السيسي اعتبر النيل خطا أحمر.. رسالة تهديد للخارج أم تبريد للداخل؟

السيسي من أمام قناة السويس (مواقع التواصل)

ربما تكون هذه من المرات النادرة، التي تحظى فيها تصريحات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتأييد كبير من طيف واسع من المصريين يشمل المؤيدين والمعارضين، خاصة أن الأمر يتعلق بنهر النيل، شريان الحياة والمصدر الرئيس للمياه في مصر.

ففي تصريح غير مسبوق، هدد السيسي برد لا يمكن تخيله سيتردد صداه في المنطقة في حال تأثرت إمدادات مصر من المياه بسبب السد، الذي تشييده إثيوبيا على مجرى النيل الأزرق.

وقال السيسي، خلال زيارته قناة السويس، الثلاثاء، "نحن لا نهدد أحدا؛ لكن لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر، وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد"، موضحا أنه لم يسبق له أن تحدث بهذه اللهجة، وأنه لا يهدد؛ لكن "المساس بمياه مصر خط أحمر.. ومن يريد أن يجرب فليجرب" على حد قوله.

لكن السيسي عاد ورهن القضية برمتها بضرورة التوصل إلى اتفاق، وقال إنه لا بد من التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لتعبئة وتشغيل سد النهضة، مشيرا إلى أن "التفاوض هو خيارنا".

إعلان

تصريحات الرئيس المصري بهذه اللهجة، الذي أقر هو نفسه بأنه يستخدمها للمرة الأولى، تشير إلى أن مصر قد تخلت لأول مرة عن هدوئها ولغتها الدبلوماسية، التي التزمت بها لسنوات تجاه أزمة سد النهضة، من أجل احتواء السياسة الإثيوبية التي تتهمها بالتعنت والتشدد.

وقبل أسبوع تحديدا، شدد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، على أن الملء الثاني لسد النهضة سيتم في موعده عند موسم الأمطار في يوليو/تموز المقبل؛ لكنه قال في كلمة له أمام البرلمان "لا نرغب بالإضرار بمصالح مصر والسودان المائية".

وإذا كانت مصر "هبة النيل" كما يردد أبناؤها خلف المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت، فذلك لأنها تعتمد على هذا النهر الذي يعد بين الأطول في العالم، للحصول على حوالي 97% من احتياجاتها من مياه الشرب والري، وترى في السد تهديدا لها فيما تقول إثيوبيا إنها ترغب في الاستفادة من الموارد المائية على أرضها لتحقيق تنمية مستدامة.

هذه التصريحات اعتبر مراقبون تحدثوا للجزيرة نت، أنها ما كانت لتصدر أيضا لولا التقارب المصري السوداني الأخير على المستوى العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي، واتفاقهما على رؤية واحدة بشأن مفاوضات سد النهضة؛ بل ذهب البلدان (مصر والسودان) في تصريحاتهما الرسمية إلى أبعد من ذلك، وتأكيدهما مرارا على أنهما يواجهان مصيرا مشتركا وقضية وجودية، ووصف الأزمة على أنها مسألة حياة أو موت.

وتناوب زعماء ومسوؤلو البلدين الزيارات فيما بينهما بشكل مكثف خلال الشهر الجاري؛ بهدف تعزيز التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي، وبلورة موقف موحد مشترك عبرا عنه خلال زيارة السيسي إلى الخرطوم، ولقائه بالمسؤولين هناك، "برفض أي إجراءات أحادية تهدف لفرض الأمر الواقع والاستئثار بموارد النيل الأزرق".

إعلان

وفي أكثر من مناسبة؛ أكد الطرفان التمسّك باقتراح الخرطوم تشكيل لجنة رباعية دولية يقودها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي (الكونغو الديمقراطية)، وتشمل كلا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، للتوسط في المفاوضات وإطلاقها في أقرب فرصة ممكنة.

وفي حوار سابق مع صحيفة "الشروق" المصرية (خاصة)، حذَّر وزير الري السوداني، ياسر عباس، من أن فشل مساعي المفاوضات قبيل الملء الثاني، سيدفع بلاده نحو الدفاع عن أمنها القومي عبر جميع السُّبل المشروعة، التي تكفلها القوانين الدولية.

 

النفس الأخير

يعتقد عضو اللجنة الوطنية المصرية لدراسة آثار سد النهضة سابقا، محمد محيي الدين، أن تصريحات السيسي تمثل "نقلة نوعية" في إعادة توجيه سير الأزمة، وقال إن "ما يجري هو سياسة النفس الأخير، وكل طرف يحاول الضغط لأخذ أكبر تنازلات".

وعما إذا كانت التهديدات الأولى من نوعها هي رسالة للداخل، أكد في حديثه للجزيرة نت، لا يوجد في مسألة المياه ما يمكن أن نسميه تصريحات من أجل "مغازلة" الداخل؛ لإن هذا موضوع وجودي لا يستطيع أي رئيس مصري أو مؤسسة مصرية تجاهل خطره، وهذه لحظة اصطفاف وطني.

لكن محيي الدين أكد مع ذلك، أنه ليس من مصلحة مصر الآن القيام بأي عمل عسكري، "ما تزال هناك جهود دولية تبذل من أجل استئناف المفاوضات، وأتصور أن جميع الأطراف سوف يجلسون للتفاوض؛ إلا أن أديس أبابا ستعود للمماطلة؛ لكن زمن هذه المماطلة لن يكون طويلا، لأنها تريد الملء في يوليو/تموز المقبل".

على الجانب الإثيوبي، اعتبر البعض أن تصريحات السيسي مجرد رسالة إلى الداخل المصري وليست إلى إثيوبيا، وذلك من أجل امتصاص احتقان وغضب الشعب المصري بسبب تكالب المحن والأزمات عليه.

إعلان

وذهب إلى هذا الاتجاه المحلل السياسي الإثيوبي، محمد العروسي، خلال تصريحات للجزيرة مباشر، اعتبر فيها أن كلام السيسي ليس موجها للمسؤولين الإثيوبيين؛ بل يبدو أنه موجه للشعب المصري الذي عانى من الأزمات، على حد وصفه.

وجاءت تهديدات السيسي الأخيرة، لتذكّر بتصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، التي حذر فيها من أن مصر قد تقدم على "تفجير سد النهضة" إذا لم يتم حل القضايا العالقة بشأنه.

في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجه ترامب انتقادات حادة لإثيوبيا بشأن موقفها "المتشدد" من المفاوضات، قائلا "الوضع خطير جدا، وأن مصر لا تستطيع أن تستمر على هذا الحال، وسينتهي المطاف إلى نسف السد".

دعم الموقف التفاوضي

ويرى الإعلامي المقرب من السلطة عماد الدين أديب أن السيسي اختار المكان والوقت المناسبين من أجل إرسال رسالته "العسكرية" لإثيوبيا، حيث كان العالم يتابع ما يجري في قناة السويس، وبشكل يسبق المفاوضات التي يتوقع أن تستأنف قريبا.

وأضاف أديب -في مداخلة هاتفية على إحدى القنوات المصرية الفضائية- الثلاثاء أن تصريحات الرئيس تحمل في طياتها احتمالين؛ فقد تبدو تصريحات عسكرية أو حربية، لكن السيسي أراد إرسال رسالة لإثيوبيا مفادها أن هذه الجولة من مفاوضات السد الجديدة ستحمل لهجة جديدة تستهدف التوصل إلى حل سلمي عبر اتفاق ملزم للأطراف.

واقع متأزم

في المقابل، فإن البرلماني المصري السابق محمد عماد صابر يرى أن تصريحات السيسي جاءت "مدفوعة من واقع متأزم في الداخل، حيث يسعى إلى مداراة فشله، ويحاول لملمة الأزمة دبلوماسيا تارة وبالتلويح باستخدام القوة تارة أخرى".

إعلان

وفي تصريحات للجزيرة نت، قال صابر إن النظام المصري انتقل من مرحلة التوسلات والمفاوضات الفاشلة إلى مرحلة التحذيرات "الجوفاء" لامتصاص غضب الشعب، مشيرا إلى أن الأيام كفيلة بالإجابة عن تساؤلات كثيرين حول حقيقة تلك التصريحات من كذبها.

رسالة مزدوجة

لكن نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية مجدي حمدان يعتقد أن تهديدات السيسي تنطوي على رسالة مزدوجة، قائلا "ربما يكون هناك استشعار من أجهزة الدولة أن جزءا كبيرا من المواطنين المؤيدين للرئيس وللحكومة أصبحوا في حل من هذه الموالاة؛ بسبب ضعف الموقف المصري، مما دفع الرئيس للخروج بهذه التصريحات التي تعد الأقوى".

وأضاف للجزيرة نت "أعتقد أن حديث الرئيس بأن الأمور في المنطقة سوف تتغير إن لم تستجب إثيوبيا إلى التوصل لاتفاق ملزم للجميع قبل الملء الثاني للسد، فإن هناك خطوة حاسمة من القيادة المصرية أعتقد أنها تتمثل في ضرب هذا السد".

وعما إذا كانت هناك علاقة بين تصريحات السيسي والتقارب المصري السوداني الأخير، أكد حمدان أن الظروف مواتية بين القاهرة والخرطوم للتوافق حول طرق مواجهة الأزمة ووضع نهاية لها، خاصة مع محاولات إثيوبيا للانفراد بالقرار.

تهديدات أو تصريحات السيسي الخاطفة والحاسمة لاقت تأييدا واسعا من المؤيدين والمعارضين، ووصفها البعض بأنها أول تصريح مصري جاد عن الأزمة، رغم أنه جاء متأخرا جدا، وأكد البعض الآخر أن من حق مصر الدفاع عن نفسها بكل الوسائل.

 

 

 

 

إعلان

 

المصدر : الجزيرة

إعلان