3 سيناريوهات.. ماذا لو انخفض تعداد سكان مصر؟
لا يترك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فرصة تخص عرض مشكلات البلاد إلا ويستغلها للتحذير من الزيادة السكانية التي يعتبرها أحد أخطر عوائق التنمية بل ويضعها أحيانا في مستوى خطورة الإرهاب.
وخلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب، عبر برنامجه التلفزيوني "الحكاية"، عبر قناة "إم بي سي مصر" (MBC Masr) السعودية، السبت، جدد السيسي تحذيره من النمو السكاني، واصفا إياه بالمشكلة الكبرى التي يجب التشارك في حلها من جانب الشعب والحكومة.
وعلى الرغم من التحذير الرئاسي فإن السيسي استبعد لجوء الدولة إلى إجراءات قانونية عنيفة لحل تلك المشكلة، وأردف "تأثير الثورة والغضب ما زال موجود جوه (موجودا داخل) الناس لحد (حتى) الآن.. لم ينتهي (لم ينتهِ) بعد.. ولكن يجب على الناس أن تساعدنا إنها (بأن) تتفهم أسباب ما نحن فيه، وإحنا ليه وصلنا لكده (ولماذا وصلنا إلى هذا الحد؟)".
وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أعلن في أول أيام العام الجاري وصول عدد سكان مصر إلى نحو 101 مليون و375 ألف نسمة، بنسبة زيادة بلغت مليونا و375 ألفا و894 نسمة خلال 10 أشهر، علما بأن نحو 20 مليونا من السكان يتركزون بمحافظتي القاهرة والجيزة.
الاهتمام الرئاسي ومن بعده الحكومي بقضية الزيادة السكانية وما يشملها من مسببات ونتائج يدفع إلى الابتعاد قليلا عن دائرة الأزمة- إذا ما اعتبرت أزمة حقيقية- والاتجاه نحو التساؤل عن حال البلاد إذا ما انخفض التعداد السكاني وعما إذا كانت ستخرج حقا من أزماتها أم ستدخل في دائرة أخرى من المشكلات؟
السيناريو الأول
ثمة سيناريوهات لمصر صاحبة الكثافة السكانية المنخفضة أو المعتدلة، بعضها سامق يناطح سماء رغد المعيشة وآخر يحرث أرض الرثاء للبلاد مع أي تعداد بشري.
السيناريو الأول طرحه الرئيس المصري نفسه، في سبتمبر/أيلول الماضي، خلال افتتاح الجامعة المصرية اليابانية، عندما أدخل بلاده في مقارنة مع ألمانيا التي ظلت على مدار الـ25 سنة الأخيرة دون زيادة سكانية.
وقال السيسي إن برلين لم تحتج إلى معالجة مياه أو محطة كهرباء أو بنية أساسية جديدة لصالح السكان، وبالتالي اتجهت الحكومة الألمانية إلى الإنفاق على رفاهية مواطنيها حيث لم تخصص استثمارات من الموازنة لتغطية النمو السكاني.
ثم أدخل مصر الحالية في مقارنة مع نفسها قبل 200 سنة قائلا "كان كل مصري له فدان يعيش منه أو يشتغل فيه.. ودلوقتي (والآن) فيه 100 مليون في نفس المساحة.. الفدان بعد ما كان لفرد أصبح لـ10 أفراد.. وبالتالي كان من الطبيعي أن تكون الحياة رخيصة في الماضي.. وقيمة الجنيه كان من الطبيعي أيضا أن تكون مرتفعة".
إذًا مصر، وفق المنظور الرئاسي، غارقة في مشروعات تحاول بها التماشي مع الزيادة السكانية الهائلة، وهو ما يجعل مواطنيها لا يشعرون بالرفاهية التي ستتحقق بانخفاض المواليد، ما يعني أن البلاد ينتظرها ازدهار معيشي بتحديد النسل.
ويمكن إدراك الطريقة التي يتعاطى بها السيسي مع ملف السكان من خلال تصريحه الذي وضع زيادة أعداد المواطنين بجانب الإرهاب كتحدٍّ للبلاد، "أكبر خطرين بيواجهوا (يواجهان) مصر هما الإرهاب والزيادة السكانية.. احنا حطينا الناس اللي بتقتلنا (لقد وضعنا الناس الذين يقتلوننا) مع الزيادة السكانية كتحدي (كتحدٍّ)، نظرا لأن الزيادة السكانية بتقلل (تقلل) فرص مصر في إنها تقدر تطلع لقدام (في أن تتقدم)".
تدعم تلك الرؤية الرئاسية ما كشف عنه نائب وزير الصحة المصري لشؤون السكان، طارق توفيق، من احتمالات مبنية على نتائج دراسة التنبؤات السكانية لمصر "2020 – 2050".
وقال عبر بيان رسمي، إن الاحتمال الأول يتمثل في عدم ضبط الزيادة السكانية والوصول إلى معدل الإنجاب الكلي 3.5 أطفال لكل سيدة، ووفقا لذلك يصبح عدد سكان مصر حوالي 183 مليون نسمة عام 2050 ونسبة السكان في قوة العمل حوالي 60% ونسبة الإعالة الكلية حوالي 0.68%.
وأضاف توفيق أن الاحتمال الثاني يتوقع ثبات معدل الإنجاب الكلي عند الوضع الحالي وهو (3.07 أطفال لكل سيدة) ومن ثم يصبح عدد سكان مصر حوالي 160 مليون نسمة عام 2050 ونسبة السكان في قوة العمل حوالي 64% ونسبة الإعالة الكلية حوالي 0.56%.
بينما يتوقع الاحتمال الثالث، الوصول بمعدل الإنجاب الكلي إلى 2.4 طفل لكل سيدة، وبذلك يكون عدد سكان مصر حوالي 152 مليون نسمة عام 2050، وتكون نسبة السكان في قوة العمل حوالي 64%، ونسبة الإعالة الكلية حوالي 0.55%.
ولفت نائب وزير الصحة، إلى زيادة معدلات الفقر المتوقعة في حالة الزيادة السكانية غير المنضبطة بحيث يكون أكثر من 44 مليون نسمة فقراء، مقارنة بـ33 مليون نسمة في حالة تطبيق الإستراتيجية القومية للسكان والوصول لمعدل إنجاب كلي 2.4 طفل لكل سيدة.
السيناريو الثاني
أما الخبير الاقتصادي، الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، فرؤيته تبدو مغايرة للسيناريو الرئاسي حيث استبعد أن يرتفع مستوى معيشة المواطنين حال انخفاض التعداد السكاني ولو حتى إلى نصف الرقم الحالي أي أن يصبح المصريون لا يتجاوز عددهم الـ50 مليون نسمة.
استبعاد الرغد المعيشي جراء الانخفاض السكاني بناه عبدالمطلب على فرضية أن القوى العاملة ستنخفض في العديد من القطاعات بسبب الفقر السكاني، وفي مقدمة تلك القطاعات ستكون الزراعة التي تشكل ركيزة أساسية للاقتصاد المصري وتعاني أصلا من نقص كبير في الأيدي العاملة.
كذلك توقع -في حديثه للجزيرة نت- أن ينخفض الطلب المصري على السلع والخدمات، ما سيقلل حافز الإنتاج الضخم عند الكثير من المنتجين، وهو ما سيُبطّئ من دوران عجلة الاقتصاد.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى رفضه لكافة النظريات التي تتحدث عن الزيادة السكانية كمعوق للتنمية، واستطرد "بل على العكس، مصر تستمد أهميتها الاقتصادية من كونها سوقا كبيرا به ما يزيد على 100 مليون مستهلك".
وأضاف أن الكَمّ الهائل من المستهلكين يولد طلبا كبيرا على السلع والخدمات، موضحا أن الطلب الفعال هو المحرك الأساسي للإنتاج طبقا لنظرية كينز في الاقتصاد.
والمشكلة في مصر ليست الزيادة السكانية إنما كثافة عدد السكان في الكيلومتر المربع وانعدام التخطيط الذي ولّد الزحام والعشوائيات، حسب قول عبدالمطلب، مؤكدا ضرورة التوجه ناحية زيادة الرقعة المأهولة بالسكان.
وبشكل عام، اعتبر الحديث عن انخفاض عدد السكان في مصر ضربا من الخيال وبمثابة البحث عن "شماعة" (مشجب) لتعليق أسباب الفشل عليها.
السيناريو الثالث
إذا ما ثبت عدد سكان مصر عند الـ100 مليون نسمة دون زيادة أو انخفاض خلال السنوات المقبلة، فستظل الأوضاع المعيشية على حالها الراهن، وفق توقع البرلماني السابق، الدكتور عز الدين الكومي.
ما سيحدث عند الثبات السكاني هو تجلي الفشل الإداري للدولة من قبل النظام الحالي، من وجهة نظر الكومي الذي تساءل "من أين ستأتي الحكومة بموارد جديدة تحسن الأوضاع المعيشية للـ100 مليون نسمة في ظل نظام اقتصادي قائم على الاستدانة ويعاني من نقص حاد في دخله من قطاعات عدة كالسياحة؟".
وأضاف أن استمرار القمع وكبت الحريات لن يسمحا بأي تحسن معيشي ولو انخفض عدد السكان لأي نسبة تسعى إليها الحكومة، واستطرد "الكثافة السكانية شماعة يعلق عليها النظام فشله الإداري، والذي سيحدث مزيدا من الفشل".
وأوضح البرلماني السابق أن المشكلة ليست في الزيادة السكانية ولكن في سرقة مقدرات الشعب، مستشهدا بدول حققت التقدم رغم كثافتها البشرية مثل الصين والهند اللتين جعلتا الإنسان محور التنمية.
وعن تداعيات الانخفاض السكاني على الوزن الإقليمي لمصر باعتبار أنها تستمد جزءا منه عبر كثافتها البشرية، أكد الكومي أن الأمور خرجت عن حسابات أعداد البشر، وقال إن القاهرة لم يعد لها ثقل إقليمي في أفريقيا منذ أن تخلت عن دورها الريادي لصالح أطراف عدة على رأسها إسرائيل، مستشهدا بالفشل المصري في ملف سد النهضة.
وأضاف أن انحسار الدور الإقليمي لمصر أيضا تشهده المنطقة العربية، مستشهدا باختفاء القاهرة في أزمتي السودان وليبيا رغم أنهما دولتان حدوديتان.