رئيس لكل الأميركيين.. تشكيك بوفاء بايدن بأهم وعوده بعد 100 يوم من حكمه
مع توليه السلطة وعد الرئيس الأميركي بايدن أن يكون رئيسا لكل الأميركيين، إلا أن قراراته وتشريعاته لا توحي أنه منفتح على الساسة الجمهوريين

خلال خطاب تنصيبه، تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن أن يكون رئيسا لكل الأميركيين، لكن نظرة تحليلية لأجندته التشريعية الطموحة، وكيف تم التعامل معها في الكونغرس خاصة من جانب الجمهوريين، إضافة إلى طبيعة التعيينات في المناصب العليا في إدارته، تشير لتجاهل بايدن الكبير للجمهوريين حتى الآن.
تعهد مبكر بالوحدة
"هذا هو يوم أميركا.. هذا هو يوم الديمقراطية، لقد تم اختبار أميركا من جديد وارتفعت إلى مستوى التحدي"… "بالوحدة يمكننا أن نفعل أشياء عظيمة معا، أشياء مهمة، ويمكننا تصحيح الأخطاء"… "سنجعل من أميركا، مرة أخرى، القوة الرائدة للخير في العالم".
اقرأ أيضا
list of 3 itemsجو مانشين.. تعرف إلى سيرة السيناتور الديمقراطي غير التقليدي
بعد انتقادات واسعة في صفوف الديمقراطيين.. بايدن يتراجع عن الإبقاء على "سقف ترامب" لأعداد اللاجئين
بهذه العبارات، وأخرى مثلها، حاول الرئيس الأميركي جو بايدن خلال الـ100 يوم الأولى له في الحكم أن يمد يديه لجمهوريي الكونغرس، في وقت تعاني فيه البلاد انقسامات سياسية عميقة كان من ملامحها اقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب لمبنى الكابيتول يوم 6 يناير/كانون الثاني الماضي، ورفض أغلبية الجمهوريين نتائج انتخابات 2020.
وقد نجم عن هذه الانتخابات الرئاسية الأخيرة انقسام واستقطاب كبير عقب فوز بايدن بأصوات 81.4 مليون ناخب (51.4%) مقابل 74.2 مليونا لصالح ترامب (47%).
واعتبر بعض المراقبين أن دعوات بايدن تصطدم بمعارضة جمهورية ما تزال تصطف إلى جانب الرئيس ترامب، واستمرار سيطرته على الحزب، وكذلك معارضة ديمقراطية يمثلها الجناح اليساري التقدمي بالحزب.

الخروج على تقليد رئاسي
لم يختر الرئيس بايدن حتى الآن أي جمهوري واحد ضمن فريق إدارته، على الرغم من تعهده خلال الحملة الانتخابية باستعادة الوحدة بين فئات الشعب المختلفة، وأن يكون رئيسا لكل الأميركيين.
وقطع بايدن تقليدا اتبعه أغلب الرؤساء السابقين في ترشيح ساسة من الحزب المنافس للانضمام للإدارة الحاكمة، وشغل إحدى الوظائف العليا في الإدارة.
وقد عين الرئيس السابق دونالد ترامب اثنين من الديمقراطيين هما غاري كوهين وبيتر نافارو على رأس فريقه الاقتصادي، كما عين ترامب صديقه الديمقراطي ستيفن منوتشين، وزيرا للخزانة. وجاء تعيين منوتشين في عام 2017 بعد أشهر فقط من تبرعه المالي لحملة كامالا هاريس في ترشحها لمقعد عن ولاية كاليفورنيا في مجلس الشيوخ.
كما كان للرئيسين السابقين الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري جورج دبليو بوش، عضو أو أكثر ضمن فريقهما الوزاري.
ويتناقض إحجام الرئيس بايدن عن ضم أي جمهوري لإدارته بصورة صارخة مع تعليقاته خلال الحملة الانتخابية أو خلال خطاب تنصيبه في العشرين من يناير/كانون الثاني الماضي.
وقال بايدن في خطاب التنصيب "على الرغم من أنني ديمقراطي، سأكون رئيسا أميركيا، وسأعمل بجد من أجل أولئك الذين لم يدعموني.. هذه هي مهمة الرئيس، تمثيلنا جميعا، وليس فقط قاعدتنا أو حزبنا". وبدلا من اختيار جمهوريين ضمن إدارته، شملت إدارة بايدن الكثير من الرموز اليسارية الليبرالية والتي لا تلقى أي دعم بين الجمهوريين.
وعلى سبيل المثال، اعترض الجمهوريون بشدة على اختيار كريستين كلارك لقيادة قسم الحقوق المدنية في وزارة العدل. وفي جلسة تثبيتها للمنصب في مجلس الشيوخ، تراجعت السيدة كلارك عن دعمها السابق لحركة إلغاء تمويل الشرطة، لكنها لم تقنع الجمهوريين بأنها ليست مناهضة للشرطة.
كما مثل اختيار بايدن لنيرا تاندن، وهي ناشطة ديمقراطية وليبرالية أخرى، لإدارة مكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض، معارضة الجمهوريين الحادة بسبب تغريداتها المسيئة للسياسيين الجمهوريين، وهو ما اضطر معه بايدن لسحب ترشيحه لها.
تشريعات دون صوت جمهوري
اعترض قادة الحزب الجمهوري على خطط بايدن لإنعاش الاقتصاد الأميركي وانتشاله من حالة الركود التي تسبب فيها انتشار وتداعيات فيروس "كوفيد-19″، والتي بلغت قيمتها 1.9 تريليون دولار، واعترضوا كذلك على طرحه لإصلاح منظومة البنية التحتية المتهالكة والتي تقدر بتريليوني دولار.
ولم تسفر المفاوضات التي أجراها بايدن مع قادة الجمهوريين في الكونغرس إلى أي تقدم، وأقر قانون الدعم الاقتصادي دون موافقة أي أعضاء جمهوريين عليه. ولم يشهد التصويت في مجلسي الكونغرس أي نمط يتخطى الانتماء الحزبي إلا في حالة تشريع ضد جرائم الكراهية التي يتعرض لها الأميركيون من أصول آسيوية.
ويعكس نمط التصويت الصارم على خطط الحزب، والتفوق العددي الضعيف الذي يتمتع به الديمقراطيون في الكونغرس، فشلا من جانب بايدن في إقناع أي جمهوريين بأجندته التي يعتبرونها تتجاهل مصالحهم. ويطرح المعلقون السياسيون في واشنطن سؤالا يتعلق بإستراتيجية بايدن التي يتجاهل معها الجمهوريين، وإذا ما كانت تعبر عن إستراتيجية محسوبة ومقصودة من جانبه.
ويملك بايدن الكثير من الأصدقاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ الذي خدم فيه 30 عاما. ودفع ذلك بالسيناتورة الجمهورية سوزان كولين للقول "تلقيت 4 مكالمات من الرئيس بايدن منذ انتخابه، ونحن نعود إلى الوراء بهذا الاستقطاب الحاد، أريده أن يكون ناجحا، وأفضل طريقة لنجاحه هي مقاومة الجاذبية إلى تيار اليسار بالحزب الديمقراطي".

معضلة أغلبية الستين بالشيوخ
يتعرض بايدن لمعضلة في تمرير القوانين التي تتطلب فيها أغلبية 60 صوتا من أعضاء مجلس الشيوخ الـ100، ناهيك عن استخدام المشرعين الجمهوريين لطريقة التعطيل (Filibuster) في العديد من القضايا.
ولا يملك بايدن أي خيار أمام القضايا الطموحة التي يتطلب تمرير تشريعاتها 60 صوتا لتصبح قانونا، إلا أن يقنع الجمهوريين بأنه من مصلحتهم أيضا تمرير هذه التشريعات، وهو ما فشل فيه حتى الآن، ودفع ذلك ببعض الديمقراطيين إلى اقتراح تعديل بإلغاء آلية التعطيل الراسخة في عمل الكونغرس.
واعتبر السيناتور الجمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية لينزي غراهام أن محاولة الديمقراطيين إلغاء حق التعطيل يعد "أسوأ مظاهر الاستيلاء على السلطة من أجل تمرير تشريع زيادة أعداد قضاة المحكمة العليا، وإدارة رئاسة جو بايدن لا تحل المشاكل حتى الآن، هذه أكبر محاولة للاستيلاء على السلطة أراها في حياتي". واعتبر غراهام أن بايدن رجل طيب، إلا أنه يخضع لنفوذ التيار اليساري الراديكالي بالحزب.
ويبقى كذلك شبح الرئيس السابق ترامب معوقا لتعاون بعض الجمهوريين مع بايدن، كما أن زيادة نفوذ التيار اليميني الشعبوي بين الجمهوريين يرفع من كلفة التعاون مع بايدن، خاصة لهؤلاء الأعضاء ممن لهم طموحات رئاسية عام 2024 أو من يواجهون انتخابات في الكونغرس العام المقبل.
شبح تيار اليسار
لا يتفق بايدن مع توجه التيار اليساري بالحزب الديمقراطي حول العديد من القضايا، خاصة فكرة توفير تأمين صحي لجميع الأميركيين، بل يرغب من جانبه في توسيع برنامج "أوباما كير" ويوفر من خلاله بديلا حكوميا، وأن يُبكّر سن الأهلية للرعاية الطبية المجانية لكبار السن لتصبح 60 عاما بدلا من 65 عاما.
وفي بداية حكم بايدن شككت ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، النائبة التقدمية بالحزب في حديث مع شبكة "إم إس إن بي سي" (MSNBC) قائلة إنها "تتوقع معركة طويلة الأجل داخل الحزب، وإن التعيينات الوزارية ستمثل وسيلة لقياس النواة الأيديولوجية للسيد بايدن"، وهو ما يمثل إشارة لضغط التيار اليساري بالحزب على بايدن.
وتوقع الكثير من المعلقين أن يجد بايدن نفسه في ورطة بين تيار اليسار بالحزب الديمقراطي، وبين علاقته الجيدة بالجمهوريين. ويأمل الكثير من الأميركيين أن تسمح خبرة الرئيس بايدن الطويلة، والتي قضى فيها 5 عقود في العمل السياسي، في ردم وتقليل الانقسام بين الأميركيين.
وخلال السنوات الخمسين، قضى بايدن أكثر من 30 عاما في مجلس الشيوخ، وعمل مع كبار قادة الحزب الجمهوري، ومنهم السيناتور ميتش ماكونيل، الزعيم الحالي للأغلبية الجمهورية بالمجلس.
وتستدعي عدة قضايا غير حزبية عمل الحزبين معا، من مكافحة تداعيات انتشار فيروس كورونا المستمرة إلى مواجهة التردي الاقتصادي بسبب الجائحة، وصولا إلى التعامل مع برامج الرعاية الصحية والتغيرات المناخية، ناهيك عن معضلة إصلاح سلوكيات أجهزة الشرطة، وقضايا الضرائب وحقوق حمل السلاح.
وبعد ما يقرب من 100 يوم من حكمه، لم ينل بايدن أي ثناء من الجمهوريين، في حين اعتبرت النائبة كورتيز أن الرئيس بايدن قدم أداء أكثر من ممتاز خلال أيام حكمه الـ100 الأولى. وقالت كورتيز، التي ينظر لها على أنها قائد التيار اليساري بالحزب، خلال اجتماع افتراضي، إن "إدارة بايدن والرئيس بايدن تجاوزا بالتأكيد التوقعات التي كانت لدى التقدميين".