"لن أقبل بمحاكم تصفية الحسابات".. هل حسم الرئيس التونسي مصير المحكمة الدستورية؟

لن أقبل بمحاكم تصفية الحسابات..هل حسم الرئيس التونسي أمر المحكمة الدستورية؟ تقرير متفق عليه
لأول مرة يستعمل الرئيس التونسي حق النقض الذي منحه له دستور ما بعد الثورة (الجزيرة)

تتصاعد في تونس معركة إرساء المحكمة الدستورية بين البرلمان ورئيس الجمهورية، قيس سعيّد، بعد رفضه المصادقة على مشروع قانونها المنقح، وتأكيده على انقضاء الآجال الدستورية لتشكيلها، وبأنه لن يقبل "محكمة على المقاس".

ولأول مرة، استعمل الرئيس التونسي حق النقض، الذي منحه له دستور ما بعد الثورة، ليمتنع بموجبه عن ختم مشروع قانون تنقيح المحكمة الدستورية، الذي صادق عليه البرلمان بالإجماع، ويضع الجميع أمام أعنف أزمة قانونية وسياسية، وفق خبراء.

وقال سعيد في خطاب شديد اللهجة خلال إحيائه الذكرى 31 لوفاة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بمدينة المنستير الساحلية، إنه "لن يقبل أبدا بمحكمة لتصفية الحسابات"، محملا البرلمان والأحزاب مسؤولية تأخير إرسائها بعد فوات الآجال الدستورية.

وينص الدستور التونسي على ضرورة تشكيل المحكمة الدستورية في أجل أقصاه سنة من موعد الانتخابات التشريعية، التي عقدت في 2014، غير أن الكتل البرلمانية لم تتمكن من انتخاب سوى عضو واحد في مارس/آذار 2018، من بين 4 أعضاء في المحكمة ينتخبهم البرلمان من جملة 12 عضوا.

حديث عن حسابات سياسية

واعتبر الرئيس التونسي أن هدف البرلمان اليوم من خلال تنقيح قانون المحكمة الدستورية هو إرساؤها على المقاس؛ لتصفية ما وصفها بحساباتهم السياسية، مشددا على أنه أقسم على احترام نص الدستور في هذا الخصوص.

وقال "هم خرقوا الدستور، فلماذا يريدون جري إلى خرق الدستور مثلهم؟ بعد أكثر من 5 سنوات تذكروا أن هناك محكمة دستورية، الدستور مكنني من أن أعترض حتى لأسباب سياسية على نص قانوني".

وينص الفصل 118 من الدستور التونسي على أنّ "المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة، تتكون من 12 عضوا من ذوي الكفاءة، 3 أرباعهم من المختصين في القانون، الذين لا تقل خبرتهم عن 20 سنة".

كما ينص الفصل على أنه "يعيّن كل من رئيس الجمهورية، ومجلس نواب الشعب، والمجلس الأعلى للقضاء، 4 أعضاء، على أن يكون 3 أرباعهم من المختصين في القانون، ويكون التعيين لفترة واحدة مدّتها 9 سنوات".

ومن أبرز الصلاحيات الموكلة للمحكمة الدستورية مراقبة دستورية القوانين، ومشاريع القوانين والمعاهدات، ومنها ما يتعلق بفض النزاعات بين رأسي السلطة التنفيذية، فضلا عن تخصصها في إعفاء رئيس الجمهورية بحال الخرق الجسيم للدستور.

ويأتي حسم الرئيس التونسي موقفه من ختم القانون المتعلق بتركيز المحكمة الدستورية، قبل أيام من انعقاد جلسة عامة في البرلمان لاستكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية.

احتكار تأويل الدستور

وكانت قيادات حزبية قريبة من الرئيس سعيّد قد اعتبرت أن سعي الكتل البرلمانية -خاصة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة- للتسريع في إرساء المحكمة الدستورية في هذا التوقيت هدفه عزل الرئيس، والحيلولة دون احتكاره تأويل الدستور.

وفي هذا الخصوص، قال النائب عن حركة الشعب، عبد الرزاق عويدات، للجزيرة نت إن المحكمة الدستورية تظل مطلبا ضروريا لإرساء حياة ديمقراطية، وتوازن بين السلطات، وقراءة محايدة للدستور، بعيدا عن موقف الرئيس منها.

ولفت بالمقابل إلى أن الأحزاب والكتل، التي أظهرت حرصا غير مسبوق على إرساء المحكمة، استشعرت الخطر الذي يمثله عليها رئيس الجمهورية باعتباره المؤول الوحيد للدستور في ظل غياب المحكمة؛ مما جعلها تبحث عن حلول لعزله سياسيا.

وأقر عويدات بأن بعض الكتل توفرت لديها سابقا فرصة إرساء المحكمة الدستورية؛ لكن الحسابات السياسية الضيقة والرغبة في السيطرة على هذه الهيئة القضائية المستقلة بعثرت حساباتهم، وعطلت إرساءها في موعدها القانوني.

وفي تعليقه على تصريحات رئيس الجمهورية، يرى الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، فتحي العيادي، عدم وجود أحد مؤهل للوقوف على الربوة، وتحميل مسؤولية تأخير إرساء المحكمة الدستورية للأحزاب، باستثناء الشعب التونسي.

وشدد في تصريح للجزيرة نت على أن إرساء هذا الجهاز القضائي واجب على الجميع.

وقال العيادي "اتضح لي أن الخشية الأساسية للرئيس من إنشاء المحكمة الدستورية هي سحب سلطة تأويل الدستور من يديه، بالتالي هو يريد أن يكون القاضي الدستوري الوحيد".

واتهم العيادي أطرافا لم يسمِّها بالسعي لإذكاء الصراع السياسي بين البرلمان ورئيس الجمهورية عبر ادعائها أن حرص الكتل على إرساء المحكمة الدستورية هدفه عزل الرئيس، وهو أمر غير مطروح بتاتا، وفق قوله.

وخلص النائب عن حركة النهضة إلى أن موقف الرئيس بات واضحا كونه لا يرغب في إرساء المحكمة الدستورية، مؤكدا بالمقابل أن ذلك سيكون حافزا للبرلمان لتحمل مسؤولياته في انتخاب الأعضاء الثلاثة الآخرين بأغلبية معززة؛ لتصبح بعدها المسؤولية في يد الرئيس والمجلس الأعلى للقضاء لاستكمال أعضائها.

استكمال أعضاء المحكمة الدستورية

من جانبه، أكد رئيس المكتب السياسي لحزب قلب تونس، عياض اللومي، أن كتلته في البرلمان ستسعى جاهدة لإيجاد توافقات مع الكتل، لاستكمال مسار بناء المحكمة الدستورية.

واتهم اللومي في حديثه للجزيرة نت رئيس الجمهورية بخرق الدستور في ظل غياب المحكمة الدستورية.

وقال في هذا الإطار "من الواضح أن قيس سعيد بات حجر عثرة في طريق التجربة الديمقراطية، والأخطر أنه انتقل من مرحلة الانحراف عن الدستور إلى نكرانه، وعليه تحمل مسؤوليته السياسية".

وشدد اللومي على أن عملية استكمال المحكمة الدستورية من شأنها أن تطيح برغبة رئيس الجمهورية في تجميع السلطات بيده، مستعينا في مسعاه بمن أسماهم "خبراء البلاط".

المصدر : الجزيرة

إعلان