جماعة الإخوان تبدي استعدادها للمصالحة.. فهل يرحب النظام المصري؟

Foreign Ministers Sameh Shoukry of Egypt and Mevlut Cavusoglu of Turkey at the 13th Organisation of Islamic Cooperation summit in Istanbul in 2016 (AFP)
وزير الخارجية المصري سامح شكري وعن يساره نظيره التركي مولود جاويش أوغلو خلال اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي التي استضافتها إسطنبول عام 2016 (الفرنسية)

يبدو أن مؤشرات التقارب المصري التركي مؤخرا، شجعت جماعة الإخوان المسلمين على أن تبدي هي الأخرى استعدادها للمصالحة مع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد سنوات من الصراع والملاحقة؛ وذلك عبر سياق كانت أبرز ملامحه الرغبة في التخفيف عن آلاف المعتقلين بالسجون وذويهم.. فهل دقت ساعة المصالحة المصرية؟ وهل يقبل النظام المصري بذلك؟

في مبادرة نادرة، أكد إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، استعداد الجماعة قبول أي عرض يخدم مصلحة الشعب المصري، وذلك بعد أيام من إعلان أنقرة بدء اتصالات دبلوماسية مع القاهرة من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها، خلافا لما أثير عن طلب الحكومة التركية من القنوات المصرية المعارضة التي تبث من إسطنبول، أن توقف البرامج السياسية، وتخفف حدة التوتر الإعلامي مع مصر.

وقال منير في لقاء مع "الجزيرة مباشر" إنه "إذا عرض على المعارضة المصرية، ونحن جزء منها الحوار مع النظام، بما يتضمن المعتقلين والمختطفين وأصحاب الدم ويحسن أحوال الشعب، لن نرفض، وإذا رفضنا نكون مخطئين بالتأكيد".

ورغم ترحيب كبير من قيادات ومحسوبين على التيار الإسلامي بما في ذلك الإخوان والجماعة الإسلامية وحتى حزب النور السلفي (المؤيد للسيسي)؛ إلا أن مبادرة أعلى مسؤول بالجماعة حاليا، قد تصطدم هذه المرة، وفق محللين وخبراء، بواقع مغاير تماما عن المبادرات الكثيرة السابقة.

ويتمثل ذلك في أن جماعة الإخوان فقدت في الآونة الأخيرة ثقلا محليا بعد ضربات أمنية وملاحقات قضائية، خلافا لما تعانيه من انقسامات داخلية، وتراجع في الدعم الدولي والإقليمي.

وهذا الواقع الصعب الذي تعانيه الجماعة حاليا، رآه محللون سياسيون في تصريحات منفصلة للجزيرة نت، يضعف من موقفها في فرض أي شروط للمصالحة مع النظام، وهو ما يتسق مع هجوم إعلامي كبير في اليومين الماضيين من مؤيدين للنظام على المبادرة والتأكيد على رفض المصالحة مع الإخوان.

وثمة إشارة مهمة، أجمع عليها المحللون السياسيون، تتمثل في أن ملف المصالحة بين النظام والإخوان بعيد تماما عن حسابات التقارب المصري التركي، رغم أهمية الدور التركي في الدفع نحو هذا المسار من أجل المعتقلين السياسيين.

ومنذ الانقلاب العسكري الذي نفذه السيسي عندما كان وزيرا للدفاع في صيف 2013، حيث عطل الدستور وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، ومصر تشهد أزمة سياسية وانقساما مجتمعيا، لم تفلح معها مبادرات محلية ودولية، بين النظام وقوى المعارضة على رأسها الإخوان.

هجوم ورفض

وعبر حسابه بموقع "تويتر"، رد البرلماني المصري محمود بدر (مؤسس حركة تمرد التي مهدت للانقلاب العسكري) على حديث منير بأن "الإخوان تثق في تركيا وتقبل وساطتها مع النظام"، قائلا إن بلاده "لم تطرح وساطة بخصوص موضوع الإخوان ولا المصريين سيقبلون".

بدوره، هاجم الإعلامي المقرب من النظام، إبراهيم عيسى، الإخوان المسلمين معتبرا التقارب التركي المصري "ليس نهاية الجماعة" التي وصفها بأنها "تجدد نفسها عبر انتقال قياديها من دولة إلى أخرى".

وزعم عيسى، أن الرئيس الراحل أنور السادات "أحيا رميم جماعة الإخوان، وانتهى الأمر به إلى أنهم قتلوه".

يشار إلى أن السادات تعرض للاغتيال خلال عرض عسكري بالقاهرة في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1981، على يد ضباط بالجيش لا ينتمون للإخوان المسلمين.

وطالب عيسى بعدم تكرار "المأساة مرة أخرى بالعودة المتسامحة مع الإخوان"، داعيا إلى "ضربها في أضلاعها، وأن لا يتم استغفالنا (مصر) كما استغفلنا من قبل"، وفق قوله.

وفي السياق ذاته، قال إعلامي آخر مقرب من النظام، هو نشأت الديهي، إن من يدعم الإخوان "يعادي مصر.. وهي جماعة مصنفة على أنها إرهابية، وكل من يتعاون معها يمارس عملا إرهابيا".

وخلال برنامجه بقناة "تن" (TeN)، التي تمولها الإمارات، طالب الديهي بعدم ربط المسار التصالحي بين مصر وتركيا بملف الإخوان، مشددا أنه "لن يكون هناك تصالح مع الجماعة".

وأضاف أن "الدولة لم ولن تفكر في صلح مع الجماعة"، معتبرا أن حديث منير عن المصالحة "يعد بحثا عن مخرج بعد أن ضاقت الأرض بالإخوان"، على حد قوله.

كما حرص ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية في مصر، على انتقاد الإخوان والتشكيك في نواياهم تجاه مصر وحتى الدين الإسلامي، علما بأن حزب النور كان شريكا سياسيا للإخوان لفترة من الوقت عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011 قبل أن يصبح شريكا في الانقلاب، الذي قاده السيسي على الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان.

 

سابق لأوانه

محمد حامد، مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية، وهو منتدى غير حكومي مقره القاهرة، قال إن قبول النظام للمصالحة مع الإخوان سابق لأوانه، وعُرض في أكثر من مرة سرا بدون تفاصيل، وهذه هي المرة الأولى التي تكون علانية من جانب الجماعة.

واستبعد حامد، وهو من مؤيدي النظام المصري الحالي، أي تفاعل من النظام مع مبادرة منير، موضحا أن هناك إخوانا في الداخل، عليهم أحكام في السجون، والنظام قادر على التحاور معهم، وسبق أن طلب منهم بين عامي 2017 و2018 حل التنظيم.

أما عن تداعيات المصالحة مع تركيا على ملف المصالحة، قال حامد إنه "لا يمكن الحديث في بداية بناء الثقة بين البلدين، وتحديد طبيعة عودة العلاقات الثنائية عن تناول ملف شائك بحجم ملف الإخوان المسلمين، كما أنه لا تظهر أي ملامح في الفترة الحالية في هذا الصدد".

واعتبر أن هناك تعجلا في الحديث عن مبادرة مصالحة؛ لأن الأجواء غير مهيئة في الفترة الحالية، والطرف المؤثر وهو النظام غير متعجل في مثل هذا الأمر حتى الآن.

وفيما يتعلق بتداعيات المصالحة المصرية التركية، قال إنها قد تكون متوازنة المصالح بالنسبة للبلدين، وستكون في كفة النظام المصري لا في صالح الإخوان المسلمين، مشيرا إلى أن مبادرات مصالحة سابقة ظهرت؛ لكن لم يبد لها النظام اهتماما.

غياب المؤشرات

على صعيد آخر، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، أن إبداء جماعة الإخوان استعدادها للمصالحة مع النظام، وموقف الأخير من ذلك، يرتبطان بعدة أمور أهمها يتمثل في الدور التركي في الوساطة بين الجانبين، وهل اقترحت أنقرة القيام بذلك أم لا، وما هو رد القاهرة؟

وأوضح نافعة، أن المسألة لم تعد تتوقف على استعداد الإخوان للمصالحة مع النظام؛ بل الأهم أن يكون النظام نفسه مستعدا لعقد مثل هذه المصالحة.

وذهب بالقول إنه لا توجد حتى الآن أية مؤشرات من طرف النظام بقبول المصالحة، رغم كونها مطلوبة على المستوى المجتمعي كله؛ وليس الإخوان فحسب، مطالبا بوضع إطار عام للمصالحة لا يستثني أحدا، حيث ما يزال هناك يساريون وليبراليون وقوميون في السجون إلى جانب معتقلي الإخوان.

وأشار نافعة إلى أن النظام لا يبدو مستعدا حتى الآن لمثل هذه المطالب، التي سبق أن دعت إليها القوى الوطنية  كثيرا، موضحا لم نشعر بأي نوع من الاستجابة من جانب النظام، وبقيت سياساته قائمة على أن المخالفين له كارهون لأوطانهم ومخالفون لها.

كما رأى أن حديث منير عن المصالحة كان من المفترض أن يعالج بعيدا عن الإعلام؛ لكنه استدرك بالقول إن دعوة القائم بأعمال مرشد الإخوان "ربما قد تكون رسالة إلى النظام التركي للقيام بدور الوسيط".

وتوقع نافعة، عدم تطوع النظام التركي بالمصالحة بين الإخوان والنظام؛ إلا إذا تأكد أن الأخير مستعد لذلك، ووفق المصالح التركية، مشددا على أن الحوار بين الإخوان ونظام السيسي لن يكون شرطا للمصالحة بين القاهرة وأنقرة، والتي ستمضي وفقا للمصالح الخاصة بينهما.

وحول المستفيدين من المصالحة في مصر، أكد نافعة أنها ستمثل تطورا مهما له انعكاساته من تخفيف حدة الاحتقان في البلاد، والتمهيد لإطلاق سراح المعتقلين بمختلف توجهاتهم.

 

 

 

تأثير بعيد المدى

بدوره، ذهب الباحث المتخصص في شؤون الحركات والجماعات الإسلامية، مصطفى زهران، بالقول إلى أن محادثات القاهرة وأنقرة، سيكون لها تأثير على المدى البعيد وتطورات على الساحة، ليست بالسريعة، مشيرا إلى أن التقارب بين البلدين يعود لعامين ماضيين، ولن يؤثر على ملف الإخوان، حيث من المبكر الحديث عن أي انعكاسات مباشرة في هذا الصدد.

وأوضح أن ملف الإخوان سيأتي فور توطيد العلاقات ووجود فعالية للتقارب المصري التركي، معتبرا تحرك القائم بأعمال مرشد الإخوان يأتي "للابتعاد عن التأثير السلبي للتقارب المصري التركي على الجماعة، وليس للاقتراب من التأثير الإيجابي".

وأوضح زهران، أن تركيا من الممكن أن تؤدي دورا إيجابيا في حلحلة ملف المصالحة؛ لكن التأثير السلبي يتمثل في خشية الإخوان من أن يلقي التقارب بين القاهرة وأنقرة بظلال سلبية عليها، وبالتالي ذهب منير لحلحة الملف من نفسه بعد أن كان متعنتا في مسألة الحديث مع النظام.

وفيما يتعلق بطرح تفعيل المصالحة أو محاولة إرسال رسالة للنظام من منير، اعتبر الباحث المصري، أن جماعة الإخوان "ليس لديها أوراق ضغط على النظام، في سبيل الحصول على حقوق أو تنازلات، وبالتالي موقفها ضعيف جدا، فيما يبقى المستفيد الأساسي بلا شك من المصالحة السجناء وأسرهم".

وحول موقف النظام من هذه الدعوة، رأى زهران أن "الجماعة تأخرت كثيرا، وبالتالي لا تمتلك آليات نافذة للمكاسب التفاوضية"، مشيرا إلى أن النظام لن يذهب إلى مبادرات حاليا؛ لكن مع الوقت في ظل تعميق روابط العلاقات مع تركيا قد ينعكس ذلك إيجابا على ملف سجناء الإخوان.

المصدر : الجزيرة

إعلان