مخاوف من تجدد غضبة القرى.. رسوم جديدة على الفلاحين بمصر
مشروع القانون المقدم من الحكومة يحدد نحو 5 آلاف جنيه كرسم ترخيص لاستخدام آلة رفع مياه من أجل ريّ الأراضي الزراعية.

بعد هدوء نسبي في الشارع المصري إثر تأجيل الرئيس عبد الفتاح السيسي تطبيق قانون الشهر العقاري المثير للجدل؛ ذهبت الحكومة إلى البرلمان بمشروع قانون جديد أثار كثيرا من الغضب لدى المزارعين لأنه يلزمهم بدفع رسوم ترخيص لآلات رفع المياه التي يستخدمونها في الري.
وحددت المادة 38 من مشروع قانون الموارد المائية والري الجديد، المقدم من الحكومة، نحو 5 آلاف جنيه "نحو 325 دولارا" كرسم ترخيص لاستخدام آلة رفع مياه من أجل ري الأراضي الزراعية.
وتحظر المادة إقامة أو تشغيل أي آلة رفع ثابتة أو متحركة تدار بإحدى الطرق الآلية أو غيرها، لرفع المياه أو صرفها على مجرى نهر النيل والمجاري المائية أو شبكات الري والصرف العامة أو الخزانات، لأي غرض، بغير ترخيص من الوزارة لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد.
وتعاني الغالبية الساحقة من مزارعي مصر انخفاض مناسيب مياه الري في الترع والمجاري المائية المتفرعة من نهر النيل، عن المستوى المطلوب لوصولها إلى حقولهم، مما ألجأهم إلى استخدام آلات رفع حديثة غالية الثمن.
برلمان السلطة
ويجدد مشروع القانون الجديد الأسئلة بشأن دور البرلمان الذي لم يرفض من قبل قانونا قدمته الحكومة، رغم أن الدور الأساسي للبرلمان هو تشريع القوانين في ضوء مصلحة المواطنين فضلا عن مراقبة أداء الحكومة.
وتحت ضغط استياء شعبي واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، اضطرت الحكومة إلى أن تعيد إلى البرلمان في الأسبوع الماضي تعديلا لقانون الشهر العقاري كان يجبر كل أصحاب العقارات والشقق على تسجيل ملكياتهم برسوم مرتفعة جدا وعبر إجراءات مرهقة، وإلا فالبديل حرمانهم من الحصول على المرافق العامة.
وقبل شهور اضطرت الحكومة إلى تخفيض غرامات قررتها للتغاضي عن مخالفات البناء تحت مسمى التصالح، وذلك عقب موجة احتجاجات واسعة بالريف والصعيد، لكنها عادت وفرضت رسوما كبيرة على ملاك السيارات ورفعت إلى حد كبير مقابل التصالح في مخالفات السير.
تجديد اضطرابات القرى
في هذا السياق، يقول المزارع فراج عبد العواض إن استخدام "الدونك" -وهو الاسم الذي يُطلق هناك على رافعة المياه- مكلف في حد ذاته، إذ يستهلك كمية كبيرة من الوقود عند تشغيله مع ازدياد صعوبة رفع المياه إلى المنسوب المطلوب.
المزارع بإحدى قرى محافظة أسيوط جنوبا يلفت -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن الفلاح في الماضي اعتمد على استئجار آلة بمبلغ معين في مواقيت الري التي ربما تصادف انخفاض المنسوب، واضطر كثير من المزارعين اليوم إلى اقتناء آلة الرفع بشكل دائم لاحتياجهم المتواصل إليها توفيرا لمقابل الكراء، كما أنها صارت مصدر دخل إضافي لبعض المزارعين.
ويتدخل في الحديث جاره في الأرض عبد الباسط رجب، قائلا إن مهنة الفلاحة لم تعد مربحة، بل تكفي بالكاد لإطعام الأسرة في ظل الظروف الصعبة الحالية.
وقال رجب إن الحكومة بهذا القانون تبيع المياه للفلاحين بسعر باهظ وبطريقة غير مباشرة، محذّرا -في حديثه للجزيرة- من من أن إثقال كاهل الفلاح بمزيد من الأعباء سيؤدي إلى انفجار جديد شبيه باحتجاجات القرى العام الماضي.
وفي 20 سبتمبر/أيلول الماضي، وعلى مدار أسبوعين، شهدت قرى مصرية احتجاجات على قانون هدم المنازل المخالفة لشروط تراخيص البناء. ورغم إصرار الحكومة على تنفيذ القانون وتهديد السيسي باستخدام الجيش في سبيل ذلك، فإنها تراجعت تدريجيا عن التنفيذ وخفضت الغرامات المفروضة مرات عدة، وأجلت التنفيذ أكثر من مرة حتى الآن.
اعتراضات برلمانية
وفي الجلسة العامة لمجلس النواب الأسبوع الماضي، ارتفعت أصوات عدد من النواب بالاعتراض على هذه المادة وطالبوا بإلغائها، مؤكدين أنه من المطلوب صدور قوانين ترشد استخدامات مياه الري، لكن دون إرهاق الفلاح.
بدوره، يقول البرلماني السابق عامر عبد الرحيم إن هذا القانون سيتم تمريره كما حدث مع كل القوانين السابقة المصادمة لمصالح الشعب، ذلك لأن البرلمان يعبّر عن مصالح "من أتوا بنوّابه، وهي السلطة"، حسب تعبيره.
ومضى عبد الرحيم بحديثه -للجزيرة نت- مؤكدا أن تقديم القوانين المثيرة لغضب المصريين ثم التراجع عنها لاحقا ينبئ عن حالة من "التردد والخوف التي تتملك السلطة الحالية، المنفصلة عن الشعب وهمومه ومصالحه، ولا تتراجع إلا حينما يظهر لها غضب الناس"، وفق المتحدث.
في المقابل، يقول المتحدث باسم وزارة الري، محمد غانم، إن روافع المياه تستخدمها نسبة محدودة من المزارعين، فضلا عن أن مبلغ الترخيص ممتد على 5 سنوات، وله لائحة تنظم نسب الدفع من الرسوم حسب قدرة الرافعة ومساحة الأرض.
وتابع -في مداخلة تلفزيونية- أن المزارع الصغير لن يدفع شيئا لأنه يستخدم مجرى خاصا ولا يشمله القانون، مؤكدا أنه كان من الضروري تغيير القانون لارتفاع عدد السكان وتزايد التلوث وارتفاع نسبة التبخر.
هواجس الفقر المائي
في الإطار ذاته، توالت تدوينات الاحتجاج على القانون الجديد على منصات التواصل الاجتماعي، محذرة من أن ما في جيوب المواطنين لم يعد يكفي لمساعدة الحكومة على سد عجز الموازنة.
وقال نقيب عام الفلاحين، حسين أبوصدام، إن قانون الري الجديد مدفوع بهواجس الفقر المائي والخوف المستقبلي من تأثير السدود في منابع النيل.
وانتقد أبوصدام -في منشور على فيسبوك- صدور مشروع القانون دون حوار مجتمعي، رغم أنه يمسّ أكثر من نصف المصريين، مؤكدا أن القانون بشكله الحالي سيكون عقبة في طريق التنمية الزراعية المنشودة.
وقال إن الأمر يتجاوز مسألة الرسوم، وصولا إلى أن مواده تتدخل بطرق مختلفة في تحديد المساحات المقررة للزراعة، ويشترط موافقة وزارة الري في أي توسع زراعي جديد، ويحظر جميع الأعمال التي تهدر الموارد المائية دون تعريفها وتحديدها.
كما يجّرم مشروع القانون التعاقد على حفر آبار جوفية أو تحويل أو حجز مياه الأمطار دون ترخيص من الوزارة، وذلك في سابقة هي الأولى، بتعبير نقيب الفلاحين.
ورأى أن أن تحديد رسوم استخدام لكل آلة رفع على الترع العامة يوحي بأن القانون لا يهدف إلى الحفاظ على المياه وترشيدها، وإنما لجمع الأموال وخلق مبدأ أن المياه لمن يدفع وليست لمن يستحق.
جباية لا ترشيد
وقال مركز الأرض لحقوق الإنسان -في صفحته على فيسبوك- إن مشروع القانون الجديد ينطوي على عدد من المواد التي تستهدف الجباية لا مصلحة المواطنين.
وأوضح أن القانون تضمن كذلك رفع أسعار تقنين الأراضي الزراعية المستصلحة من قبل الفلاحين، وزيادة أسعار إيجارات أراضي الأوقاف والإصلاح، وكذلك إيجارات الأراضي الزارعية التابعة لوزارة الري، ورفع أسعار إيجارات المتر في العشش التي يقيم فيها فقراء الفلاحين المعدمين.
بدوره، انتقد أستاذ الأراضي والمياه بجامعة القاهرة، نادر نور الدين، فرض رسوم ماكينات الري على الفلاحين "الغلابة"، حسب وصفه.
وأكد أن الدولة ملزمة بإيصال مياه الشرب والري، وأن الفلاحين لجؤوا إلى الروافع لتقصير الدولة في إيصال المياه، مضيفا أنه لا يجوز لوزارة الري فرض رسوم على الفلاح الذي عالج تقصير الوزارة.
وأكد خبير المياه -في منشور له على صفحته الشخصية بفيسبوك- أن الفلاحين يمرّون بأسوأ مستويات العوائد المادية ويخسرون من زراعاتهم إلا نادرا.