حياد أم مصالح.. إحباط مصري من دور الإمارات في سد النهضة

ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد (يسار) مع رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد (مواقع التواصل الاجتماعي)

رغم تداعي الوسطاء من كل حدب وصوب لمحاولة حل أزمة سد النهضة الإثيوبي، التي بدا في الأيام الماضية أنها توشك على الانفجار؛ إلا أن كل المحاولات فشلت حتى الآن، فيما يتساءل البعض عن غياب الوساطة الإماراتية لما تملكه أبوظبي من علاقات قوية مع كل من القاهرة وأديس أبابا.

واستبعد مصدر حكومي لاحقا أن تقبل مصر بالوساطة الإماراتية، وقال إن "أبوظبي لم تدعم مصر في مسألة السد الإثيوبي، رغم قدرتها على ذلك"، مشيرا إلى "أن الإمارات لديها أفكار ومصالح في منطقة البحر الأحمر، وهذا أمر مختلف عن دعم مصر"، وفقا لموقع "مدى مصر" الإخباري، الذي لم يكشف عن هوية المصدر الحكومي.

يأتي ذلك فيما تتواصل في كينشاسا أول محادثات مباشرة منذ أشهر بين وزراء الخارجية والري في إثيوبيا ومصر والسودان، تحت رعاية الاتحاد الأفريقي الذي ترأس دورته الحالية الكونغو الديمقراطية، في ظل تهديد مصري ورفض سوداني وإصرار إثيوبي.

وأمس الأحد، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إن اجتماع كينشاسا "فرصة أخيرة للتوصل إلى اتفاق لتعبئة وتشغيل سد النهضة قبل موسم الفيضان".

وكان المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، قال في وقت سابق إن بلاده أبلغت المبعوث الأميركي للسودان، دونالد بوث، بأنها ستمضي قدما في عملية الملء الثاني لسد النهضة والمتوقع أن يتم في يوليو/تموز المقبل.

تحت مظلة إسرائيل

في هذا الإطار، قال باحث وكاتب خليجي إن "الإمارات تتصرف وفق منظورها الخاص لمستقبل المنطقة، الذي تريد أن تلعب فيه دورا أكبر من دور أي بلد آخر، تحت مظلة الاستثمارات والعلاقات وبدعم قوي من إسرائيل".

وأضاف الباحث، الذي فضل عدم ذكر اسمه، للجزيرة نت، أن الإمارات تربطها علاقات قوية جدا مع إثيوبيا، ولها استثمارات هناك بمليارات الدولارات، ويعنيها في المقام الأول مد وبسط هيمنتها على مضائق المنطقة في جنوب البحر الأحمر، والقرن الأفريقي، وبالتالي التحكم في مياه أعالي نهر النيل".

وتصاعدت أزمة سد النهضة مؤخرا في أعقاب تهديدات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام، برد لا يمكن تخيله في حال تأثرت إمدادات مصر من المياه.

واختتمت الأحد مناورات عسكرية باسم "نسور النيل-2" بين القوات الجوية السودانية والمصرية في مدينة مرَوي (شمالي السودان)، بحضور رئيس هيئة الأركان السودانية، ورئيس أركان حرب الجيش المصري، وعدد من قادة جيشي البلدين.

وبعد تصعيد السيسي لغة التهديد تجاه أزمة المياه، أعلنت دول عربية دعمها لمصر وأمنها المائي، واعتبرت أن "أمن مصر والسودان المائي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي"، بينما دعت الإمارات إلى "استمرار الحوار الدبلوماسي البناء والمفاوضات المثمرة لتجاوز أية خلافات".

وفي نهاية الشهر الماضي، أعلنت الحكومة السودانية موافقتها على مبادرة من الإمارات للتوسط بينها وبين إثيوبيا لحل خلافاتهما الحدودية ومشكلة سد النهضة الإثيوبي، فيما لم يصدر عن مصر أي إشارة أو بيان بهذا الخصوص.

مساعدات إماراتية

وفي اليوم التالي من تصريحات السيسي، أرسلت الإمارات مساعدات إنسانية إلى إقليم "تيغراي" الإثيوبي، تتضمن 46 طنا من المواد الغذائية والمستلزمات الصحية، ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية عن سفير الإمارات لدى إثيوبيا، أن "هذه المساعدات تأتي في إطار توجيهات قيادة الدولة، بتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية للشعوب الشقيقة والصديقة".

وأثارت صورة المساعدات الإماراتية غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، واعتبرها بعضهم رسالة سلبية واستفزازية للمصريين.

وكان الكاتب المصري، مصطفى الفقي، القريب من السلطات، قد ألقى باللوم على دول خليجية لم يسمها تستثمر بقوة في إثيوبيا، وقال في تصريحات متلفزة منتصف العام الماضي إن "بعض العرب تهاونوا في الضغط على إثيوبيا في هذا الموضوع، ولو أوقفوا استثماراتهم وقالوا إن محاولة خنق مصر مرفوضة، لكانت إثيوبيا قد انتبهت؛ لكن لم يفعل ذلك أحد".

موقف دون المستوى

في هذا السياق، يقول السفير عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق، إن موقف الإمارات لم يكن عند المستوى المأمول، وخالف توقعات الكثيرين، الذين كانوا يأملون في موقف أكثر وضوحا.

وأضاف الأشعل للجزيرة نت أن أبوظبي لا تدعم مصر في مسألة سد النهضة على حساب إثيوبيا لعدة اعتبارات، من بينها وجود استثمارات إمارتية سواء في السد أو في مجالات أخرى، إضافة إلى دعم حكومة آبي أحمد، وبدا ذلك واضحا منذ 2018.

وأوضح الأشعل أنه كان ينبغي أن تدعم الإمارات موقف مصر في قضية مثل قضية المياه التي تعد حياة أو موت للمصريين؛ لكنها أحبطتنا.

إضعاف مصر

بدوره، يقول رئيس الحزب الشعبي الديمقراطي المعارض في الخارج أحمد حسن الشرقاوي "على عكس كثيرين يرون أن الموقف الإماراتي الباهت يأتي بسبب أطماعها في موانئ البحر الأحمر وعلاقاتها القوية مع إثيوبيا؛ لكننا في الحزب نرى أن رهانات أبو ظبي منذ سنوات تتركز على إضعاف مصر منذ فترة طويلة حتى أيام مبارك".

وفي حديثه للجزيرة نت، قال الشرقاوي إنه عندما تحمست حكومة رئيس الوزراء المصري الراحل كمال الجنزوري،  لتدشين مشروع تنمية خليج السويس، وتم الاتفاق مع الصين على تنفيذ المشروع، اعتبره الإماراتيون تهديدا لمشروع جبل علي، وتم القضاء على المشروع وطرد الصينيين بعد زيارة حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم للقاهرة.

توظيف إماراتي

على الجانب السوداني، قال المحلل السياسي والكاتب الصحفي الدكتور ياسر محجوب الحسين للجزيرة نت "أعتقد أن موقف الإمارات من سد النهضة ومن كافة القضايا الأفريقية مرتبط بإستراتيجية إسرائيل وأطماعها في القارة"، مشيرا إلى أن "هناك قناعة كبيرة بأن إسرائيل تُوظّف الإمارات كأداة دبلوماسية لها في القارّة، مستغلة قدرة أبوظبي على توظيف نفوذها الاقتصادي".

وفيما يتعلق بقضية المضائق، أضاف الحسين أن رغبة الإمارات في السيطرة على المضائق الإستراتيجية مثل باب المندب، والمشاركة في قناة بن غوريون في إسرائيل، ومنابع المياه بأعالي النيل، تؤكد كل ذلك، وقبل ذلك دخولها إلى جيبوتي عام 2004 تحت ستار الاقتصاد والاستثمار في الموانئ.

وبشأن وساطة الإمارات في أزمة سد النهضة التي لم تر النور، أعرب الحسين عن اعتقاده بأن القاهرة مستاءة على ما يبدو من موقف أبوظبي بشأن أزمة السد؛ بل إن الوساطة الإماراتية بشأن قضية الحدود بين السودان وإثيوبيا، تثير الريبة والشك لدى مصر باعتبار أن المقصود منها هو شراء موقف سوداني من السد لصالح الموقف الإثيوبي.

المصدر : الجزيرة

إعلان