قرارات جديدة بمصر لمواجهة كورونا.. لإبراء ذمة الوزارة من الوفيات أم لسرعة العلاج بالمستشفيات؟

مصابون بكورونا يتلقون جرعات أكسجين في أحد المستشفيات المصرية (الجزيرة)

بالنسبة إلى خبرة الشهور الماضية، فإن العزل المنزلي هو الخيار الأول وأحيانا الوحيد للمصاب بفيروس كورونا في مصر، نظرا لصعوبة الوصول للمستشفيات الحكومية وارتفاع كلفة المستشفيات خاصة، وفق تقارير مختصة بالشأن الصحي.

وبلغت أعداد المصابين المصريين بكورونا 1149 حالة أمس الثلاثاء، بحسب آخر الإحصائيات الرسمية، وهو رقم منخفض لا يعكس حجم المصابين لأن "غالبية المرضى يفضلون العزل منزليا، مما يترتب عليه عدم ظهورهم في البيانات الرسمية"، كما يقول متابعون.

وأصدرت وزارة الصحة قرارات جديدة تحمّل مرافقي أو ذوي مرضى كورونا الذين يتوجهون بهم للمستشفيات -في وضع صحي متدهور بعد فترة عزل منزلي- المسؤولية عن ذويهم.

وقبل أيام وجّه الأكاديمي والسياسي البارز يحيى القزاز مناشدة لوزارة الصحة عبر مواقع إلكترونية محلية يطالب فيها بإيجاد مكان له بالمستشفيات لاستكمال المتابعة الطبية المقررة له ولأسرته بصفتهم من مصابي فيروس كورونا.

وقال القزاز إنه بعد ثبوت إصابته بفيروس كورونا يوم 13 مايو/أيار الحالي، أعطاه الأطباء البروتوكول، وطلبوا منه العزل المنزلي على أن يتابعه وأسرته -التي أصيبت معه- طبيب من وزارة الصحة.

وتابع "الأطباء بالمستشفى أدّوا ما عليهم، ومنذ ذلك التاريخ ونحن في العزل المنزلي ونعاني للتواصل مع أي من أطباء وزارة الصحة، والأيام تمر وبدأت الأحوال تتدهور، فهل المقصود بالعزل المنزلي هو موت المصاب في منزله بسلام بعيدا عن الإحصائيات الرسمية للمصابين بكورونا؟".

قرارات تعيد الحسابات

وتطلب القرارات الجديدة من ذوي المريض كتابة بيانات تفصيلية وإقرارات، يمكن أن تعرضهم للمساءلة الجنائية بتهمة الإهمال في حال وصول المريض للمستشفى في حالة متأخرة.

ولم يقدم مسؤولو الوزارة تفسيرا للقرارات التي تم تعميمها على المستشفيات، لكن مصدرا مطلعا في الوزارة -رفض الكشف عن هويته- أكد للجزيرة نت أن الأمر متعلق بما جرى في محافظة سوهاج جنوبا قبل أسابيع، حينما توفي في يوم واحد 14 مريضا بكورونا، يمثلون ربع حالات الوفاة في ذلك اليوم على مستوى الجمهورية، وذلك بسبب تدهور حالاتهم وتحميل ذويهم إدارة المستشفى المسؤولية عن الوفيات.

وبحسب البيان اليومي لوزارة الصحة، انخفضت حالات الوفيات أمس الثلاثاء إلى 45 حالة.

وأمرت السلطات الصحية بفتح تحقيق عاجل لبيان أسباب وفاة المصابين الـ14 الذين كان من بينهم أطفال وشباب.

وأكد مدير مستشفى سوهاج العام إيهاب هيكل أن زيادة معدل الوفيات وقتها سببه أن المريض المصاب بكورونا يصل إلى المستشفى فى حالة متدهورة وتكون نسبة الأكسجين بالجسم قد انخفضت إلى 50%، مضيفا في تصريحات صحفية "بروتوكوليا ليس من حقي تسلم المصاب، لأن حالته متأخرة جدا ومن الصعب علاجه".

تنفيذ القرار

وسارع مسؤولو المستشفيات إلى تنفيذ القرارات الجديدة فيما يخص جميع الحالات القادمة للمستشفى، والمقرر لها الدخول المباشر لأقسام الرعاية، والحالات التي تتوفى خلال أول 24 ساعة من تاريخ دخولها المستشفى.

وفي مستشفى كفر الشيخ العام شمال القاهرة، أصدر مدير المستشفى لطفي عبد السميع أمرا إداريا للأطباء العاملين بقسم العزل واستقبال حالات كورونا بالالتزام بنموذج تحديد الجهة المحول منها المريض في حالة خطيرة لدخوله العناية المركزة بالمستشفى، سواء كان قادما من عزل منزلي أو من عيادة أو مستشفى خاص.

وشدد الأمر الإداري الذي نشرته مواقع إخبارية محلية، على ضرورة تحرير محضر إثبات حالة على يد أفراد شرطة المستشفى في أهل المريض الذي يعاني من حالة شديدة الخطورة.

أما في حال تحويل المريض من مستشفى خاص أو عيادة، فيتم تحرير محضر أيضا ضد المستشفى الخاص أو طبيب العيادة للحالات المتدهورة.

وتشمل الإجراءات التي نصت عليها تعليمات الوزارة، إضافة خانة في بطاقة دخول المريض إلى المستشفى، يدوّن بها الجهة القادم منها المريض، والمسؤول عن الإجراءات المتخذة تجاهه وتسببت في تأخير دخوله للمستشفى، سواء كان السبب هو العزل في منزل أو جهة طبية خاصة، وتدوين اسم المتسبب في ذلك ثلاثيا، على أن تتخذ كافة الإجراءات القانونية حيال المتسبب والمنشأة التي يعمل بها.

سمير غانم السبب

ويحلل المسؤول السابق في وزارة الصحة والبرلماني السابق مصطفى جاويش دوافع القرارات بمحاولة الوزارة التنصل من القانون 137 الذي يحكم المسألة وصدر في عام 1958 مختصا بالأمراض المعدية.

وأشار إلى أنه حينما تفشت كورونا بمصر، صدر القرار رقم 145 لسنة 2020 باعتبار كورونا من الأمراض المعدية ويندرج تحت القانون، مما يعني أن الوزارة مسؤولة مسؤولية كاملة عن مرضى كورونا وتقديم كافة احتياجاتهم وحقوقهم بالمجان، واعتبر أن وزارة الصحة لم تقدر خطورة الوباء، ومع تفشي المرض واعتبار جميع المستشفيات الحكومية مستشفيات عزل، لم تكف لمواجهة الجائحة، فاتجه المرضى للمستشفيات الخاصة والعزل المنزلي.

ولفت جاويش إلى حدوث اجتماع شهير بين الوزارة ومسؤولي المستشفيات الخاصة، صدر عنه قرار بإلزام الوزارة بمساعدة المستشفيات الخاصة لتخفيف العبء عن المرضى، لكن تحايلت المستشفيات الخاصة على القرار لزيادة الأرباح، بحسب تعبيره.

وتابع بالقول إنه سبق ذلك قرار آخر يعتبر أن دخول المستشفيات للحالات الإيجابية فقط، مما نتج عنه تقسيم المرضى إلى 3 مستويات بحسب خطورة الحالة، يتوجه 5% منهم فقط للمستشفيات وهي الحالات شديدة الخطورة، وحاول المسؤولون تفسير ارتفاع معدلات الوفيات بإهمال المرضى في العلاج والتوجه للمستشفيات في حالة متأخرة للتملص من المسؤولية.

وأعرب جاويش عن اعتقاده بأن وفاة الفنان سمير غانم بأحد المستشفيات الخاصة، وهو تحت إشراف وزارة الصحة كما ينص القانون، هي الدافع وراء القرار، نظرا لأن الوزارة كانت تعلن تباعا عن تحسن حالته، ليفاجأ المصريون بشقيقه يعلن أن الفنان مات بالفطر السود، أي أن هناك إهمالا طبيا، أدى لتنصل الوزارة من المسؤولية -مستقبلا- عبر إصدار هذه القرارات.

وشرح جاويش بأن الفطر الأسود يأتي من بيئة ملوثة مما يعني خللا رقابيا، لكن هذا القرار برأيه سيكون له تبعات خطيرة في ظل عدم تنفيذ القانون، لأن طاقة المستشفيات الحكومية محدودة، كما سيؤدي لتنصل المستشفيات الخاصة بدورها، مما يهدد المنظومة الصحية بالانهيار.

ويرى أن الحل في الرجوع للقانون الأصلي بالتزام وزارة الصحة تجاه مرضى كورونا، مع توفير اللقاحات للأطباء الذين بلغت وفياتهم 100 ضعف النسب العالمية.

المصدر : الجزيرة

إعلان