الجيش في الواجهة من جديد.. ماذا وراء تكليفه بإدارة الأزمة الوبائية في تونس؟
يرى البعض أن الجيش أثبت أكثر من مرة كفاءته وسرعته في مساندة مجهودات وزارة الصحة، خصوصا في عمليات التطعيم ضد كورونا، لكن دون تجاوز الصلاحيات الموكولة له بالدستور أو استخدامه كوسيلة لتصفية الحسابات السياسية، وفق آخرين
تونس – خلّف تكليف الرئيس التونسي قيس سعيد المؤسسة العسكرية بإدارة أزمة كورونا في البلاد جدلا متصاعدا وتساؤلات حول خلفيات القرار وآليات تنفيذه، وسط تبادل للاتهامات وتحميل المسؤوليات بين رأسي السلطة التنفيذية.
وأعلن سعيد في كلمة ألقاها خلال جولة تفقدية لأحد مراكز التطعيم ضد كورونا تكليف الإدارة العامة للصحة العسكرية بإدارة الأزمة الوبائية، بما في ذلك تنظيم عملية توزيع المعدات الطبية التي تلقتها تونس من دول صديقة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقيس سعيد: تونس تمر بأوضاع شديدة الخطورة وهناك "لوبيات" تعمل خلف الستار
الصحة التونسية تصنف مدينة باجة موبوءة بسبب فيروس كورونا
تونس.. أعداد غير مسبوقة من الوفيات بسبب فيروس كورونا
ويرى كثيرون أن إسناد الرئيس مهمة إدارة الأزمة الوبائية إلى الجيش إقرار صريح بفشل حكومة هشام المشيشي في تحمل هذه المسؤولية، ويحمل في طياته بذور صراع الصلاحيات المتواصل بينه وبين رئيس الحكومة، خصوصا بعد إقالة وزير الصحة المحسوب عليه.
ويعتبر آخرون أن الجيش أثبت أكثر من مرة كفاءته وسرعته في معاضدة مجهودات وزارة الصحة، خصوصا في عمليات التطعيم ضد كورونا، والتي استهدفت شرائح عمرية متقدمة في قرى ومناطق ريفية لم تصل لها كوادر الصحة المدنية.
تطبيع مع الحالة العسكرية
ورأى رئيس كتلة ائتلاف الكرامة في البرلمان سيف الدين مخلوف في حديثه للجزيرة نت أن إعلان الرئيس تكليف الجيش إدارة أزمة كورونا "محاولة جديدة منه لعسكرة الدولة، وإلهاء الجيش عن مهمته الأساسية في حماية الحدود".
واتهم النائب في البرلمان رئيس الجمهورية بالتدخل في صلاحيات رئيس الحكومة، وتساءل قائلا "ما معنى أن يتولى الجيش إدارة الأزمة الصحية؟ وبأي آليات سينفذها؟ وهل يملك الجيش وحدات صحية ومستشفيات في كل محافظة؟".
وعبر النائب عن خشيته من إقحام الرئيس التونسي المؤسسة العسكرية مستقبلا في مجالات بعيدة عن اختصاصه، وخلق نوع من "التطبيع مع الحالة العسكرية".
لكنه شدد على أهمية معاضدة المؤسسة العسكرية مجهودات وزارة الصحة لمجابهة الأزمة الصحية، لكن دون تجاوز الصلاحيات الموكولة لها بالدستور، أو استخدامها كوسيلة لتصفية الحسابات السياسية أو الاستقواء بها ضد الخصوم.
اتهامات متبادلة
وبرر رئيس الحكومة هشام المشيشي في وقت سابق قرار إقالة وزير الصحة فوزي مهدي بما وصفه بسوء الإدارة في هذه الوزارة، وتواصل الأخطاء الكارثية في ما يتعلق بنقص الأكسجين في المستشفيات، وفوضى مراكز التطعيم خلال يوم العيد.
واتهم المشيشي بشكل غير مباشر رئيس الجمهورية بالتسبب في الأزمة الوبائية عبر رفضه التعديل الحكومي قائلا إنه في يناير/كانون الثاني الماضي قمنا بإجراء تغيير وزاري ولكن النتائج كشفت أن تعطيله تسبب في كوارث، خاصة في القطاع الصحي.
على الجانب الآخر، اتهم رئيس الجمهورية -خلال استقباله وزير الصحة المقال- رئيس الحكومة وحزامه السياسي (حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة) بافتعال الأزمات لأجل أغراض سياسية.
واتهم سعيد حكومة المشيشي بتعمد ارتكاب جريمة في حق التونسيين، مضيفا "هم من مدة يريدون الترتيب لتحوير (تغيير) وزاري من أجل البحث عن توازنات سياسية، هم يريدون الأزمة لإدارة الأزمة".
بدوره، خرج وزير الصحة المقال فوزي مهدي عن صمته، ليرد في تدوينة مطولة نشرها مساء أمس الخميس عبر صفحته على فيسبوك على الاتهامات التي طالته من قبل المشيشي بالتقصير في إدارة أزمة كورونا.
رحيل رئيس الحكومة
من جانبه، اعتبر القيادي في حركة الشعب أسامة عويدات في تصريح للجزيرة نت أن دعوة الرئيس التونسي لتدخل الجيش لإدارة وباء كورونا فرضتها الوضعية الراهنة باعتبارها مسألة أمن قومي، على حد قوله.
وتابع "نحن في حالة حرب ضد وباء يفتك بمئات التونسيين يوميا، مما يجعل تدخل الجيش لإدارة الأزمة أمرا ضروريا وملحا، وهذا لا يقلل من مجهودات إطارات الصحة والعاملين في القطاع".
واتهم عويدات رئيس الحكومة بالفشل في إدارة أزمة كورونا، داعيا إياه إلى تقديم استقالته وتسليم الأمانة لرئيس الجمهورية.
وانتقد بالمقابل إقالة المشيشي وزير الصحة في ظرف وبائي دقيق، معتبرا أن هذا القرار لا علاقة له بمعايير الكفاءة، بل يدخل ضمن حرب تصفية الحسابات المستمرة بينه وبين رئيس الجمهورية.
وكان الجيش التونسي قد انطلق منذ أيام في عمليات تلقيح واسعة ضد كورونا استهدفت كبار السن في المدن والقرى الداخلية، وشهدت هذه التحركات إشادة شعبية واسعة، في وقت لا تزال الحملة الوطنية للتلقيح -التي أطلقتها وزارة الصحة- تشهد بطئا ومشاكل تنظيمية ولوجستية.
وتشرف إدارة الصحة العسكرية على عمليات تركيز المستشفيات الميدانية الموزعة على المحافظات التونسية، وذلك بالتنسيق والتعاون مع وزارة الصحة بهدف استيعاب الأعداد الهائلة من المصابين بكورونا.
وتجاوزت حصيلة الوفيات بالوباء في البلاد 17 ألف شخص، بمعدل يومي تجاوز الـ100 متوف، في وقت عجزت فيه بعض المستشفيات وحتى برادات الموتى عن الاحتفاظ بالجثث.