تكرار حرائق المستشفيات في العراق.. حوادث عرضية أم خلافات سياسية؟

مراقبون يرون أن سيناريو تكرار حرائق المستشفيات في العراق ليس مصادفة بل يكتنفه الغموض.

شباب يبكون بداخل المستشفى المحترق في الناصرية (مواقع التواصل)
بكاء موجع على رحيل الأحبة داخل المستشفى المحترق في الناصرية (مواقع التواصل)

الناصرية- على مقربة من مركز عزل المصابين المحترق، كانت أصوات المرضى تتعالى وهم يتصارخون، بينما النيران تشتعل في أجسادهم وتحيط في المبنى الذي كانوا فيه، دون أن نقدم أي شيء. وقفنا مذهولين وحاولنا أن نساعد بأي شيء، لكن حرارة الحريق كانت تعبر لمسافة بعيدة مع صعوبة إخماده من قبل فرق الدفاع المدني. هكذا وصف علي العسكري ما حدث في مستشفى الحسين بمدينة الناصرية جنوب العراق.

وأضاف العسكري خلال حديثه للجزيرة نت، "لقد تواجدت هناك طوال الليل أمام مركز عزل المصابين في الناصرية، وكنت شاهد عيان على ما حصل، تمكنا بعد ساعات من استمرار النيران من نقل الجثث المتفحمة إلى الطب العدلي. حتى الصباح استطعنا نقل 22 جثة متفحمة تماما، دون أي شيء يدل على هويتها، حيث تم عزلها لحين التأكد منها".

اثار المرضى المحترقين...الجزيرة نت
أشلاء وركام ودمار بعد الحريق الذي شب في مستشفى الحسين بالناصرية (الجزيرة)

مشاهد موجعة

وكان المشهد مليئا بالبكاء والصراخ من ذوي الضحايا الذين فقدوا عائلات كاملة داخل الحجر، كما يقول العسكري، بما فيهم المرافقون للمرضى الذين رفضوا المغادرة وترك مرضاهم حتى حاصرتهم النيران وماتوا جميعا. لقد انهار كل شيء أمامنا، وفرق الدفاع المدني وقفت عاجزة عن أن تسيطر على الحريق، لقد فات الأوان وفقدنا هذه الأرواح.

إعلان

كان احتراق مستشفى الناصرية الخاص بمرضى كورونا يوم الاثنين، هو الحدث الثاني الأضخم من نوعه بعد حادثة مستشفى ابن الخطيب في بغداد في 24 أبريل/نيسان 2021، والذي راح ضحيته أكثر من 80 شخصا، لكن حدث الناصرية كان الأبشع بعد أن خرجت الجثث متفحمة دون هوية تملأ ساحة الطب العدلي.

ما تبقى من اثار الحريق في مستشفى الناصرية...الجزيرة نت
ما تبقى من آثار الحريق في مستشفى الناصرية (الجزيرة)

ومثل سيناريو احتراق مستشفى ابن الخطيب في بغداد قبل نحو 3 أشهر، تكررت الحال مع مستشفى الناصرية، إذ لم يعرف حتى الآن السبب الحقيقي لاحتراقه. المصادر الرسمية الحكومية ألقت اللوم على التخزين السيئ لأسطوانات الأكسجين، لكن التشكيك برواية التصريحات الحكومية هو السائد بعد الغضب الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي هذا الإطار، ألمح رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إلى تورط سياسي في حادث حريق مستشفى الحسين، وقال الكاظمي -في جلسة لمجلس الوزراء أمس- إن الوطنية لا تتقبل فكرة أن يتعمّد العراقي قتل أخيه من أجل هدف سياسي.

وأكد الكاظمي أنه "عندما تنجرف السياسة بعيدا عن المبدأ الأخلاقي والالتزام الإنساني، فسنكون تحت سيطرة مبدأ شريعة الغاب بعينها، مشيرا إلى أن حكومته لن تتسامح مع الفاسدين أو المتلاعبين بأرواح المواطنين أيا كانت صفاتهم أو انتماءاتهم.

وبدا الوضع في الناصرية ضبابيا، لكن التسريبات تقول إنها مشكلة في الأكسجين، ورواية حكومية أخرى تقول إنه تماس كهربائي، إلا أن شهود عيان أكدوا أن النيران كان من الممكن السيطرة عليها لو توفرت مطفأة حريق أو منظومة إنذار مركزية.

النائب صفاء الغانم عضو لجنة التعليم النيابية
الغانم وصف حلول الحكومة العراقية للحد من حرائق المستشفيات بأنها ترقيعية (الجزيرة)

تقصير وإهمال

وإزاء كل الأحداث التي حصلت، يرى متابعون في الشأن المحلي أن ذلك لم يكن مصادفة. ففي نفس يوم حريق مركز عزل الناصرية، كان هناك حريق في القسم الإداري والمالي في مبنى وزارة الصحة ببغداد، وهو ما يشير إلى أن هناك خلافات سياسية تتعلق بهذه الوزارة.

إعلان

ويشكك نسبة كبيرة من المدونين على مواقع التواصل بشأن حرائق المستشفيات، ويلقون باللوم بشكل أساسي على الكتل السياسية والخلافات بينها، حيث شغلت حادثة حريق مستشفى الناصرية اهتمام العراقيين على نحو واسع خلال اليومين الماضيين.

ويؤكد عضو لجنة الصحة والبيئة في البرلمان العراقي صفاء الغانم، أن "أداء الحكومة العراقية فاشل مع استمرار الأحداث المتعاقبة خلال أشهر. واليوم أعطينا ضحايا في حادثة حريق مستشفى العزل لمصابي كورونا لأسباب فنية وإدارية غير صحيحة، في ظل وجود الفاسدين في دوائر وزارة الصحة".

ويضيف الغانم خلال حديثه للجزيرة نت أن حلول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ترقيعية، وأبسط مثال على ذلك حادثة مستشفى ابن الخطيب في بغداد، أما لجنة الصحة النيابية فقد أوصت بغلق كافة المستشفيات "الكرفانية" ثم إجراء تحقيق عاجل وإعطاء نتيجته لمجلس النواب لمعرفة ملابسات الحادث.

ومع تكرار حرائق المؤسسات الصحية، وما حصل في مستشفى ابن الخطيب ومستشفى الناصرية كما يقول الغانم، لا بد أن يكون هناك موقف للبرلمان بالضد من المفسدين والفاسدين في وزارة الصحة، وستكون عليه متابعة النتائج التي ستعرض خلال الأيام المقبلة.

ويوضح الغانم أن حكومة الكاظمي هي المسؤولة عن هذا الملف بالكامل، محملا إياها المسؤولية بسبب عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية، إذ كان لا بد من اتخاذ الإجراءات قبل أن يحصل الحادث، وهذه سياسات خاطئة.

اثار حرائق مركز عزل الناصرية (الجزيرة)
مركز عزل مستشفى الحسين الناصرية بعد الحريق (الجزيرة)

نقص إجراءات السلامة

ويؤكد الخبير الفني والمهندس أسعد عادل أن المواصفات الفنية وشروط السلامة تمنع استخدام أي منشأة المادة المستخدمة في العزل التي تسمى "الساندوتش بانل" (Sandwich panel) (وهي ألواح صاج محشوة بمادة عازلة)، لأنها تضم مواد تساعد على الاشتعال، وهي تزيد من وهج الحريق كما أن بداخلها مواد سامة، وهي أصلا ليست معدة لاستخدامات السكن ولا يجوز وضع المرضى في هذه الأبنية، وكل ما تم بناؤه بهذا الشكل غير صالح.

إعلان

ويضيف عادل للجزيرة نت أن كل المستشفيات التي تم إنشاؤها في محافظة ذي قار بواسطة "السندويتش بنل" كان قد تم بناؤها على عجل، ولم تحقق أصلا شروط السلامة والأمان، وجميعها تفتقر لأبواب الطوارئ ومنظومات إطفاء الحرائق.

وبحسب وزارة الصحة العراقية، بلغت حصيلة قتلى الحريق الذي شب الاثنين بمستشفى الحسين في مدينة الناصرية 60 قتيلا، بينهم 21 جثة مجهولة الهوية. وكانت وكالة الأنباء العراقية نقلت أمس عن دائرة صحة الناصرية أن عدد القتلى بلغ 92 شخصا، بينما أصدر القضاء أوامر قبض على 13 مسؤولا في مديرية صحة محافظة ذي قار على خلفية الفاجعة.

المصدر : الجزيرة

إعلان