بطاقة جلب بحق نائب تونسي تثير مخاوف تطويع المحاكم العسكرية لإسكات خصوم الرئيس

أحيت بطاقة جلب أصدرها القضاء العسكري، بحق نائب في البرلمان التونسي من معارضي الرئيس قيس سعيد، مخاوف تطويع المحاكم العسكرية لتصفية الخصوم السياسيين، وقسمت الأوساط السياسية والشعبية حول مشروعية محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.
وكان النائب المستقل بالبرلمان راشد الخياري قد وجه، في فيديو عبر صفحته على فيسبوك، اتهامات غير مسبوقة لرئيس الجمهورية بالتخابر مع دول أجنبية إبان حملته الانتخابية، وتلقي أموال من الولايات المتحدة لدعم حظوظ فوزه، داعيا القضاء المدني لفتح تحقيق رسمي مؤكدا امتلاكه وثائق دامغة.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsمعركة الصلاحيات تقتحم أسوار الداخلية.. قيس سعيد: أنا القائد الأعلى للقوات العسكرية والمدنية
ووجه القضاء العسكري عدة تهم بحق النائب تصل أحكامها إلى الإعدام، منها "القيام بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء أو الاحترام الواجب لهم وانتقاد أعمال القيادة العامة أو المسؤولين عن أعمال الجيش أو الأمة بقصد الإضرار بالدفاع الوطني والتآمر على أمن الدولة الداخلي المقصود به تبديل هيئة الدولة".
ونفت سفارة الولايات المتحدة في تونس، في تغريدة عبر موقعها الرسمي على تويتر، التهم المنسوبة لها من قبل النائب، مؤكدة أنها" لم تقدم أي تمويل كان لدعم حملة الرئيس قيس سعيد الانتخابية".
وشددت في التغريدة ذاتها على احترامها الكامل "لنزاهة الديمقراطية التونسية واستقلاليتها".
في إشارة إلى التقارير الصحفية المتداولة مؤخرا، وجب التنويه أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لم تقدم أي تمويل كان لدعم حملة الرئيس قيس سعيد الانتخابية. وتؤكد الولايات المتحدة في هذا الصدد على احترامها الكامل لنزاهة الديمقراطية التونسية واستقلاليتها.
— U.S. Embassy Tunis (@usembassytunis) April 21, 2021
إجراء باطل
وفي حديثه للجزيرة نت، وصف رئيس كتلة ائتلاف الكرامة في البرلمان سيف الدين مخلوف، وأحد أعضاء فريق الدفاع عن الخياري، تعهد القضاء العسكري بالقضية وإصدار بطاقة جلب بحق النائب "بالإجراء الباطل قانونيا".
ولفت إلى أن صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة -التي يتمتع بها رئيس الجمهورية والتي استند إليها لتتبع النائب أمام القضاء العسكري بدل المحاكم المدنية- لا تعطيه الصفة العسكرية باعتباره رئيسا مدنيا منتخبا من الشعب.
وحذر مخلوف من عواقب تطويع القضاء العسكري من قبل رئيس الجمهورية لتصفية خصومه السياسيين، ومنتقديه، مشددا على أن موكله النائب الخياري متمسك بالحصانة البرلمانية ويرفض المثول أمام أنظار المحكمة العسكرية باعتباره مواطنا مدنيا.
ودشن نشطاء وسياسيون عبر شبكات التواصل وسوما تندد باستعمال القضاء العسكري ضد المدنيين، محذرين من مغبة إقحام المؤسسة العسكرية، التي ظلت لعقود محافظة على حياديتها وثقة التونسيين فيها، في معارك تصفية الحسابات بين مؤسسات الدولة السيادية.
وسبق أن وجه نجد الخلفاوي منسق الحملة الانتخابية لرئيس الجمهورية ورئيس حزب "الشعب يريد" الاتهامات ذاتها لسعيد، حيث أكد في حوار لصحيفة الصباح المحلية في 9 آذار/مارس الماضي أن "هناك دولة أجنبية دعمت حملة قيس سعيد الرئاسية خلال الدور الأول، وبأنهم كانوا شهودا على ذلك ولديهم كل الأدلة والمعطيات".
مساءلة البرلمان
وفي خطوة أثارت الجدل، وجّه رئيس البرلمان راشد الغنّوشي رسالة إلى وزير الدفاع للاستماع له بخصوص إصدار القضاء العسكري بطاقة جلب بحق النائب الخياري، وحيادية المؤسسة العسكرية.
ووصف نواب من خصوم الغنوشي دعوة البرلمان لمساءلة وزير الدفاع، في علاقة بتدخل القضاء العسكري بقضية النائب الخياري، بأنه اعتداء سافر على مسار التقاضي، في حين دعا نواب وخبراء في القانون الدستوري وزير الدفاع لعدم الاستجابة لدعوة البرلمان.
وقال النائب عن حركة الشعب عبد الرزاق عويدات للجزيرة نت إن الرسالة التي وجهها البرلمان لمساءلة وزير الدفاع تشوبها إخلالات من حيث الشكل والمضمون.
وأشار إلى أن النائب الخياري وجه اتهامات خطيرة في فيديو عبر صفحته على فيسبوك لرئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة "وعليه تحمل مسؤولية أقواله أمام القضاء العسكري".
وشدد عويدات على وجود حملة ممنهجة بهدف تشويه رئيس الجمهورية والتشكيك في نزاهته، بهدف ابتزازه، مضيفا "قيس سعيد قطع الطريق على حركة النهضة لبسط نفوذها على مفاصل الدولة، وهو ما أوجعهم وجعلهم يحاربونه بكل الوسائل".
صراع محموم
وتعيش تونس منذ أشهر على وقع صراع محموم ومعركة صلاحيات غير مسبوقة بين الرئاسات الثلاث (الجمهورية والبرلمان والحكومة) بلغت أشدها بإعلان الرئيس سعيد نفسه القائد الأعلى للقوات العسكرية والأمنية، لينازع بذلك رئيس الحكومة على أهم صلاحية تتعلق بإشرافه على وزارة الداخلية.
يشار إلى أن الأخبار التي تم تداولها في علاقة بتنازل القضاء العسكري عن تتبع النائب الخياري لفائدة النيابة العمومية (القضاء المدني) لا أساس لها من الصحة، بحسب ما أكد محسن الدالي الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس 1 للجزيرة نت.