توم باراك.. همزة وصل الإمارات بترامب هل تنقطع مع بايدن؟
واجه مقربون من ترامب اتهامات بالتهرب الضريبي، كما أدين آخرون بالتورط في التدخل الروسي بالانتخابات واستخدام الأموال العامة في شؤون شخصية، وآخر هؤلاء توم باراك الذي وُجهت له 7 تهم فدرالية.
نيويورك – بمجرد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، أسرع توم باراك بإرسال بريد لأحد كبار المسؤولين في أبوظبي يطلب تحديد أولويات الإمارات لدى الرئيس الجديد.
كان باراك واثقا من نفسه وقدرته على تنفيذ ما يُطلب منه، ليس فقط لقربه الشخصي -مدة 40 عاما من الرئيس الجديد (ترامب) أو (دوني) كما يناديه- ولكن أيضا لنفوذه الكبير في حملته الانتخابية، ولدى كبار مسؤوليه في البيت الأبيض.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsترامب يتحدث مجددا.. قصة الانقلاب واستقالة كبار الضباط وكتاب رئيس الأركان
أميركا.. اعتقال مستشار سابق لترامب بتهمة العمالة لصالح الإمارات دون إخطار
سيناتور ديمقراطي: دفع الإمارات أموالا لمستشار ترامب بشكل سري يعد ضربة للديمقراطية الأميركية
ففي عام 2010 تعرض زوج ابنة ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر لأزمة كبيرة اقتربت به من الإفلاس، وذلك بعد إخفاق صفقة عقارية في مانهاتن بلغت مليارا و800 مليون دولار. وقتها اتصل ترامب بصديقه الملياردير توم باراك، الذي ساعد كوشنر بشراء نحو 70 مليون دولار من ديونه؛ لذلك، يقول روجر ستون -الصديق المقرب من ترامب- إن "باراك هو الشخص الوحيد الذي يتحدث إليه ترامب بوصفه ندّا له".
كان باراك يجمع التبرعات لحملة ترامب الانتخابية. وعندما نجح، تولى رئاسة لجنة تنظيم حفل تنصيب الرئيس، وجمع وقتها مبلغا قياسيا تجاوز 107 ملايين دولار.
ويعتقد مراقبون أن تلك اللجنة ربما كانت بؤرة (اللوبي)، أو جماعات الضغط والمصالح التي تمثل دولا أجنبية وشركات وأطرافا عديدة، ممن يريدون التأثير على سياسات الإدارة الجديدة وتوجهاتها.
ورغم أن التحقيقات بشأنها لم تؤد إلى أية اتهامات؛ فإن باراك كان موضع اهتمام خاص من لجنة روبرت مولر -مدير مكتب التحقيقات الفدرالية السابق- الذي تولي التحقيق المستقل في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية عام 2016.
تحقيقات واعتقال
ولأن باراك لم يكن على اتصال مباشر بهذه القضية، فلم توجه إليه اتهامات بشأنها، لكن التحقيقات انتقلت لمكتب المدعي العام الفدرالي في نيويورك الذي تعقّب المشتبه بهم في مخالفتهم قانون "فارا" المختص بتنظيم عمل ممثلي مصالح دول أو جهات أجنبية في الولايات المتحدة.
ووفق عريضة الاتهام الموجهة إليه، تجاهل توم باراك أهم بنوده؛ وهو تسجيل اسمه لدى وزارة العدل الأميركية باعتباره "عميلا" أو ممثلا لمصالح دولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث كان يعمل -لسنوات طويلة- عن قرب مع أمراء ومسؤولين كبار فيها، ثم تحول للتأثير على سياسات واشنطن بعد تولي ترامب، بما يخالف القانون.
وتم إلقاء القبض على باراك (74 عاما) في كاليفورنيا، حيث وجهت إليه 7 تهم فدرالية، تشمل إعاقة العدالة، بالإضافة لعدم تسجيل اسمه كعضو في جماعة ضغط، واستغلال قربه الشخصي من ترامب لتحقيق أهداف دولة أجنبية (الإمارات)، والكذب على المحققين بشأن أنشطته.
واستجابت المحكمة لطلب الادعاء بالإبقاء عليه رهن الاحتجاز لامتلاكه طائرات خاصة، ولأن لديه جنسية أخرى (اللبنانية) بما يسهل عليه الهروب خارج البلاد.
همزة وصل
يذكر هنا أن علاقة باراك بالسعودية والإمارات تحديدا تعود لسنوات طويلة مضت. وتحدثت بعض التقارير عنه باعتباره همزة الوصل بين إدارة ترامب والعديد من الأمراء العرب، وبصفة خاصة الأمير محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، نائب رئيس دولة الإمارات.
وذُكر ابن زايد في التحقيقات أكثر من مرة، وكذلك رجل الأعمال الإماراتي راشد آل مالك الذي كان باراك يصفه بأنه السلاح السري للإمارات، ودعاه لحفل تنصيب ترامب ضمن مجموعة من كبار الدبلوماسيين.
وسبق أن خضع آل مالك لاستجواب مكتب التحقيقات الفدرالية "إف بي آي" (FBI) عند إقامته في كاليفورنيا منذ 3 سنوات، وغادر الولايات المتحدة بعدها ولم يعد وفق أوراق الادعاء. واتُهم أيضا بتمثيل مصالح أجنبية دون تسجيل، لكن لم يقبض عليه لوجوده خارج البلاد.
وتضم أوراق التحقيق أيضا مراسلات بين باراك و"المسؤول الإماراتي 5″ وفق ما يسميه التحقيق، ويُعتقد أنه السفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة. وتكشف الأوراق عن الدور الكبير لتوم باراك في التواصل بين ترامب وكبار المسؤولين الإماراتيين. وكان هو من قدم العتيبة لجاريد كوشنر قبيل توليه مسؤولية ملف الشرق الأوسط.
وتقول التقارير إن باراك استطاع ترتيب العديد من اللقاءات بين ترامب وإدارته وكبار المسؤولين الإماراتيين. وتمكّن من إيقاف مؤتمر خطط ترامب لعقده في كامب ديفيد للتوفيق بين دول الخليج، وكان يمكن أن يؤدي لرفع الحصار المفروض وقتها على قطر.
وكان باراك يتحدث بفخر عن رفضه عروضا لتولي مناصب مهمة مثل وزير الخزانة، ويقال إنه كان يطمح في منصب "مبعوث خاص للتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط"، لكنه لم ينجح في تحقيقه، إلا أن الاقتراب من رأس السلطة في البيت الأبيض ساعده في زيادة ثروته، واستطاعت شركته "كولوني نورث ستار" (Colony NorthStar) -المتخصصة في الأسهم والاستثمار العقاري- جمع أكثر من 7 مليارات دولار خلال 3 أعوام من تولي ترامب.
وطبقا لما ذكره مسؤول مطلع لصحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) فإن ربع هذه الأموال تقريبا جاءت من السعودية والإمارات، وتشمل 474 مليون دولار من الصناديق السيادية للدولتين.
نشأته
نشأ توم باراك في كاليفورنيا، لأسرة لبنانية بسيطة مهاجرة. ودرس القانون وعمل محاميا قبل أن يبدأ بعض الأعمال الخاصة في دول الخليج، حيث نجح في عقد صفقات مربحة ساعدته على الانطلاق في عالم الأعمال.
وقربته إجادة اللغة العربية من الأمراء والمسؤولين الإماراتيين. وكان يتولى الكثير من أعمالهم والعناية بأبنائهم في الولايات المتحدة، ويعقد صفقاتهم العقارية والتجارية. وحاول استخدام تلك العلاقة القديمة أمام المحققين باعتبارها تسبق علاقته بالسياسة مع ترامب، ولا تتطلب تسجيله كـ"لوبي" في وزارة العدل.
لكن تقديرات الخبراء القانونيين أشارت إلى محاولته استخدام قربه من ترامب في التأثير على السياسة الخارجية الأميركية، بما يتفق ومصالح دولة أخرى، وهو ما يستدعي التسجيل الرسمي لعمله.
ولا توجد تقديرات دقيقة لطبيعة الحكم الذي قد يصدر ضده، بسبب قصر عمر تطبيق هذا القانون، لكنه قد يتراوح من غرامة صغيرة إلى السجن 5 سنوات، في حال إدانته.
ومن غير المعروف بعد تأثير هذه القضية على علاقة الإمارات بإدارة جو بايدن الجديدة. ويتوقع الكثيرون ألا تؤدي إلى قطيعة، لكنها ستلقي بظلالها في وقت حرج، حيث من المنتظر أن تقرر الإدارة ما إذا كانت ستمضي قدما في صفقة الأسلحة الكبرى للإمارات التي أقرها ترامب، وقيمتها 23 مليار دولار وتشمل 50 طائرة "إف-35" (F-35).
التحقيقات وترامب
ومن غير المتوقع أن تؤدي التحقيقات مع باراك إلى توريط ترامب شخصيا، خاصة أن أوراق الاتهام تشير إلى "خيانة" باراك له، لكن يظل الاحتمال قائما إذا انقلب على ترامب، وحاول الإفلات من بعض الاتهامات بكشف معلومات عنه بحكم اقترابه منه ومن الدائرة المحيطة به.
ويؤكد باراك أنه "غير مذنب"، ولن يقبل أو يعترف بتلك الاتهامات، وسيحاول نفيها وليس الوصول إلى صفقة مع المدعين. ولديه من الأموال ما يساعده على تجنيد فريق محامين قوي.
وباراك ليس الوحيد المقرب من ترامب الذي تعرض لمثل هذه الاتهامات؛ فمؤسسة ترامب والمدير المالي بها واجها اتهامات بالتهرب الضريبي في نيويورك. كما أدين مدير حملته الانتخابية السابق بول مانافورت بعد تحقيقات فريق روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات، وحصل على عفو من ترامب قبيل انتهاء فترة توليه الرئاسة مباشرة.
وهو ما فعله الرئيس السابق أيضا مع كبير مستشاريه ستيف بانون الذي وُجهت إليه اتهامات بالاستخدام الشخصي للأموال التي جمعها لدعم إنشاء جدار في الحدود الجنوبية للبلاد.
لكن أشهر من تعرض للإدانة والسجن كان مايكل كوهين المحامي الخاص لترامب الذي واجه اتهامات عديدة؛ منها منح فتاة مبالغ مالية من حملة ترامب الانتخابية لإسكاتها عن التصريح بعلاقتهما قبل انتخابه. وقد انقلب كوهين بعدها على ترامب، وأعطى الكثير من المعلومات لفرق التحقيق ولوسائل الإعلام.
غير أن كل هذه القضايا وغيرها لم تؤثر كثيرا على الثقة التي يحظى بها ترامب لدى أغلبية الحزب الجمهوري. وما زالت القاعدة المحافظة تدعمه وتصدق مزاعمه بتزوير الانتخابات، وترغب في أن يعيد ترشيح نفسه للانتخابات القادمة عام 2024.
لذلك، يأمل الكثيرون بأن تسفر بعض هذه التحقيقات عن توجيه الاتهامات لترامب شخصيا، وربما تكون تحقيقات نيويورك في التهرب الضريبي هي الأقرب لذلك، بما يزيد صعوبة عودته مرة أخرى للمنافسة على البيت الأبيض.