شهود يروون تفاصيل "الليلة الدامية" في الأقصى.. كيف عاشها المصلون؟
يقول المواطن الفلسطيني "رأيت عشرات الجنود بمنطقة باب المغاربة فقط يتراصون لجانب بعضهم بصف يتجاوز طوله 40 مترا، ويستعدون للاقتحام والمواجهة"، كما رصدت أكثر من 60 إصابة بين المصلين خلال اللحظات الأولى فقط.
كل المحاولات التي سعى عبرها المواطن أنس أبو صالح (43 عاما) لدخول مدينة القدس والمسجد الأقصى طوال شهر رمضان لم تجدِ نفعا حتى أمس الجمعة، وبالرغم من اختياره موعدا يجنبه أي مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي؛ إلا أن المحظور وقع، وحدث ما لم يكن بالحسبان.
بكل ما يحمله الوصف من معنى عاشت مدينة القدس، يوم أمس، "ليلة ساخنة وملتهبة"، وواجه الفلسطينيون ممن وصلوا للمسجد الأقصى رعبا حقيقيا بعد اقتحام مئات الجنود الإسرائيليين المسجد وملاحقتهم المصلين داخله.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل تعمد نتنياهو تفجير الأوضاع بالقدس؟ وما تداعيات التصعيد على أزمة تشكيل الحكومة بإسرائيل؟
شاهد.. الفلسطينيون يوثقون اعتداءات الاحتلال على المصلين في الأقصى بآخر جمعة من رمضان
في انتهاك جديد.. 101 متطرف يقتحمون الأقصى رغم تشديد منعهم بالعشر الأواخر من رمضان
عقب صلاة الجمعة، أمس، تمكن أبو صالح، الذي يملك "تصريحا خاصا وتطعيما ضد كورونا" كما تشترط سلطات الاحتلال لدخول مدينة القدس، فمنذ بداية شهر رمضان والإغلاقات تشتد وتزيد؛ بدءا بأحداث باب العامود فالشيخ جراح وغيرها وانتهاء بالمسجد الأقصى نفسه فضلا عن أحداث الضفة الغربية الأكثر تأزما.
وقبل أن ينهي أبو صالح إفطاره الرمضاني اشتعلت المواجهة، "ولم نعرف من أين تسقط علينا قنابل الصوت والرصاص المطاطي"، ورد المصلون بالتكبير والهتاف "بالروح بالدم نفديك يا أقصى".
صلاة الخوف
ويقول في روايته للجزيرة نت إنه قبل أن تسخن الأحداث ويشتد الوطيس لجأ وصديقه لداخل المصلى القبلي، واحتموا فيه، وكذلك فعل مئات المصلين؛ فالجنود المدججون بكل أنواع السلاح انتشروا بكثافة في الساحات، وأطلقوا النار عشوائيا "فرد الشبان برشقهم بعبوات المياه البلاستيكية والأحذية".
"وبخوف كبير"، على حد وصفه، صلى أبو صالح العشاء وبعض ركعات التراويح، وخلالها لم تتوقف نداءات الشيوخ وأئمة المسجد الأقصى وعبر مكبرات الصوت بدعوة "شرطة الاحتلال بعدم إطلاق النار وملاحقة الشبان العُزَّل، ودعوا كذلك المصلين بعدم الاقتراب من تجمعات الشرطة كي لا يسمحوا لهم باستفزازهم، فيضيع عليهم أجر الصلاة وقيام الليل، ومع ذلك لم تنصع الشرطة وواصلت اعتداءاتها".
ويواصل أبو صالح شهادته قائلا إن الشرطة استمرت بإطلاق النار، حتى وهم داخل المسجد، "ورأينا حراس المسجد الأقصى من الفلسطينيين يحولون دون تطور المواجهات بين الشبان وعناصر شرطة الاحتلال، الذين كانوا على أهبة الاستعداد".
استفزاز ونية مبيتة
يؤكد أبو صالح ومئات المصلين، الذين نشروا ذلك عبر صفحاتهم في مواقع التواصل، أن الاحتلال تعمد "استفزاز المصلين"، وبدأ ذلك منذ ساعات الصباح عبر انتشارهم بكثافة في الأسواق وعند مداخل المسجد، وإعاقة وصول المصلين، وفحص هوياتهم وتصاريحهم "وما إن بدأت المواجهة حتى تركوا ثكناتهم بالخارج، واقتحموا المسجد".
نحو 20 مكالمة هاتفية تلقاها أبو صالح من ذويه وأصدقائه محاولين الاطمئنان عليه، ويقول إن شبكة الاتصال كانت تسقط رغما عنه، وهو ما كان يزيد الوضع سوءا، "وظل التوتر لديهم حتى دخل بيته بعد منتصف الليل".
وبالنسبة للشاب جهاد عبد الرحيم، فكان المشهد أكثر سخونة، فهو لا يملك تصريحا للدخول، ولهذا لجأ "للتهريب عبر الفتحات الحدودية بين شقي الخط الأخضر"، وتجشم معاناة السفر لعدة كيلو مترات مشيا على الأقدام.
ويقول في حديثه للجزيرة نت إن كل الشواهد كانت تشير إلى "نية مبيتة" لدى الاحتلال بإخلاء المسجد الأقصى من المصلين، وعدم إبقاء هذه الجموع التي كسرت كل الحواجز، ونسيت جائحة كورونا، وجاءت للتعبد في هذه الأيام المباركة.
ويضيف "رأيت عشرات الجنود بمنطقة باب المغاربة فقط يتراصون لجانب بعضهم بصف يتجاوز طوله 40 مترا، ويستعدون للاقتحام والمواجهة"، كما رصد أكثر من 60 إصابة بين المصلين خلال اللحظات الأولى فقط.
الخروج أخطر والقنص مباشر
وكان الخروج من المسجد الأقصى "أصعب وأكثر خطرا"، بوصف عبد الرحيم، وإن الإصابة واقعة لا محالة، فالاحتلال يغرق المكان بالرصاص والتدافع بين المصلين على أشده.
ويردف قائلا "حتى اللحظة لا أعرف كيف خرجت من المسجد ووصلت منطقة باب العامود، التي كانت الشرطة تغرقها بالمياه العادمة فوق الرصاص".
ورغم ذلك استطاع عبد الرحيم، الذي كان ينوي المبيت للاعتكاف وقضاء ليلة القدر في الأقصى، التوثيق عبر هاتفه النقال بمقاطع عدة من الفيديو والصور للأحداث "والهجمة المسعورة" لعناصر شرطة الاحتلال، وهو ما فعله معظم من كان في المسجد الأقصى، وأخذوا ينشرونه عبر صفحاتهم الخاصة.
وكانت إحصاءات الهلال الأحمر الفلسطيني قد أشارت إلى إصابة أكثر من 200 مصلٍّ بجروح مختلفة؛ بينهم نحو 90 إصابة بقنابل الصوت والرصاص المعدني المغلف بالمطاط، والضرب المباشر، وهذه الإصابات نقلت إلى مستشفيات القدس للعلاج.
كما دلت أماكن الإصابات، والتي أغلبها في منطقة الرأس (الوجه والعين)، على تعمد الاحتلال إيقاع أكبر عدد من المصابين؛ "لتخويفهم وإخراجهم من الأقصى".
"أمام عيني"
وحول ذلك يقول الدكتور ناصر عبد الجواد، النائب في المجلس التشريعي السابق، والذي كان موجودا بالأقصى، إن الاحتلال أخرجهم بالقوة من المسجد بدون سبب، "ورأيت الجرحى يتساقطون أمامي وبعضهم في حالة خطرة".
وأضاف على حسابه الخاص في فيسبوك "واضح أن الهدف إفراغ الأقصى من المعتكفين، لقد ساقونا تحت أزيز القنابل والرصاص بالآلاف وصولا لباب الأسباط، ولم نستطع العودة للمسجد الأقصى".
وعلى الصعيد الآخر لم يهدأ روع عائلات المصلين بالأقصى بعد هذه الأحداث، ومثل غيرها عاشت عائلة الشاب عبد الرحمن مرشود من مخيم بلاطة بنابلس خوفا كبيرا على نجلها، الذي يدخل المسجد الأقصى "لأول مرة بحياته، ويعيش المواجهات واقعا".
وتقول أخته للجزيرة نت إن وسائل الاتصال انقطعت مع شقيقها وأصدقائه وإن والدها الموجود في السعودية كان يحاول من طرفه، ولم يفلح، "وعشنا رعبا لليلة كاملة، وكأنها ليلة معركة وحرب، ولم يهدأ بالنا حتى وصل قرابة الثالثة فجرا".