محامون وثّقوا عشرات القصص.. العنف أبرز سمات الاعتقالات الأخيرة بالقدس وتوجه نحو سياسة الاعتقال الإداري

تشهد مدينة القدس تحولا جديدا في آلية الاعتقال، واتجاه الاحتلال نحو مزيد من الإجراءات الرامية لردع الشباب؛ أبرزها إصدار أوامر الاعتقال الإداري، وأوامر أخرى بقطع خدمات التأمين الصحي عن أسرى محررين وعائلاتهم.

شرطة الاحتلال تنفذ عشرات الاعتقالات التي تتسم بالعنف الشديد في محاولة لاستعادة "هيبتها" بأي ثمن (رويترز)

لا تبدو يوميات المحامين في القدس كيوميات نظرائهم في هذه المهنة بمدن أخرى حول العالم، ومنذ اندلاع الهبّة الشعبية الأخيرة في المدينة مطلع شهر رمضان المنصرم زاد العبء الملقى على عاتقهم.

ويتسمر هؤلاء أمام مراكز الشرطة والتحقيق والمحاكم ساعات طويلة لإعطاء الاستشارة القانونية، والترافع عن أشبال وشبان المدينة الذين تجاوز عدد المعتقلين منهم منذ بداية الأحداث 550.

وفي مكتب المحامييْن محمد محمود وهبة القدومي في حي الشيخ جرّاح، اطلعت الجزيرة نت على سير عملهما في المحاكم بالقدس والمتابعات اليومية، والتحول الأخير في آلية الاعتقال بالمدينة، والاتجاه نحو مزيد من الإجراءات الرامية لردع الشباب، وأبرزها إصدار أوامر الاعتقال الإداري، وأوامر أخرى بقطع خدمات التأمين الصحي عن أسرى محررين وعائلاتهم.

وخلال تواجدنا في مكتب المحاماة اضطررنا لوقف التسجيل مرارا بسبب كثافة المكالمات التي تلقاها المحاميان؛ فتلك أم تتوسل للتواصل مع إدارة السجن الذي يقبع فيه نجلها بعد الاعتداء عليه بالضرب المبرح، وهناك أب ينتظر تحت أشعة الشمس الحارقة أمام مركز تحقيق المسكوبية للإفراج عن ابنه القاصر ليأمره السجّان آخر النهار بالعودة لمنزله من دون نجله، بعد قرار جائر بتمديد اعتقاله رغم انتزاع قرار بالإفراج عنه.

المحاميان محمد محمود وهبة القدومي يترافعان عن الأسرى الأمنيين في القدس (الجزيرة)

قهر واضطهاد

إعلان

مكالمات أخرى يُبلغ فيها الأهل المحاميين باعتقال أبنائهم، ويطلبون معرفة الجهة التي اقتيدوا إليها، وغيرها مطالبات وتوسلات كثيرة تلقياها بهدوء ودرجة عالية من ضبط النفس.

يعمل محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين محمد محمود مع الأسرى الأمنيين في القدس منذ عام 2010، وقال إن العمل مع هذه الفئة ليست أمرا سهلا، والتوجه يوميا إلى العمل يحتاج همّة عالية ونفسا طويلا لتقبل واحتواء كل المواقف التي يمكن أن تواجه المحامي.

تطرق محمود في بداية حديثه إلى تصاعد قرارات الاعتقال الإداري في الأيام الأخيرة بحق شبان تعتقد المخابرات الإسرائيلية أنهم المحرك والمحرض للشباب على المواجهات، وأنهم من يوفرون لهم الألعاب النارية، لكن لا توجد أدلة ملموسة لإدانة هؤلاء، فتم حتى الآن إصدار 10 أوامر اعتقال إداري لمقدسيين لمدة 4 أشهر حتى اليوم.

وعلق المحامي على ذلك بأن اتباع هذا المنحى يهدف إلى ردع الشباب، خاصة مع تصاعد الحديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن "إهانة كرامة الشرطة مؤخرا في القدس وفقدانها هيبتها أمام شباب المدينة".

فلجأت الشرطة -وفقا لمحمود- إلى تنفيذ عشرات الاعتقالات يوميا، واتسمت بالعنف الشديد والاعتداءات الكبيرة التي تركزت على منطقة الوجه؛ في محاولة لاستعادة الهيبة بأي ثمن.

قوات الاحتلال الإسرائيلي تتعمد استهداف الأطراف العلوية والرأس إمعانا في الإيذاء (رويترز)

على الفور يتجند محمود وزملاؤه للدفاع عن هؤلاء من جهة، وتهدئة روع ذويهم من جهة أخرى، وقال "لا يمكنني التوقف عن الإجابة على اتصالات أهالي الأسرى حتى أثناء ساعات نومي القليلة جدا، لأن هؤلاء يريدون بداية معرفة المكان الذي اقتيد له أبناؤهم وما جرى معهم خلال التحقيق، وإذا كانت ستقدم لوائح اتهام ضدهم، وغيرها من الاستفسارات".

منذ عام 2014، وبالتحديد بعد هبّة أبو خضير، بدأ محمود ملاحظة أن العقوبات تأخذ اتجاها مختلفا، إذ برزت العقوبات بالسجن الفعلي على خلفية "التحريض على موقع فيسبوك"، وفي عام 2016 مع سنّ قانون "الإرهاب" شهد المحامون على إنزال عقوبات مضاعفة بحق القاصرين والبالغين على حد سواء.

إعلان

وفي الهبة الشعبية الأخيرة التي انطلقت من باب العامود، قال محمود إن كافة المعتقلين الذين التقاهم تعرضوا للضرب المبرح على يد الشرطة والقوات الخاصة أثناء الاعتقال.

"عندما يعرض المعتقلون على المحكمة تدعي الشرطة أن ضربهم جاء على خلفية اعتدائهم على الشرطة أثناء الاعتقال، ونطلب في المقابل أدلة على وجود شرطي واحد مصاب، لكن ذلك لا يوجد فعليا، وبالتالي ليس هناك مبرر لاستخدام القوة والعنف ضد سكان المدينة أثناء اعتقالهم".

أوامر إبعاد بالجملة

أكد محمود أن 20% من المعتقلين على خلفية الأحداث الأخيرة في المدينة قدمت ضدهم لوائح اتهام، وأن العشرات منهم أفرج عنهم بشرط الحبس المنزلي أو الإبعاد عن أماكن المواجهات (الشيخ جراح وباب العامود والبلدة القديمة والمسجد الأقصى).

وختم محمود حديثه للجزيرة نت بالقول إن مواصلة الليل بالنهار للدفاع عن أهالي المدينة في المحاكم الإسرائيلية ينبع من إيمانه بأنهم لم يعتقلوا لأسباب شخصية، بل لأنهم يدافعون عن قضية شعب بأكمله، "هؤلاء يدافعون عن وجودهم وبيوتهم ووطنهم، ولولا مقاومتهم لسيطر اليهود على أماكن كثيرة في القدس".

هبة القدومي التي كانت تتابع مع عائلة مقدسية تأخر الإفراج عن ابنها؛ قالت للجزيرة نت إنها اكتفت خلال عام ونصف العام من عملها في المحاكم بما شاهدته من قهر وظلم ضد أبناء القدس.

وأضافت أن أصعب المواقف التي تمر بها يوميا عند جلب الأسرى لقاعات المحكمة، وتراهم مضطهدين مستضعفين، ومنهم من اضطر للاعتراف بالتهم الموجهة إليه تحت التعذيب والتهديد، رغم عدم ارتكابها، فيدخل في دوامة تصعب النجاة منها.

ميدان - إسرائيل احتلال جنود اعتقال طفل
الأطفال الفلسطينيون المعتقلون يتعرضون لانتهاكات بينها إبقاؤهم من دون طعام أو شراب لساعات (رويترز)

تبدأ مهمة هبة عند تلقي اتصال من الأهالي باعتقال ابنهم أو ابنتهم، فتتبع مكان اقتياده وتتوجه للمكان لإعطائه استشارة قانونية حول كيفية التصرف أثناء التحقيق معه، ثم متابعة إذا كان سيفرج عنه أو لا، وبالتالي تقديم طلب لزيارته في حالة التمديد والترافع عنه بمحكمة الصلح ثم بالمركزية في حال اضطر المحامون لتقديم استئناف.

إعلان

ووصفت الاعتقالات الأخيرة بالمدينة بالقاسية جدا، إذ لم ينجُ منها القاصرون ولا البالغون ولا المسنون، وأن السمة الأبرز فيها الاعتداء الوحشي وجلب الأسرى إلى المحاكم من المستشفيات بعد تلقي العلاج الطبي، نافية أن يشفع ذلك في الإفراج عنهم.

وحول أبرز التهم التي وجهت للمعتقلين قالت إنها تركزت في مهاجمة الشرطة الإسرائيلية والمشاركة في المواجهات ورشق الحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة.

المصدر : الجزيرة

إعلان