هل يستيقظ شيطان الانقلابات في النيجر؟

شرطة مكافحة الشغب في نيامي تنزل إلى الشوارع إثر احتجاجات أعقبت الانتخابات الرئاسية التي رفض المرشح المعارض ماهاماني عثمان نتائجها (رويترز)

بعد سبات دام 10 سنوات أطل شبح الانقلابات العسكرية برأسه مرة أخرى في النيجر التي ظلت مستعمرة فرنسية لمدة 60 عاما، حتى نالت استقلالها عن فرنسا عام 1960، لكن اسمها ظل مقترنا بالانقلابات العسكرية والاغتيالات السياسية والفقر المدقع والمجاعة والتصحر، إلى جانب اليورانيوم، حيث تعد ثالث أكبر مصدر له في العالم.

والنيجر على موعد غدا الجمعة مع سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخها السياسي لتداول السلطة سلميا، حيث من المقرر أن يؤدي الرئيس المنتخب محمد بازوم (60 عاما) اليمين الدستورية رئيسا جديدا للبلاد خلفا للرئيس محمد يوسوف الذي سبق أن انتخب قبل 10 سنوات، ويغادر السلطة طوعيا بعدما شغل ولايتين رئاسيتين كل منهما 5 سنوات، وهو على عكس العديد من نظرائه الأفارقة المتمسكين بالسلطة، حيث لم يترشح لولاية ثالثة.

وقبل يومين من الحدث التاريخي الذي وصفه البعض بـ "ثورة صغيرة"، أعلنت قوات الأمن في النيجر فجر أمس الأربعاء إحباط محاولة انقلاب عسكري في القصر الرئاسي بالعاصمة نيامي، حيث "تمت استعادة النظام في ظرف ساعة تقريبا"، وقالت القوات إن العديد من الأشخاص اُعتقلوا و"يجري البحث عن آخرين على صلة بالأحداث".

وأثارت محاولة الانقلاب مخاوف من وقوع مزيد من أعمال العنف بالتزامن مع حفل تنصيب بازوم، المقرر غدا الجمعة.

وفي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي تنافس 30 مرشحا لرئاسة البلاد، وهي سابقة من حيث عدد المرشحين في تاريخ البلاد، وتصّدر محمد بازوم -مرشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي الحاكم- النتائج بحصوله على 39.33% من الأصوات، مقابل 16.99% حصل عليها أبرز منافسيه ماهاماني عثمان (71 عاما) الذي حل ثانيا.

وفي الجولة الثانية التي جرت في 21 فبراير/شباط الماضي فاز بازوم بنسبة 55% من الأصوات مقابل 44.25% لمنافسه عثمان الذي سبق أن تولى الرئاسة في الفترة الممتدة من 1993 إلى 1996 ويطمح للعودة إليها.

من المقرر أن يؤدي رئيس النيجر المنتخب محمد بازوم اليمين الدستورية غدا في حفل تنصيبه بالقصر الرئاسي في نيامي (رويترز)
من المقرر أن يؤدي محمد بازوم اليمين الدستورية في حفل تنصيبه بالقصر الرئاسي في نيامي (رويترز)

ويفسر البعض الفوز الذي حققه بازوم بالصداقة الطويلة التي جمعته بالرئيس يوسوف منذ مطلع التسعينيات، إذ شغل بازوم منصب وزير الداخلية، وكان مساعدا مقربا للرئيس المنتهية ولايته وساعِده الأيمن، ويرى بعض المراقبين أنه استفاد من أجهزة الدولة في حملته الانتخابية.

وعلى الرغم من فوزه، فإن النجاح الحقيقي للاقتراع يكمن في قبول النتائج النهائية من قبل جميع الأطراف، فعقب تقدم بازوم في الجولة الأولى نددت المعارضة بالانتخابات وطالبت بوقف فوري لإعلان النتائج.

ولا يزال ماهاماني عثمان -الذي جاء بالمركز الثاني في الاقتراع- يرفض الاعتراف بالنتائج التي أعلنتها المحكمة الدستورية في النيجر، وأشاد بها المراقبون الدوليون، كما دعا أنصاره إلى التظاهر في جميع أنحاء البلاد، وطعن في النتائج زاعما حدوث تزوير، وهو ما أدى إلى احتجاجات قصيرة ولكنها عنيفة لقي خلالها العديد من الأشخاص حتفهم، غير أن بازوم وصف الاشتباكات الدامية بأنها "مصطنعة وعابرة".

بازوم -المولود عام 1960 في بيلابرين بمنطقة ديفا جنوب شرق النيجر- ينتمي إلى أقلية عربية طارقية في البلاد، الأمر الذي استغلته بعض الشخصيات المعارضة لاتهامه بأنه من أصول "أجنبية"، وتقدمت بطلب إلى المحكمة متهمة إياه بتزوير جنسيته النيجرية، وأكدت أنها لن تعترف بفوزه بالرئاسة وستستمر في الاعتراض على نتائج الانتخابات التي وصفتها بالمزورة. وقد أثار التشهير غضب بازوم خلال الحملة الانتخابية، لكن معاونيه اعتبروا الأمر "تافها ولا يستحق"، وأشاروا إلى أن والد منافسه من تشاد.

مخاوف

تتزايد المخاوف من أن يؤدي تنصيب بازوم إلى مزيد من العنف وصراعات طائفية، واستحضار شبح الانقلابات العسكرية في النيجر، وخصوصا أن البلاد صاحبة تاريخ طويل معها منذ الاستقلال عن فرنسا، ويعود آخر "حديث انقلابي" إلى عام 2016، حين أعلنت السلطات أن 4 ضباط بالجيش اعترفوا بالتخطيط لمحاولة قلب نظام الحكم.

أما آخر انقلاب ناجح فكان في 18 فبراير/شباط عام 2010 عندما اقتحم جنود مسلحون القصر الرئاسي في نيامي بمنتصف النهار، واعتقلوا الرئيس تانجي مامادو خلال ترؤسه اجتماعا حكوميا، وبعد ذلك تم تشكيل "المجلس الأعلى لاستعادة الديمقراطية" برئاسة سالو جيبو.

وفي 9 أبريل/نيسان 1999، وقع انقلاب عسكري على الرئيس إبراهيم باري مناصرة -الذي سبق له هو الآخر القيام بانقلاب عسكري- وتم تنصيب داودا مالام وانكي رئيسا، وقتل مناصرة في ظروف غامضة.

وجاء الانقلاب على مناصرة بعد 3 سنوات من الانقلاب الذي قاده هو نفسه في 27 يناير/كانون الثاني 1996، وأطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في النيجر، وهو ماهاماني عثمان، بعد نحو 3 سنوات قضاها في السلطة، وقد اعتقل رئيس الوزراء هاما أمادو في الانقلاب وقتل عدة جنود وأفراد من حرس الرئاسة في اشتباكات.

أما الرئيس الجديد بازوم، فتنتظره قائمة طويلة من التحديات الداخلية والخارجية تشمل التعليم والأمن ومحاربة الفساد والبنية التحتية، كما أن بلاده تضررت بشدة من الأزمات الأمنية في منطقة الساحل وليبيا وحوض بحيرة تشاد، وتواجه تحديا جديدا من تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا.

ونجاح بازوم في مواجهة تلك التحديات يتطلب خبرة في التعاطي مع قلاقل الداخل وهواجس الخارج معا، لكنه يجد أنها ليست جديدة عليه، وخصوصا أنه سبق أن شغل منصب وزير الخارجية ثم وزير الداخلية.

المصدر : الجزيرة + وكالات