اغتيالات ودعوات لمقاطعة الانتخابات.. هل تتجدد الاحتجاجات الشعبية في العراق؟

عمليات القتل والاستهداف تتكرر مع قرب أي استحقاق انتخابي

Iraqi electoral commission prepares biometrical voter IDs
عدة كيانات للمحتجين أعلنت انسحابها من الانتخابات (رويترز)

بات تصاعد عمليات اغتيال ناشطين أو صحفيين أو رؤساء قوائم انتخابية مشهدا مألوفا لدى العراقيين، فمع قرب أي استحقاق انتخابي، تسبق الدعاية سلسلة عمليات قتل واستهداف بدوافع سياسية وحزبية تارة، وبدوافع تنافس مناطقي تارة أخرى.

فمنذ انتخابات 2006 شهد العراق أول موجة اغتيالات طالت العديد من الصحفيين وأصحاب الرأي فضلا عن مرشحين، لا سيما في مناطق كانت توصف بالساخنة، وبعد مضي 4 سنوات حملت انتخابات 2010 سلسلة الاغتيالات ذاتها؛ لكن هذه المرة وجهت ضد شخصيات اجتماعية، إذ كانت هذه العمليات تحمل بصمات جماعات مسلحة، نُفِّذت لأهداف تبدو سياسية، كما سجلت عام 2014 أيضا جرائم على صلة واضحة بالانتخابات.

ومع اقتراب وقت الاقتراع المبكر في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، تعيش المناطق العراقية سلسلة من الحرائق طالت مستشفيات ومؤسسات رسمية وتجارية، إضافة إلى عمليات اغتيال ناشطين في الحراك الاحتجاجي، كان آخرها مقتل إيهاب الوزني برصاصات مجهولة المصدر في محافظة كربلاء (جنوب بغداد)، وسرعان ما كان موقف الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي واضحا في ملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة وحماية الناشطين المدنيين، وكان لافتا موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي أشار إلى وجود جهات مجهولة تفتعل أزمات داخلية كلما اقترب موعد الانتخابات.

عمر فاروق / ناشط مدني و سياسي
فاروق يرى أن جهات متضررة من صعود جيل سياسي جديد تقف وراء عمليات الاغتيال (الجزيرة)

انسحاب مبكر

وهذا ما دفع ناشطين في الحراك الاحتجاجي ممن شكلوا أحزابا لخوض الاقتراع، إلى الانسحاب من السباق الانتخابي مبكرا، وبهذا الصدد يقول الناشط المدني والسياسي عمر فاروق للجزيرة نت، إن جهات متضررة من صعود جيل سياسي جديد لا يؤمن بالمعادلة التقليدية في إدارة الدولة هي من ينفذ عمليات الاغتيال.

ويؤكد فاروق أن الانسحاب من سباق الاقتراع وإطلاق دعوات مقاطعة الانتخابات جاء ردا على اغتيال الوزني خصوصا أن مطالبات الشباب المتظاهر في مقاطعة الانتخابات لا تشمل عملية الاقتراع فقط؛ وإنما تشمل الكيانات السياسية كافة، لأنه لا يمكن الإيمان بانتخابات نزيهة في ظل ممارسة قمع الناشطين ومواصلة عمليات القتل.

وإلى حد كبير يتقاطع رأي "ائتلاف النصر" بزعامة حيدر العبادي مع فكرة مقاطعة الانتخابات، التي يتبناها بعض المتظاهرين، صحيح أنه يرى في تصاعد عمليات الاغتيال تطورا خطيرا في سير العملية الديمقراطية؛ لكنه يعتبر محاولات مقاطعة الاقتراع ما هي إلا خدمة يقدمها المقاطعون للأحزاب التقليدية، كما تقول المتحدثة باسم الائتلاف آيات مظفر للجزيرة نت.

وتشير مظفر إلى أن الإصرار على دفع الناخب إلى مقاطعة الاقتراع وزج اليأس في نفوس المواطنين إنما هو محاولات لإبقاء وضع العراق الداخلي كما هو؛ لأن المستفيد من تأجيل الانتخابات قوى اللادولة وأعداء الديمقراطية والعصابات المنظمة "وفق تعبيرها"، وهذه الأطراف تخشى من نتائج الانتخابات المقبلة، وما ستفرزه من معادلة تغليب الدولة ولغة القانون.

المتحدثة باسم ائتلاف النصر آيات مظفر
مظفر: المستفيد من تأجيل الانتخابات قوى اللادولة وأعداء الديمقراطية والعصابات المنظمة (مواقع التواصل)

عودة الاحتجاجات

وسجلت مفوضية حقوق الإنسان في العراق 81 محاولة اغتيال قُتل فيها 34 ناشطا، ومن بين 81 عملية اغتيال رُصدَ منها تنفيذ 25 محاولة في عهد حكومة الكاظمي، راح ضحيتها 10 ناشطين على الأقل. وهذه الأرقام دفعت فريقا سياسيا إلى التكهن بزيادة الاغتيالات خلال الأيام المقبلة، خصوصا مع إصرار بعض الناشطين للتوجه بالمشاركة الفعالة في الانتخابات المبكرة المقبلة.

وأطلقت مظفر في حديثها للجزيرة نت تحذيرا للحكومة العراقية من استمرار الاغتيالات بدون رادع، وأكدت أن ذلك سيفقد ثقة الناس بالحكومة والعملية الانتخابية، لا سيما أن الأمن والانتخابات فيهما علاقة متبادلة كون ظرف العملية الانتخابية المقبلة يسبب قلقا للأحزاب التقليدية، التي تمتلك جمهورا ثابتا؛ مما يدفعها إلى محاولة الترويج لمقاطعة الانتخابات خشية فقدان قاعدتها الجماهيرية.
لكن الناشط عمر فاروق يرى أن تصاعد الاغتيالات تجاه الناشطين ينذر بعودة الاحتجاجات ضد الحكومة من جديدة، وسيكون نطاقها الجغرافي أوسع من المظاهرات السابقة؛ لأن المتظاهرين سيواجهون منظومة سياسية كاملة وليس الحكومة فقط.

صفاء الموسوي / عضو سابق في مفوضية الانتخابات
الموسوي: تعليمات المفوضية تمنع انسحاب أي حزب وتحالف من عملية الاقتراع (الجزيرة)

موعد نهائي

وقررت 4 تيارات منبثقة من ساحات الاحتجاج، وهي "الوعد العراقي" و"البيت الوطني" و"حركة نازل آخذ حقي الديمقراطية" و"البيت العراقي" الانسحاب مبكرا من خوض الانتخابات؛ بسبب غياب البيئة الآمنة، التي تُفقد الاقتراع نزاهته، وفق وصف تلك الكيانات.

لكن مفوضية الانتخابات سرعان ما ردت على تلك الكيانات المنسحبة بالنفي، واعتبرت أن الانسحاب غير صحيح؛ كونها لم تتسلم أي طلب رسمي بشأن ذلك، وهو ما يؤكده الخبير في الشؤون الانتخابية وعضو مفوضية الانتخابات السابق صفاء الموسوي للجزيرة نت بأن تعليمات المفوضية منعت انسحاب أي حزب وتحالف من عملية الاقتراع كون الأحزاب التي ستتنافس جميعها حاصلة على إجازات التأسيس.

ولفت الموسوي إلى أن الانسحاب من السباق الانتخابي مباح في حال لم يكتب الحزب أو التيار إجازة التأسيس من المفوضية، وبخلاف ذلك يكون الكلام إعلاميا فقط.
وإن إصرار قوى الاحتجاجات على مقاطعة الانتخابات قد يضعف مصداقية الانتخابات المبكرة، التي جاءت أصلا كأحد مطالب المتظاهرين شرط توفر البيئة الآمنة والسليمة لإجرائها، ويقابل ذلك إصرار آخر من الحكومة العراقية يتعلق بتنظيم الانتخابات في موعدها المحدد.

ووفق مصدر مقرب من الكاظمي، فإن الحكومة عازمة على إجراء الانتخابات المبكرة في موعدها المحدد بدون تردد؛ لكنه أشار إلى أن بعض القوى السياسية لا تريد المضي بهذا الخيار خشية فقدان رصيدها الانتخابي.

وعلل المصدر المقرب من الكاظمي للجزيرة نت أسباب إصرار الحكومة على إجراء الانتخابات، بأن تنظيم الاقتراع سيثبت حسن نية الفريق الوزاري ورئيسه تجاه الخروج من الأزمات الراهنة التي تعصف بالعراق، مؤكدا أن ذلك أوقع قوى سياسية كثيرة في حرج أمام قواعدها الجماهيرية؛ لكن الأطراف المتضررة تريد استثمار أي خرق يحصل لصالحها في محاولة منها للالتفاف على موعد الانتخابات المبكرة.

لكن سيناريو التأجيل يبقى واردا إذا ما اتجه العراق نحو أزمات أشد من التي يمر بها، وهو ما أشار إليه الموسوي في حديثه، قائلا إن تأزم الوضع السياسي ورد فعل الشارع تجاه أي أزمة حادة قد يدفع المفوضية إلى تأجيل الانتخابات. ويؤكد أن تصاعد الاغتيالات وغيرها من الظروف العصيبة تصنف كظروف قاهرة وغير مستقرة؛ مما يجعل تأجيل الاقتراع أمرا واردا.

المصدر : الجزيرة

إعلان