اللد تنتفض.. انفجار بوجه التطهير العرقي وعنف الاحتلال بـ"المدن المختلطة"

تعتبر اللد من أكبر وأقدم مدن فلسطين التاريخية، وتبعد 38 كلم شمال غرب مدينة القدس، وصارت المدينة اليوم رمزا لرفض محاولات إسرائيل منذ النكبة محو هوية الفلسطينيين في الداخل، وتهميشهم تمهيدا لتطهيرهم عرقيا وإنهاء وجودهم خاصة فيما يُعرف بالمدن المختلطة.

إشعال إطارات بمداخل بلدات عربية عقب مواجهات بين شبان وقوات من الشرطة التي قمعت الاحتجاجات
المواجهات شملت اللد وبلدات من الداخل الفلسطيني (الجزيرة)

"لم يكن يوما كذلك، هذا بيت أحد أبناء اللد وقد حولوه كنيسا.."، هكذا علق فلسطينيون من مدينة اللد على منشور في فيسبوك يدعو لوقف حرق المرافق الإسرائيلية و"الكُنس" التي يصلي بها المستوطنون، بينما كتب آخر، "لا شيء لهم هنا، لينصرفوا من حارتنا ومن بلادنا".

جاءت هذه التعليقات في خضم مواجهات مباشرة مستمرة منذ 5 أيام بين أبناء مدينة اللد والمستوطنين الإسرائيليين المقيمين فيها، أو الذين قدموا عبر حافلات وشاركوا في هجمات عنيفة استهدفت منازل الفلسطينيين وسياراتهم وممتلكاتهم.

وانطلقت شرارة "انتفاضة اللد" يوم الثلاثاء 11 مايو/أيار، عندما شارك العشرات من أبنائها في مظاهرة سلمية احتجاجا على اقتحامات المستوطنين وشرطة الاحتلال للمسجد الأقصى، كما حدث في العديد من المدن والبلدات الفلسطينية في الداخل المحتل عام 1948.

وأثناء المظاهرة، دفعت الشرطة الإسرائيلية بقواتها لقمع المتظاهرين واعتقلت العديد منهم، بينما قام مستوطنون بإطلاق الرصاص الحي، فقتلوا الشاب موسى حسونة (31 عاما) وهو أب لـ3 أطفال، كما أصابوا اثنين من رفاقه.

على إثر ذلك، اندلعت احتجاجات عربية واسعة في اللد، بينما قامت شرطة الاحتلال بإجلاء عائلات للمستوطنين خشية على حياتهم، بينما تداعت مجموعات استيطانية مدعومة من أعضاء كنيست متطرفين لمهاجمة السكان العرب، ووصل عشرات المستوطنين المسلحين بحافلات إلى المدينة يومي الأربعاء والخميس.

إشعال إطارات بمداخل بلدات عربية عقب مواجهات بين شبان وقوات من الشرطة التي قمعت الاحتجاجات
إشعال إطارات في مداخل بلدات عربية عقب مواجهات بين شبان وقوات من الشرطة التي قمعت الاحتجاجات (الجزيرة)

مواجهات وطوارئ

تقول الناشطة فداء شحادة -وهي عضو في بلدية اللد- إن منزلها تعرض لرشقات بالحجارة من المستوطنين، وهو ما حصل أيضا لعشرات المنازل العربية. ونشرت على صفحتها بالفيسبوك صورا لآثار هجوم شنه المستوطنون على إحدى المقابر العربية، وحطموا شواهد القبور فيها.

وذكرت مصادر أخرى أن المستوطنين وضعوا علامات على المنازل العربية لتمييزها عن منازل اليهود قصد مهاجمتها، وأحرقوا عددا من سيارات الفلسطينيين، كما حاولوا حرق منازل كان أصحابها داخلها.

كما هاجم المستوطنون يوم الخميس مسجد اللد الكبير وأطلقوا الرصاص الحي على المصلين، وأعاد هذا إلى الأذهان ذكرى مجزرة "مسجد دهمش" في اللد خلال النكبة، والتي راح ضحيتها المئات من أهلها. وأعلن الاحتلال الإسرائيلي فرض حالة الطوارئ بالمدينة وحظر التجول في ساعات الليل، واستقدم وحدات من الجيش لقمع الاحتجاجات العربية الفلسطينية.

وقالت شحادة إن نحو 500 مستوطن دخلوا اللد للمشاركة في قمع احتجاجات أبناء المدينة، ومهاجمة منازلهم، في محاولة لتخويف الأهالي ودفعهم للهرب من مدينتهم، وأضافت "ليس لدينا مكان آخر غير مدينتنا".

وترى شحادة أن الأحداث في اللد لم تندلع فجأة، بل جات نتيجة تراكم السياسات القمعية الإسرائيلية وحملة تحريض يقودها رئيس البلدية يائير رفيفو بتصريحاته العنصرية ضد العرب، وآخرها المطالبة بوقف الأذان "بسبب انزعاج المستوطنين".

ويعيش في اللد 30 ألف فلسطيني مقابل أكثر من خمسين ألف إسرائيلي، منهم 70 عائلة جلبتهم الحكومة الإسرائيلية قبل 10 سنوات وأسكنتهم البلدة القديمة في المدينة بهدف تعزيز تهويدها والاستيطان فيها، وشكلوا بذلك بؤرة تهديد حقيقة ضد الأهالي الأصليين.

وتضيف شحادة أن العنف والجريمة استشرتا في اللد منذ 10 سنوات على الأقل، دون أن تتدخل الشرطة بحل جذري لسحب السلاح، رغم أن بعض الجرائم وقعت أمامها، لكن ما أصبح فارقا الآن "أن هذا السلاح صار موجها ضد اليهود أيضا".

أقدم مدن فلسطين

وتعتبر اللد من أكبر وأقدم مدن فلسطين التاريخية، وتبعد 38 كلم شمال غرب مدينة القدس، ويعود تأسيسها إلى الألف الخامسة قبل الميلاد على يد الكنعانيين، وكان لهذه المدينة أهمية كبيرة بسبب وقوعها على الطريق الرئيسي وخط سكة الحديد بين يافا والقدس.

وصارت اللد حاليا رمزا لرفض محاولات إسرائيل منذ النكبة محو هوية الفلسطينيين في الداخل، وتهميشهم تمهيدا لتطهيرهم عرقيا وإنهاء وجودهم، خاصة فيما يُعرف بالمدن المختلطة.

ويقول ابن المدينة المحامي خالد زبارقة إن إسرائيل تخيلت أن المجتمع العربي في اللد والأراضي المحتلة عام 1948، قد تفكك وانتهى وأصبح جاهزا لمخطط "يهودية الدولة" الذي يكرّس الفوقية اليهودية مقابل الدونية العربية.

ويضيف زبارقة أن الإسرائيليين "أرادوا من خلال إرهاب المستوطنين إخضاع العرب ونشر الخوف والرعب بواسطة القتل وحرق الممتلكات وإطلاق النار، لكنهم واجهوا صلابة غير متوقعة من قبل أبناء اللد والبلدات العربية عامة".

ويعتقد زبارقة -مثل كثير من الفلسطينيين- أن التركيبة النفسية لدى أهالي اللد مختلفة عن باقي المناطق، فهي تجمع الصلابة والتحدي ورفض القبول بالأمر الواقع الذي يحاول الاحتلال فرضه، ويضيف: " نقول لمن هجّروا من فلسطين في النكبة، إن ما حدث عام 1948 لن يتكرر مرة أخرى، نحن تعلمنا الدرس، إما أن نعيش على أرضنا بانتظار عودة اللاجئين في الشتات وإما أن ندفن فيها شهداء".

مستوطنون يهاجمون السكان الفلسطينيين في الخليل
المستوطنون هاجموا السكان الفلسطينيين في الداخل تحت حماية الجيش (الجزيرة)

مشروع المستوطنين

من جهته يقول عضو الكنيست سامي أبو شحادة للجزيرة نت "نحن نتحدث عن عشرات السنوات من العنصرية والاضطهاد في الداخل بكل مجالات الحياة".

ويعتقد أبو شحادة أن هجمات المستوطنين المنظمة على اللد هي جزء من مشروع المستوطنين القاطنين في ما يُعرف بالمدن المختلطة التي يعيش فيها عرب ويهود، وهي مدن اللد والرملة وحيفا ويافا وعكا. ويستهدف هذا المشروع محو الوجود الفلسطيني وإحلال اليهود محله، ولذا تنشط مجموعات المستوطنين في ترهيب العرب باللد وهذه المدن خاصة.

ويضيف أن المجموعات التي يجري استقدامها بشكل منظّم تُقدم لها المعلومات والخرائط وعناوين مساكن العرب وممتلكاتهم لتسهيل مهاجمتها، مؤكدا أن بلدية اللد الإسرائيلية تحولت إلى ثكنة عسكرية للمستوطنين القادمين من خارج المدينة، ومقرا تنطلق منه هجماتهم على الفلسطينيين.

ورغم سياسات  تقييد الوجود العربي في اللد وفي عكا، فقد ظلت نسبة الفلسطينيين تقارب 30% من السكان، ومعظمهم من الفتية والشباب الذين من المتوقع تضاعف أعدادهم في السنوات القادمة بما يشكل تهديدا للاستيطان اليهودي، كما قال أبو شحادة.

ويقول أبو شحادة إن إسرائيل تتعامل مع العرب في اللد باعتبارهم خطرا إستراتيجيا، لذا كثفت محاولاتها تهويد هذه المناطق خاصة، ومن ضمنها تجنيد المستوطنين وتكثيف وجودهم مقابل اضطهاد العائلات العربية وهدم منازلها.

ويعتقد أبو شحادة أن ما يجري في الشيخ جراح والقدس وغزة وارتداداته في المدن والبلدات العربية في الداخل الفلسطيني، فتح ملف فلسطينيي 48 الذي تحاول إسرائيل دائما إبقاءه مغلقا، ولذلك تمت مواجهة احتجاجات اللد بموجة تحريض وقمع أعادت الصراع إلى أصله: "صراع وجود بين العرب واليهود".

المصدر : الجزيرة