محادثات فيينا.. قريبون من الاتفاق ولكن!

إيران تقول إن "النووي" يمثل قضية دولة ونظام وليس قضية رئيسين أحدهما منتخب والآخر منصرف، لكن من المعلوم أن المرشد الأعلى هو الفاعل الرئيسي في هذا الملف.

الجولة السادسة من المفاوضات حول الملف النووي الإيراني في فيينا اكتنفها التفاؤل الحذر (الأناضول)

فيينا – انتهت الجولة السادسة من مفاوضات الملف النووي الإيراني مثل سابقاتها، بجرعة تفاؤل زائدة وبوعدٍ بجولة جديدة لم يحدد موعدها، مع تأكيد الأطراف المشاركة أن 11 أسبوعا من التفاوض لم تذهب سدى، وأن تقدما كبيرا قد تحقق واتسعت مساحات التفاهم بشكل كبير.

لكن، هل يعني ذلك أن الجولة السابعة ستشهد توقيع اتفاق؟ ليس تماما؛ فكل التصريحات جاءت بصيغة "نعم ولكن". إذ يتحدث المفاوضون عن اقتراب من الاتفاق، لكنهم يقرون بوجود قضايا صعبة لم تحل بعد، كما أن الاتفاق بحاجة لقرار سياسي من العواصم المشاركة.

كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي (يمين) وممثل الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا بإحدى جلسات التفاوض (الأناضول)

وقبيل انتهاء الجولة السادسة من المفاوضات، قال كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي للجزيرة نت إن الاتفاق لم يكن أقرب مما هو عليه الآن.

وأضاف -في رسالة طمأنة للمتفاوضين عقب انتهاء الجولة- أن سياسات طهران لن تتغير في ظل إدارة الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي، الذي سيتولى منصبه في أغسطس/آب القادم، وقال إنه "شخص واقعي وعقلاني".

وبالنسبة لعراقجي، فإن الموقف الإيراني غير مرتبط بالحكومات المتغيرة، ولكن بحسابات المصلحة الوطنية.

كما يؤكد أن الجزء الصعب من المحادثات ما يزال قائما، وأن إيران لن توقع أي اتفاق ما لم تحصل على ضمانات بعدم تكرار تجربة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مع أي إدارة أميركية لاحقة. مضيفا أن إيران غير معنية بما لا يلبي طموحاتها، فإما اتفاق جيد وإما "لا اتفاق".

في المقابل، لم يختلف الموقف الأميركي كثيرا؛ فقبيل انتهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات، ومع ظهور مؤشرات فوز إبراهيم رئيسي؛ قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية إن المفاوضات تسير على الطريق الصحيح، وإن الولايات المتحدة ترغب في توقيع اتفاق خلال الأسابيع الستة المقبلة، أي قبل تسليم السلطة للرئيس الإيراني الجديد.

لكن المتحدث الأميركي نفسه عاد عقب نهاية الجولة السادسة للحديث عن الصعوبات التي لم يتم التغلب عليها بعدُ في العاصمة فيينا.

أما الاتحاد الأوروبي، الذي يرعى المفاوضات، فقد تحدث على لسان ممثله في المفاوضات إنريكي مورا عن تقدم مهم تحقق.

لكن المفوض السامي للسياسات الخارجية جوزيب بوريل خفف كثيرا من لهجة التفاؤل عندما أعلن في اليوم التالي لنهاية الجولة السادسة من لوكسمبورغ عن صعوبات كبيرة تواجه المفاوضات.

وعلى غرار التصريحات المتذبذبة بين الحذر والتفاؤل، جاءت تصريحات بقية الدبلوماسيين، ومن بينهم المندوب الروسي لدى المنظمات الدولية ميخائيل أوليانوف والمندوب الصيني وونغ كون.

الخلافات الرئيسية

ويبدو أن الأطراف المتفاوضة حققت بالفعل تقدما على مستوى مجموعة من القضايا الخلافية. ومن أهمها قضية العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، إذ تم التوافق على رفع العقوبات التي تستهدف قطاعات النفط والبنوك والسيارات والتأمين.

وبالنسبة للإيرانيين، فإن هذه خطوة مهمة وتعني ضخ دماء جديدة في شرايين اقتصادها، وهي شرط لازم لإنجاح المفاوضات من وجهة النظر الإيرانية.

وعند سؤال الدبلوماسيين عمّا يعطل التوصل إلى حل ما دامت هذه القضايا قد تم التوافق عليها، يأتي الجواب عادة بأنه "لا نريد الخوض في التفاصيل"، أو "لن نتفاوض أمام الكاميرات"، كما صرح عباس عراقجي وإنريكي مورا وميخائيل أوليانوف.

من يخطو الخطوة الأولى؟

وبعيدا عن الأضواء، تتحدث مصادر مقربة عن مسألتين أساسيتين " تسممان" أجواء التفاوض؛ أولاهما العقوبات الأميركية المفروضة على بعض الشخصيات الإيرانية المهمة، ومن بينها المرشد الإيراني، والرئيس المنتخب نفسه إبراهيم رئيسي، ونحو 128 شخصية أخرى. والعقوبات المفروضة على هيئات وكيانات أساسية مثل الحرس الثوري.

ولا تبدي الولايات المتحدة مرونة كبيرة حيال ذلك، بل تشدد على أن هذه العقوبات لا تندرج في سياق الاتفاق النووي وإنما فُرضت في سياق الاتهامات لإيران بالإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، بالإضافة إلى أنشطة إيران في الشرق الأوسط. وفي المقابل، لا يرى المفاوض الإيراني أي مجال لاتفاق من دون رفع هذه العقوبات.

وتأتي مسألة الضمانات أيضا، بوصفها واحدة من نقاط الخلاف العصية. ووفقا لمصادر دبلوماسية أوروبية، فإن المفاوض الإيراني يقول إنه لا يرغب في تكرار تجربة اتفاق عام 2015 الذي تخلت عنه إدارة ترامب عام 2018.

وتقول طهران إنه بالإمكان مراقبة التزامها بتعهداتها من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن لا أحد موكلا إليه مراقبة الالتزام الأميركي.

وفي السياق نفسه، تعتقد طهران أن التوقيع الأميركي على الاتفاق غير كافٍ، بل لا بد من التطبيق الفعلي للاتفاق. وتشترط أن تخطو الولايات المتحدة الخطوة الأولى على قاعدة أن "من خرج أولا يعود أولا".

ليس ذلك فحسب، بل تشترط أيضا عودة نفطها إلى السوق الدولية، ورفع العقوبات فعليا قبل أي التزام من جانبها بتعهداتها السابقة.

وتشكل مسألتي العقوبات والضمانات حجر عثرة لم تتمكن الأطراف من تجاوزه بعد، وهما تعكسان في الواقع مناخ انعدام الثقة بين طهران وواشنطن، مما يزيد تعقيد المفاوضات ويطيل أمدها.

تأمل الولايات المتحدة بتوقيع الاتفاق حول النووي قبل تنصيب الرئيس الجديد ابراهيم رئيسي في أغسطس المقبل.
أميركا تأمل توقيع الاتفاق النووي قبل تنصيب الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي في أغسطس/آب المقبل (الأناضول)

حسابات العواصم

ولا يرتبط نجاح مفاوضات فيينا في التوصل إلى اتفاق مقبول من الجانبين، فثمة أيضا حسابات السياسة المرتبطة بتسويق هذا الاتفاق داخليا وخارجيا، خاصة مع صعود رئيس جديد في إيران.

ويؤكد المفاوضون الإيرانيون أن الاتفاق النووي يمثل قضية دولة ونظام وليس قضية رئيسين؛ أحدهما منتخب والآخر منصرف.

ومعلوم أن المرشد الأعلى يمثل الفاعل الرئيسي في صياغة المعادلة من الجانب الإيراني، لكن هذا لم يمنع المتحدث باسم الخارجية الأميركية ووزير الخارجية الإيراني من الأمل في التوقيع على الاتفاق قبل أغسطس/آب المقبل، أي قبل تنصيب إبراهيم رئيسي.

وتقول مصادر أوروبية إنه في حال عدم توقيع اتفاق قبل ذلك، فإن هذا يعني انتظار تشكيل حكومة إيرانية جديدة وربما وفد مفاوض جديد، وهو ما سيدفع المفاوضات إلى نهاية العام، وذلك ما لا يرغب فيه أحد.

في المحصلة، يمكن القول إن المفاوضات حققت تقدما كبيرا على المستوى التقني، في حين أصبحت القضايا الخلافية واضحة، لكن الاتفاق بحاجة إلى قرار سياسي.

ولعل هذا ما دفع عراقجي للقول إن الوفود هذه المرة ستعود للعواصم لاتخاذ قرار وليس للتشاور فقط.

وهو ما يفسر أن الوفود افترقت هذه المرة من دون تحديد موعد الجولة المقبلة كما جرت العادة. ووحده المندوب الروسي توقّع أن تعود الأطراف إلى فيينا بعد 10 أيام.

المصدر : الجزيرة