العملة والجامعات وجواز السفر.. لماذا يخشى اليمنيون أن تكرس الانفصال بين عدن وصنعاء؟

خلقت الحرب في اليمن واقعا تتجلى فيه مظاهر الانقسام بين المناطق التي تديرها جماعة الحوثي والتي تخضع لسيطرة الحكومة الشرعية، ويخشى اليمنيون أن يقود هذا الواقع إلى انفصال حقيقي ورسمي

صورة للبنك المركزي بعدن من صفحة البنك على الفيسبوك
البنك المركزي بمدينة عدن يعمل بسياسة نقدية تختلف عن البنك المركزي في صنعاء (مواقع التواصل الاجتماعي)

يعيش محمد عبده في صنعاء لكنه يستلم راتبه من الحكومة الشرعية في عدن باعتباره نازحا، وهذه حالة تنطبق على آلاف الموظفين من أبناء المحافظات الشمالية الذين يستلمون رواتبهم من الحكومة في عدن.

ذهب محمد إلى عدن لاستلام رواتب 3 أشهر متأخرة ليستلمها بالعملة الجديدة التي لا يتم التعامل بها في مناطق سيطرة الحوثيين، ليضطر لإرسالها عبر شركة صرافة لأسرته التي تحتاجها في صنعاء وبعمولة كبيرة توازي فارق السعر بين العملتين.

دفع محمد 300 ألف ريال (حوالي 350 دولارا) لشركة الصرافة في عدن، بينما استلمت أسرته 210 آلاف ريال (حوالي 247 دولارا) بعد أن استقطعت شركة الصرافة عمولة بلغت 90 ألف ريال بنسبة 30% كفارق سعر الصرف.

وتتأرجح قيمة العملة في صنعاء ما بين 600 و610 ريالات مقابل الدولار، وفي عدن ما بين 850 و880 ريالا للدولار، ليتكبد أبناء الوطن الواحد هذه المعاناة.

جواز السفر حلم

لم تتوقف معاناة اليمنيين على هذا الأمر، فحسين الوتاري أحد أبناء محافظة المحويت (111 كيلومترا شمال غرب صنعاء) يشكو من عدم حصوله على جواز سفر لأكثر من عام ونصف العام بعد أن رفضت الحكومة التي تتحكم بالمطارات الاعتراف بالجوازات الصادرة من مناطق سيطرة الحوثيين، منذ انقلابهم على السلطة في سبتمبر/أيلول 2014. وبقى حسين يتردد لشهور بين تعز ومأرب اللتين كانتا قبلة الباحثين عن جوازات سفر.

فشل حسين في الحصول على جواز سفر يسمح له بالانتقال للعلاج في الخارج، وعندما حاول الذهاب إلى عدن لم تسمح له النقاط العسكرية التابعة للحزام الأمني المدعوم إماراتيا من دخول عدن بسبب انتمائه الجغرافي، ليعود خائبا بعد أن عجز عن الحصول على جواز سفر.

جامعة صنعاء اليمنية الحكومية -
الجامعات باتت ساحة صراع سياسي بين صنعاء وعدن يدفع ثمنه العملية التعليمية (الجزيرة)

انقسام في التعليم

مظاهر الانقسام التي طالت المؤسسات الخدمية كثيرة، ولم تسلم منها بعض الجامعات وشركات الاتصال، فجامعة العلوم والتكنولوجيا نقلت مقرها الرئيسي من صنعاء إلى عدن بحجة التدخلات في عملها من قبل جماعة الحوثي وحدوث بعض التجاوزات القانونية، حسب بيان لوزارة التعليم العالي التابعة للحكومة.

الجديد في قرار نقل الجامعة هو عدم الاعتراف بمخرجات العملية التعليمية في فروع الجامعة بصنعاء، وبقية مناطق سيطرة الحوثيين من العام الدراسي 2020-2021، الأمر الذي خلق معاناة كبيرة للطلاب الدارسين في هذه الفروع.

هذه بعض الظواهر المعبرة عن حالات الانقسام خصوصا مع نقل بعض الشركات كشركات "سبأفون" (Sabafon) للاتصالات مركزها الرئيسي من صنعاء إلى عدن، وما صاحب ذلك من ظهور سياستين في تقديم الخدمات للمواطنين.

يضاف إلى ذلك معاناة المواطنين في التنقل بين محافظات تحت سيطرة الحوثيين وأخرى تخضع للحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، وما يلاقونه من تعسف في التعامل يصل حد الاعتقال والمنع من السفر، وفق شهادات كثير من المواطنين يخشون أن تكون هذه الحالة تمهيدا للانفصال الرسمي بين الشمال والجنوب.

صورة خاصة يظهر فيها فندق عدن وامامه علم الشطر الجنوبي سابقا الذي صار المرفرف في سماء عدن
فندق عدن وأمامه علم الشطر الجنوبي سابقا الذي بات يرفرف في سماء عدن (الجزيرة)

ثنائية الشرعية والانقلاب

وأمام حالة الانفصال الجزئية غير المعلنة، يرى ممثل اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" (UNESCO) الدكتور محمد جميح أن أول مظهر من مظاهر الانقسام تمثل في وجود ثنائي "الشرعية والانقلاب"، بحكومتين للحوثيين في صنعاء وأخرى للشرعية في عدن.

ويرى جميح في حديثه للجزيرة نت أن "الانقسام تكرّس مع طول فترة الحرب، فأصبح لدينا مؤسسة تديرها سلطة الحوثي وأخرى تديرها سلطة الشرعية، وتوزع موظفو المؤسسة الواحدة على الحكومتين".

ويعتبر أن وجود بنكين في صنعاء وعدن "أثّر بشكل كبير على الأداء المصرفي، وترتبت عليه آثار اقتصادية وخدمية، ناهيك عن وجود عملة في صنعاء وأخرى في عدن بسعرين مختلفين".

ويضيف جميح "على الرغم من الدعوة إلى تحييد بعض المؤسسات الحكومية عن الصراع، فإن الانقسام ظل يعمل أثره في تلك المؤسسات حتى وصلنا إلى حالة من الانشطار، وتفاقم الشعور بالانعزالية، ليس على أساس شمال وجنوب وحسب، ولكننا نلحظ تفاقم الانقسامات المذهبية والمناطقية والسلالية والقبلية وغيرها".

الحل سياسي فقط

من جهتها تقلل جماعة الحوثي من مخاطر هذه الظواهر، وترى أنها ستتلاشى بمجرد الوصول إلى حل سياسي.

ويقول عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله (الحوثيين) محمد المقالح "إذا كان ثمة حل سياسي جدي للأزمة اليمنية فكل الإجراءات التي تعتبر انفصالية يمكن إلغاؤها بسهولة، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه".

ويؤكد المقالح في حديثه للجزيرة نت أن "الوحدة اليمنية أكبر من أن يلغيها انفصالي في عدن أو انفصالي في صنعاء، والوحدة لا تزال أقل كلفة على اليمنيين من كلفة مشاريع التقسيم والتجزئة، التي ستعني حروبا لا نهاية لها، ولا يمكن لكيان انفصالي البقاء إلا بحماية أجنبية، وهذا يعني استمرار القتال لإخراج الاحتلال ودفاعا عن الهوية اليمنية".

ويرى أن من يريدون الانفصال سواء كانوا في صنعاء أو في عدن، لم يقرؤوا التاريخ جيدا، وأن "أول ضحايا الانفصال هم الانفصاليون أنفسهم".

ويضيف المقالح أن "الخيارات المطروحة أمام اليمنيين تنحصر بين يمن موحد، أو 21 سلطنة ومشيخة وإمامة تتصارع فيما بينها، وتطلب الحماية الأجنبية، وهذا الخيار الأخير لن يقبل به الشعب اليمني".

صورةخاصة لمدينة عدن
مدينة عدن.. هل يعود بها واقع الانقسام السياسي والعسكري للانفصال عن اليمن من جديد؟ (الجزيرة)

هاوية التشظي

من جهته يقول الناطق الإعلامي باسم القوات الجنوبية بمحافظة الضالع ماجد صالح الشعيبي إن "الحرب خلقت واقعا جديدا يجب التعامل معه، حيث ظهرت قوى جديدة كجماعة الحوثي في الشمال، والمجلس الانتقالي في الجنوب، إضافة إلى الحكومة الشرعية، وبرزت انقسامات اجتماعية وجغرافية عديدة سيكون لها أثر سلبي في المستقبل".

ويضيف الشعيبي للجزيرة نت "في الواقع نحن بلد واحد لكن بعملتين بسبب بعض السياسات الخاطئة للحكومة الشرعية عندما نقلت البنك المركزي إلى عدن دون سياسة واضحة تسيطر من خلالها على سوق العملة وتحافظ على قيمتها".

ويؤكد الشعيبي، وهو يشغل أيضا منصب رئيس تحرير موقع البعد الرابع، أن "الحل يتمثل في سلام حقيقي ودائم لأن الوطن على حافة هاوية التشظي لأكثر من شطر".

المصدر : الجزيرة