الحكومة الجديدة في السودان تجرّب الوزراء السياسيين بعد حقبة التكنوقراط
برنامج الحكومة الجديد ومن ضمن بنوده الموقف تجاه التطبيع والأزمة الاقتصادية، سيحدد معالم المرحلة، وسيكون بمنزلة اختبار للوزراء الجدد.
آثر الائتلاف الحاكم بالسودان عندما شكل أول حكومة بعد الثورة قبل عام ونصف العام أن يزهد في الحقائب الوزارية لمصلحة التكنوقراط، لكنه الآن في الحكومة الجديدة التي أعلنت مساء أمس الاثنين عمد إلى تقديم وزراء سياسيين بالدرجة الأولى.
وعلى غير المتوقع ظهر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في المؤتمر الصحفي لإعلان حكومته الجديدة هادئا ومطمئنا، إذ كان واقعًا تحت ضغط رهيب وهو يتلقى قوائم المرشحين من جهات عدة بعد أن شكا تأخّر التغيير الوزاري.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالائتلاف الأكبر تاريخيا يعلنها بعد أيام.. حكومة حمدوك أمام تحدي الاختيار ومبررات التأخير
رئيس الوزراء السوداني يحل حكومته تمهيدا لإعلان تشكيلة جديدة
إرجاء اسم وزير التربية والتعليم.. حكومة سودانية جديدة تواجه تحديات اقتصادية وأمنية
وطبقا لمصفوفة اعتمدت بعد توقيع اتفاق سلام جوبا بين الحكومة والحركات المسلحة كان يجب إعلان الحكومة الجديدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وعزا حمدوك التأخر 4 أشهر إلى ما عدّه مرضا يلازم التجربة السودانية في عدم الالتزام بالمواقيت قبل أن يتعهد بمعالجة الإخلال بأي مصفوفة مستقبلا.
معركة التعليم
وأعلن حمدوك وزارة من 26 حقيبة بزيادة 8 حقائب جديدة مقارنة بالتشكيل السابق، وأرجأ تسمية وزير التربية والتعليم إلى وقت لاحق لمزيد من التشاور.
وتدور معركة بشأن وزارة التربية والتعليم بين الحركات المسلحة ولجنة المعلمين -إحدى أبرز الأجسام المكونة لتجمع المهنيين السودانيين- والتي تطالب بإبعاد الوزارة من المحاصصة والإبقاء على الوزير الحالي محمد الأمين التوم.
وتجنبت حركات دارفور تسمية مرشح لها في هذه الوزارة وتركتها لبقية مسارات اتفاق جوبا ليدفع مسار الشرق بأسامة سعيد، لكن مسار الشمال دفع بالوزير الحالي محمد الأمين التوم قائلا إنه الأكثر كفاءة، وهو ما لقي إشادة من لجنة المعلمين.
بيد أن اللجنة الرباعية الخاصة بالترشيحات وبينها عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي لم ترفع اسم التوم إلى رئيس الوزراء واكتفت برفع مرشحين اثنين بذريعة أن التوم لم يجتز الفحص الأمني.
وإثر ذلك حذّرت لجنة المعلمين -في بيان- من مغبة إبعاد التوم من الوزارة بحجة الفحص الأمني؛ وتساءلت عن حجيته وقد كان وزيرا في الحكومة التي أعفاها رئيس الوزراء الأحد الماضي، وشددت أنها ستذود عن الثورة في ملف التعليم بكل الوسائل والأساليب الثورية والمدنية المجربة.
برنامج الحكومة
ومن واقع تجربة الحكومة السابقة فإنها اتسمت بتشاكس وزرائها وحاضنتها السياسية بشأن ملفات شائكة على رأسها التطبيع مع إسرائيل والوصفة العلاجية لأزمة الاقتصاد.
ولمعالجة ذلك يقول معتز صالح، مقرر لجنة الترشيحات بقوى إعلان الحرية والتغيير، إن اجتماعا أمس الاثنين أجاز برنامجا للحكومة الجديدة من ضمنه الموقف حيال التطبيع والأزمة الاقتصادية.
وطبقا لصالح -في حديث للجزيرة نت- فإن البرنامج سيعرض اليوم الثلاثاء على رئيس الوزراء وما إن يباشر الوزراء الجدد مهامهم سيكون جاهزا بعد أن توقع عليه كل الأطراف، موضحا أنه سيحدد معالم المرحلة وقبل جلوس أي وزير على مقعده عليه أن يقبل هذا البرنامج أو يغادر.
وكان وزراء في حكومة حمدوك السابقة قد ناهضوا خطوات التطبيع مع إسرائيل فضلا عن انتقال حالة الانقسام إلى الائتلاف الحاكم إزاء التطبيع والبرنامج الاقتصادي للحكومة الذي اعتمد وصفة البنك الدولي بتحرير السلع والخدمات وتعويم الجنيه.
وحسب حمدوك -للصحفيين- فإن الحكومة الجديدة ستضطلع ببرنامج قصير من 5 بنود هي الأزمة الاقتصادية، وعملية السلام، والعلاقات الخارجية، والعدالة، وإصلاح مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
تحديات الوزراء
ومن أبرز التحديات التي ستواجه الوزراء، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، مسألة التطبيع مع إسرائيل، إذ إن حزبها "الأمة القومي" من غلاة الرافضين للتطبيع.
ويقول صالح إن مريم المهدي بوصفها مرشحة لحزب الأمة ستكون مطالبة بالتكيف مع واقع التطبيع وأهداف الحكومة وفق الوثيقة الدستورية التي تراعي المصالح العليا للبلاد.
أما وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم وهو زعيم حركة العدل والمساواة، فسيتحتم عليه التعامل مع لجنة التفكيك وإزالة تمكين نظام الـ30 من يونيو/حزيران 1989، رغم انتقاده لها أكثر من مرة منذ عودته إلى الخرطوم بعد توقيع اتفاق السلام.
وبشكل ما يعدّ وجود جبريل في حكومة حمدوك تمثيلا لتيار الإسلاميين لأول مرة بعد الثورة، وهو ما سيضعه باستمرار في خانة الاتهام؛ وقد بدأ ذلك قبل إعلان الحكومة تسريبات مفادها أن حمدوك سيبعده لعلاقة بينه وبين أسامة بن لادن عندما كان في السودان.
وسيواجه كل الوزراء تحدي خلوّ الخزانة العامة من الموارد اللازمة لتنفيذ برامجهم.
السياسي أم التكنوقراط؟
يقول مقرر لجنة الترشيحات بقوى الحرية والتغيير إن القصد من التشكيل الوزاري الثاني بعد الثورة مشاركة سياسيين بارزين وأكفاء بدلا من الوزراء السابقين الذي اعتُمد معيار التكنوقراط في تعيينهم بغض النظر عن تجربتهم السياسية.
واتضح اعتماد المعيار السياسي باحتواء الحكومة الجديدة على وزراء سياسيين بامتياز مثل القياديين في حزب المؤتمر السوداني خالد عمر يوسف وزير رئاسة مجلس الوزراء، وإبراهيم الشيخ وزير الصناعة، ومريم المهدي نائبة رئيس حزب الأمة.
ويشير مقرر اللجنة إلى أن التجربة أثبتت الحاجة إلى وزراء مقيمين في السودان ولديهم علاقة أقوى بتحالف الحرية والتغيير، في إشارة إلى احتواء الحكومة السابقة على وزراء كانوا في الخارج.
ويتابع صالح "حرصنا أن يكون للوزراء الجدد علاقة أقوى بالتحالف وأن تكون لديهم معرفة بالوضع السياسي وخطر النظام السابق على مؤسسات الدولة".
ورفض الوزراء في الحكومة السابقة دعوة لاجتماع السبت الماضي مع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، واتهموا التحالف بعقد محاكمات إعلامية لأدائهم.
جديد الحكومة
وتختلف النسخة الثانية من حكومة الثورة عن سابقتها في أنها اعتمدت معيار الوزير السياسي بدلا من التكنوقراط، وثبتت ذلك بتعديل الوثيقة الدستورية.
كما تمثل مشاركة الحركات المسلحة تطورا جديدا بعد أن منحوا 7 وزارات، لكن ذلك يمثل تحديا أيضا لجهة أنه أصبح للحكومة الآن حاضنتان بدلا من حاضنة واحدة؛ هما الحركات المسلحة وقوى الحرية والتغيير.
ورغم أن وزارتي الدفاع والداخلية لم يكن متوقعا أن يبادر المكون العسكري إلى إجراء تغيير فيهما، فإن العسكر فضلوا إبدال وزير الداخلية بترشيح الفريق كمال عبد المنعم قبل أن تسري في منصات التواصل بعض التحفظات عليه.
وعليه فقد فضّل المكون العسكري ترفيع مدير عام الشرطة الفريق أول عز الدين الشيخ ليكون وزيرا للداخلية، في ظل الاستحسان الذي ظل يجده كمدير للشرطة.
وأبقى حمدوك على وزراء من الحكومة السابقة هم وزير الدفاع الفريق ياسين إبراهيم ياسين، ووزيرة التعليم العالي انتصار صغيرون، ووزير العدل نصر الدين عبد البارئ، ووزير الري ياسر عباس، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح.