الخذلان يطغى على ثوار السودان بعد 3 سنوات من الاحتجاجات.. هل جذوة الثورة ما زالت متقدة؟

الاعتصام أمام قيادة الجيش
اعتصام أمام قيادة الجيش (الجزيرة)

كابد ناشطو لجان المقاومة بالسودان البقاء في الشارع 3 سنوات من أجل ثورة شاملة لكنهم الآن بين شعارات شتى يتملكهم الخذلان، مقارنة ببداية الثورة في ديسمبر/كانون الأول 2018 عندما وحّدهم شعار "تسقط بس".

فعلى مدار 4 أشهر نسقت لجان المقاومة ولبّت الخروج في مواكب التنحي حتى سقط النظام في 11 أبريل/نيسان 2019، واعتصموا شهرين أمام قيادة الجيش من أجل الحرية والسلام والعدالة لكن المطالب ازدادت تخمة وأصبح على رأسها الآن القصاص من قتلة رفاقهم في فض الاعتصام.

وفي الذكرى الثانية لفض الاعتصام "ظهر اليوم الخميس" سيلبي عاصم سامي من حي المزاد بالخرطوم بحري نداء احتجاجات أمام مقار الحكومة بالعاصمة السودانية.

ويقول للجزيرة نت إن الشباب يتذوقون طعم المرارة بعد أن أصبح البقاء في الشوارع للتظاهر مصيرهم رغم أنهم من حملة الشهادات وبعضهم مؤهل لتولي المناصب أكثر من الذين اعتلوا السلطة الآن.

هموم مختلفة

وفي الساعات التي سبقت الموعد المضروب لمواكب 3 يونيو/حزيران نشطت حركة دؤوبة في الخرطوم من أجل مساندة الحراك كما فعل الحزب الشيوعي في مؤتمر صحفي أمس الأربعاء قال فيه إن عضويته ستنزل إلى الشوارع اليوم.

في مقابل ذلك حاولت الحكومة تحييد بعض الشعارات الداعية لإسقاطها، عبر بذل مزيد من الوعود بتحقيق العدالة والقصاص للشهداء كما فعل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في بيان للسودانيين والنائب العام في تنوير للصحافة مساء أمس الأربعاء.

ويتصدى الحرس القديم للجان المقاومة اليوم لمهمة تأمين المحتجين وحمايتهم باتباع الترتيبات ذاتها التي انتهجوها إبان الاحتجاجات على البشير تحاشيا لسقوط قتلى كما حدث في المواكب الأخيرة مثل إفطار أسر الشهداء في 29 رمضان.

وتخشى كل الأطراف مجموعات مصابة بالإحباط محسوبة على الثوار اتسمت تصرفاتها أخيرا بالعنف تجاه القوات النظامية، ولا يعرف الناشطون الذين انتهجوا السلمية طوال الأيام الماضية سرّ مجموعات "غاضبون" و"ملوك الاشتباك".

وكالعادة عمد الجيش إلى إغلاق كل الطرق المؤدية إلى القيادة العامة وسط العاصمة السودانية الخرطوم.

احتجاجات في احد أحياء الخرطوم قبل الاعتصام
احتجاجات في أحد أحياء الخرطوم قبل الاعتصام (الجزيرة)

استهداف الناشطين

وفي هذه الأجواء المشحونة لا يزال شباب لجان المقاومة ولجان التغيير والخدمات يرون أن عضويتهم مستهدفة، لذا رفضوا التقاط الجزيرة نت صورا لهم.

ويقول رامي أحمد -وهو رئيس منظمة جرحى ومصابي ثورة ديسمبر- "إن المحتجين ما زالوا عرضة للقمع. لديهم حرية نسبية داخل الأحياء لكن ما إن يصلوا إلى الشوارع الرئيسة حتى تهاجمهم السيارات ذاتها التي قمعتهم في الاحتجاجات أيام البشير".

ويضيف للجزيرة نت -بوصفه رئيسا للمنظمة- أنه لم يخرج موكب في المدة الأخيرة إلا وزادت حصيلة المصابين، كما لا يزال هناك حالات لاختفاء قسري "لقد استبدلنا جهاز الأمن بقوات الدعم السريع".

ويؤكد رامي -الذي أصيب خلال فض الاعتصام- أنهم نجحوا في إسقاط النظام لكن مطالب الحياة الكريمة والعلاج والتعليم المجاني والمساواة ما زالت معلقة بل إن التعليم أصبح في كف عفريت والعلاج بات أغلى.

لم تسقط بعد

ويقرّ سمؤل حسن بأن الرئيس المعزول عمر البشير سقط لكن السلوكات المتعلقة بالنظام السابق من قمع ورأسمالية ومحسوبية لم تسقط بعد.

ويعطي للجزيرة نت أمثلة بأن المحليات (المحافظات) ما زالت تتسيدها الرشاوى ويعمل منسوبوها على تكسير لجان المقاومة ولجان التغيير والخدمات حتى أصبحت هذه اللجان منبوذة في أحيائها لعجزها عن تقديم الخدمات.

وغرقت لجان المقاومة وما شكلته من لجان للتغيير والخدمات في أزمات الخبز وغاز الطهي بالأحياء ما وضع عبئا إضافيا عليها فضلا عن مهامها الثورية.

وينتقد سمؤل غياب الرقابة على الأسواق وإهمال الحكومة معاش الناس في ظل الظروف الاقتصادية بالغة الصعوبة التي يعاني منها أغلب السودانيين.

ويرى أن شعار السلام ما زال فوقيا لأن قادة الحركات المسلحة ركزوا على المحاصصة وإثارة قضايا انصرافية كما تفعل الحركة الشعبية-شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو في مفاوضات جوبا حاليا بمطالبتها بالعلمانية رغم أن شهداء الثورة ضحوا بأرواحهم من أجل مدنية الدولة، وبتبديل العطلة الرسمية إلى يوم الأربعاء.

شعار "مدنية"

وبدأ جعفر مختار -وهو من لجان المقاومة بالخرطوم بحري- حديثه مع الجزيرة نت بهتافهم المفضل أيام الاعتصام "مدنية"، قائلا إنهم كانوا يحلمون بحكم مدني يكفل الفصل بين السلطات.

ويضيف أن أحلام العيش بكرامة طالما راودتهم وهم يفترشون الأسفلت في الاعتصام في سبيل حكومة مدنية تعمر البلد وتهيكل القوات النظامية وتقيم نظاما عدليا يقتص من منسوبي النظام البائد.

ويشير مختار إلى أن الثوار طمحوا أيضا إلى حكومة تستوعب الطاقات والكفاءات من الشباب بدلا من الفرص التي استأثرت بها القوى السياسية لعناصرها، ويدعو وزير العدل لإجازة قانوني النقابات والحكم المحلي بما يكفل التغيير من القواعد.

وينصح الحكومة بوضع سقف زمني لخطط محددة من بينها إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية وتغيير النظام العدلي حتى يمكن إنهاء التأثير في سير العدالة.

نكبة وخذلان

ويبدو النذير عز الدين -من لجان المقاومة في الدامر بولاية نهر النيل- أكثر استياءا وهو يقول للجزيرة نت إنه يشعر بالخذلان وإن هناك نكبة يعانيها الثوار.

ويشدد أن مطالب الثوار ما زالت مرفوعة دون أن تلبيها الحكومة ويأمل أن تشكل توصيات مؤتمر باريس الاقتصادي مخرجا لأزمات الحكومة الانتقالية.

ويرى عز الدين أن مطالبهم زادت بمطلب القصاص لدماء الشهداء لذا فهو يؤيد لجوء أسر الشهداء إلى المحكمة الجنائية الدولية لأن اللجنة الوطنية للتحقيق بشأن فض الاعتصام ضعيفة وبلا معينات.

ويفكك شعار الثورة "حرية.. سلام وعدالة" قائلا إن الحرية مكفولة نسبيا لكن السلام ناقص وأصحاب المصلحة الحقيقية في مناطق النزاعات لا يحسون به، أما العدالة فهي غائبة حتى على مستوى توزيع الخدمات فضلا عن القصاص من القتلة.

بيد أن عاصم سامي من لجان مقاومة المزاد يطفح بطاقة أمل وهو يقول إن الواقع لا يلبي الطموح لكن التخريب الذي تسبب فيه نظام البشير يحتاج إلى الصبر كذلك فإن حكومة حمدوك تمضي بخطى جيدة رغم المعاناة.

المصدر : الجزيرة