهمية هي إدارة المياه، وقد سعى المسؤولون إلى حلها ببناء السدود ومشاريع نقل المياه، ولكن لم يتم النظر في طبيعة الأرض ولم تكن هناك خطة تنمية تتناسب مع القدرات البيئية لسهول خوزستان الخصبة".
وأوضح درويش أن شركات النفط جففت أجزاء من الأراضي الرطبة، ومنعت وصول المياه إليها، بذريعة أن استخراج النفط من الأراضي المجففة أرخص من استخراجه بالواحات المائية".
والمشكلة الثانية التي تسببت في أزمة خوزستان، حسب درويش، هي نقل المياه من سدود خوزستان إلى المدن الصحراوية في وسط إيران مثل يزد، وكرمان، وأصفهان، وأراك، ولورستان، وقم، للصناعات في تلك المناطق، و"تبلغ كمية هذه المياه المنقولة نحو 8 مليارات متر مكعب".
أما السبب الثالث، كما يقول درويش، فهو "النمط غير الصحيح للزراعة في خوزستان. فعلى الرغم من الطبيعة الحارة والجافة، فإن المزارعين هناك زرعوا في السنوات الأخيرة محاصيل معروفة باستهلاكها العالي للمياه مثل الأرز وقصب السكر".
وحسب مدير إدارة شؤون المياه في مناطق خوزستان، كان نحو 70 ألف هكتار من أراضي المحافظة مزروعة بالأرز حتى منتصف الشهر الماضي وتبلغ الاحتياجات المائية لهذا الحجم نحو 2 مليار متر مكعب.
ويضيف أن العديد من بساتين النخل في خوزستان دُمّرت في السنوات الأخيرة بسبب ملوحة المياه وترسب ملح الجبال بعد ارتفاع المياه خلف السدود، وضخ هذه المياه على البساتين.
ويشير إلى أن متوسط هطل الأمطار في إيران أقل من المتوسط العالمي، ووفقًا لشركة المياه في البلاد انخفض تدفق المياه من السدود بنحو 60% العام الحالي، وتعاني 300 مدينة الإجهاد المائي و101 مدينة باللون الأحمر.
ونبّه على أن مصدر مياه الشرب في 500 مدينة قائم على مياه السدود، ويتم حاليًا تزويد 8405 قرى بالمياه بواسطة الصهاريج، ووفقا للإحصاءات يعدّ هذا العام هو العام الأكثر جفافًا في الـ50 سنة الماضية في إيران.
البطالة
أما مسعود كنعاني، الناشط البيئي المقيم في مدينة الأهواز مركز محافظة خوزستان، فيرى أن سبب مشاكل أهالي خوزستان هو "التنمية غير المتوازنة وغير المستدامة، وقد أفرزت التغييرات في النظام البيئي للمنطقة مشاكل في توظيف الناس".
وأشار الكنعاني إلى معاناة أهالي المنطقة من البطالة قائلا "إن معظمهم يكسب قوت يومه من صيد الأسماك والزراعة وبساتين النخل، ولكن حالة من انعدام الرضا سادت بينهم بسبب الجفاف وانتقالهم إلى ضواحي المدن واختفاء الاقتصاد المحلي والضغوط المعيشية".
محادثات فيينا
ويعتقد المحلل السياسي علي أصغر شفيعيان أن السبب الرئيس للاحتجاجات ليس مشكلة المياه فقط، بل هناك مشاكل أخرى، و"لدينا أخطاء في طبيعة حكمنا للبلد، ظهرت في قضية المياه وفي اليوم التالي في مكان آخر، وقد اتخذ المسؤولون خيارات عدة في السنوات الماضية وذهبوا في الطرق التي نرى نتيجتها الآن".
واستبعد شفيعيان وجود علاقة بين احتجاجات خوزستان ومحادثات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني لكنه قال "يمكن ربطهما لاحقًا لأنه عادة إذا رأى أحد الجانبين ضعفا في الجانب الآخر فإنه يستخدمه لمصلحته. والآن عشية تغيير الحكومة في إيران، قد يستغل الغرب ذلك".
وثمة قناعة لدى المراقبين الذين ينبهون على أن أزمة المياه ستكون إحدى الأزمات الرئيسة في إيران في العقد المقبل، ويقول أحدهم "إذا لم تسمع صرخة خوزستان اليوم ولم تعط أهمية، ستُسمع قريبا وفي أقل من 5 سنوات في أكثر من نصف إيران على الأقل وربما من معظم محافظات البلاد".
فوفقا لتوقعات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والتي نقلتها وكالة أنباء إيرنا الرسمیة، من المتوقع أن ينخفض متوسط هطول الأمطار في إيران بنسبة 75% عن المعتاد في السنوات الخمس المقبلة.