الكنيسة والأزهر.. لماذا غابت مؤسسات دينية عن أزمة سد النهضة؟

سد النهضة
أزمة سد النهضة الإثيوبي تواصل تصاعدها (الجزيرة)

في خضم تصاعد أزمة سد النهضة الإثيوبي، تخوض مصر ما يشبه المعركة على كافة المستويات السياسية والدبلوماسية والفنية، مع التلويح بالخيار العسكري على مستوى التصريحات أو التدريبات المشتركة على الأراضي السودانية.

هذا التجييش لكافة مؤسسات الدولة المعنية بالأزمة يقابله نوع من الصمت على المستوى الديني الرسمي، رغم استنفار المؤسسات الدينية الإثيوبية ممثلة في الكنيسة بتنويعاتها والمجلس الإسلامي الأعلى والإفتاء، وهو ما دفع الأكاديمي المصري خيري عمر للقول إن إثيوبيا تخوض معركة النيل بخلفية عقدية تستخدم فيها كل الرموز الدينية والاجتماعية، بحسب تصريحه للجزيرة نت.

ورغم تاريخية العلاقة القديمة بين الكنيستين الإثيوبية والمصرية -وفق الخبير المصري بالشأن الأفريقي حمدي عبد الرحمن- فإن الأخيرة لم تقم بدور جاد في سياق المسار التفاوضي.

وقد شاركتها في ذلك المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية ممثلةً في كل من الأزهر والأوقاف ومن ثم دار الإفتاء التي غاب تموضع قضية النيل عن أجندتها، رغم انعكاساتها الكبيرة على المشهدين السياسي والمجتمعي في الداخل المصري.

الأمر الذي استدعى -في سياق المقارنة بين المؤسسات الدينية في كل من مصر وإثيوبيا- محاولةَ فهم الأسباب التي تقف وراء غياب المؤسسات الدينية المصرية عن المعركة التي يقول المصريون إنها أخطر الأزمات التي تهدد مستقبلهم وأمنهم القومي.

الكنيسة الإثيوبية

ظلت الكنيسة الإثيوبية على مدار 16 قرنا من الزمان تابعة بشكل مباشر للكنيسة الأم في الإسكندرية، ويقول الخبير بالشأن الأفريقي حمدي عبد الرحمن إن بطريرك الكنيسة المصرية في الإسكندرية هو من كان يقوم بتعيين وترسيم مطران الكنيسة الأثيوبية، وذلك من بين عدد من الرهبان المصريين.

ويضيف عبد الرحمن -للجزيرة نت- أنه في النصف الثاني من القرن الماضي شهدت الكنيستان طلاقا بائنا في حكم الإمبراطور الإثيوبي "هيلا سيلاسي" (Haile Selassie) وتحديدا عام 1959.

ويوضح عبد الرحمن أن المؤسسة الدينية الإثيوبية كان دورها دائما هامشيا في قضايا السياسة الخارجية في جميع فتراتها، إلى أن جاء رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد وقدم منظورا خاصا تجاه الكنيسة، مع إحداث تنوع عرقي داخل كنيسة "التوحيد" الإثيوبية التي تجمع أكثر من 40% من مسيحيي إثيوبيا، خاصة مع نجاحه في إرجاع بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية "الأنبا مركوريوس" بعد 27 عاما قضاها في المنفى بالولايات المتحدة.

ويؤكد أن توظيف الكنيسة في عمليات الاصطفاف الداخلي كانت موجودة بشكل أو بآخر، سواء كان في العهد الإمبراطوري أو بعد حقبة العسكرية الشيوعية، وتم تقليص دورها فقط مع تصعيد الثالوث الشيوعي (ماركس وإنغلز ولينين) وحينها تم الاصطدام مع قادة الكنيسة والإطاحة بالبطريرك.

ويشدد الأكاديمى المصري على أن النقطة المحورية في هذا الموضوع يتمثل في توظيف إثيوبيا للروايات الدينية للترويج لدورها ومكانتها الخاصة، مؤكدا أن ذلك مهم في فهم الشخصية الإثيوبية وعلاقة الكنيسة بالدولة، حيث يتم استخدامها في خلق شعور بالأمة وهو ما يحدث في قضية سد النهضة.

الكنيسة المصرية

لعبت الكنيسة المصرية أدوارا مهمة في العلاقات الرسمية مع إثيوبيا، خاصة أن رأس الكنيسة المصرية الأسبق البابا كيرلس السادس كانت تجمعه بالإمبراطور "هيلا سلاسي" علاقات شخصية، وكثيرا ما كان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر يوظفها في خدمة المصالح المشتركة، وفقا لما يؤكده الكاتب الصحفي أشرف صادق خلال مقال بصحيفة الأهرام الحكومية في أبريل/نيسان 2014.

بيد أنه في اللحظة الراهنة بدا خطاب الكنيسة المصرية هادئا ومتراجعا رغم صخب الأحداث التي رافقت معركة مصر التفاوضية مع سد النهضة الإثيوبي، ويفتقد إلى التأثير والحضور الفاعل، حسب وصف الخبير بالشأن الأفريقي حمدي عبد الرحمن.

وفي مطلع مايو/أيار الجاري، دعا رأس الكنيسة المصرية الباب تواضروس الثاني إثيوبيا لتجنب القلق والصراع في المنطقة، والذهاب لحل توافقي في أزمة سد النهضة.

وبدت لهجة تواضروس هادئة حين قال -في عظة دينية نقلها التلفزيون الحكومي عشية قداس عيد القيامة- "نصلي كثيرا من أجل مشكلة سد النهضة، ليمد الله يده ويعمل فيها للوصول إلى حلول ترضي الجميع".

ودعا تواضروس الثاني إثيوبيا حكومة وشعبا إلى المشاركة والتعاون والتنمية بدلا من أي قلق أو صراع أو متاعب، وقال "نحن أشقاء في نهر النيل الخالد، نصلي أن يُنجِح الله كل الجهود الطيبة، الجهود الدبلوماسية والسياسية، حتى لا نلجأ إلى أي جهود أخرى".

المؤسسة الإسلامية الإثيوبية

يذكر حمدي عبد الرحمن أن المجتمع الإثيوبي المسلم يتكون من عدة أعراق من الصومال والتيغراي والأورومو وغيرهم، ما جعلهم يعايشون واقعا هشّا على مدار تاريخهم.

ويرى عبد الرحمن أن المسلمين هناك خضعوا لرعاية منظمة منذ الإمبراطور "هيلا سيلاسي" الذي أوعز إليهم فكرة أن مصر تسرق النيل، وأن مصر تحصل منه كل شيء، وعبارات من هذا القبيل.

وحينما وصل رئيس الوزارء "آبي أحمد" إلى السلطة منح المجلس الإسلامي (أكبر هيئة إسلامية في البلاد) في 2018 وضعا قانونيا بعد عقود من عدم الاعتراف به ليصبح بذلك مؤسسة دينية إسلامية ذات سيادة كاملة، فيما يحظى الشيخ قاسم محمد تاج الدين -أمين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الإثيوبية- بعلاقة وثيقة مع رئيس الوزراء، بحسب مقال نُشر في مطلع مايو/أيار الجاري للباحث المصري مصطفى زهران.

وتحت عنوان "لعبة آبي أحمد.. لماذا يدعم مسلمو إثيوبيا سد النهضة؟" أوضح زهران أن "آبي أحمد" عمل على إفساح المجال للمسلمين كي يعملوا داخل المؤسسات الحكومية، والتودد لرموز ودعاة المسلمين، فضلا عن مشاركتهم مناسباتهم وأعيادهم الدينية، ما ساهم في توظيفه لنخبتهم ورموزهم، ويعد المفتي الحاج عمر إدريس أبرز هذه الوجوه، وذلك نظرا لخطبه وتصريحاته المختلفة التي تضفي شرعية دينية على مشروع السد.

في هذا السياق، تشير الكاتبة والباحثة المصرية صالحة علام إلى زاوية أخرى يطل من خلالها مسلمو إثيوبيا من شرفاتهم نحو سد النهضة، ممثلة في الوعود التي كرست لها الدولة الإثيوبية وقدمتها للشعب بأكمله.

وفي حديث للجزيرة نت، أوضحت الباحثة أن أبرز تلك الوعود هي أن هذا السد سيعمل على تحقيق مستقبل أفضل تطول كل مناحي الحياة خاصة الاقتصادية منها، وهو ما يجعل من مشروع السد قضية الأمة الإثيوبية بكل تنويعاتها الملية والعرقية، حسب وصفها.

الأزهر والأوقاف والإفتاء

في يونيو/حزيران 2020 قال شيخ الأزهر أحمد الطيب، إن نهر النيل هو شريان الحياة لمصر التي كانت دائما ولا تزال داعيةَ سلام واستقرار للجميع، لذلك فإن دفاعها عن حقوق شعبها في الحصول على حصته المائية واجب لا يحتمل الجدل ولا يقبل التهاون.

وأضاف -في تغريدته الوحيدة التي تناول خلالها قضية سد النهضة- إذا كان معلوما أن أحدا لا يستطيع أن يصادر حق إثيوبيا في التنمية والاستفادة من النهر، فإن أحدا أيضا لا يستطيع أن يصادر حق الشعب المصري التاريخي في مياه هذا النيل.

وترى صالحة علام أن شيخ الأزهر يرغب في النأي بنفسه عن الدخول في معارك سياسية مع السلطة الحالية والتعليق على مسائل يعتبرها النظام المصري ماسة بأمنه، ولا يجوز لأحد من الأجهزة الإدارية الأخرى داخل الدولة -خاصة الدينية منها- الاشتباك معها.

واستدركت الباحثة المصرية "إلا أننا نستطيع قراءة تغريدته تلك على أنها تأتي محاولة على استحياء منه في تسجيل موقف للتاريخ وحسب".

وتضيف الكاتبة المصرية، أن وزارة الأوقاف ودار الإفتاء رغم أنهما متداخلتان مع السلطة بشكل كبير وتتبعان الموقف الرسمي للدولة ولا تخرجان عن الخط العام لها؛ فإنهما التزمتا الصمت ولم تتطرقا إلى الموضوع وفق تعليمات من السلطة، وما يبرهن على ذلك عدم اشتباكهما مع قضية السد من قريب أو بعيد، حسب وصفها.

المصدر : الجزيرة