خربة حِمصة.. فصل في مسلسل تفريغ الاحتلال لأغوار فلسطين

حمصة الفوقا هي القرية الأولى التي تُهجّر كاملة منذ احتلال الأغوار الفلسطينية بعد حرب 1967

الاحتلال يفكك مساكن ومنشآت أهالي حمصة في واحدة من أوسع عمليات تهجير سكان الأغوار (الجزيرة)

لليلة الثالثة ستبيت عائلة ياسر أبو الكباش في العراء مع 10 عائلات فلسطينية تسكن خربة حِمصة الفوقا بالأغوار الشمالية الفلسطينية، على حدود الضفة الغربية مع الأردن، بعد أن هدم الاحتلال القسم الأول من مساكنها، الاثنين، واستكمل الأربعاء هدم التجمع، الذي يضم نحو 70 مسكنا ومنشأة، بشكل كامل.

وينتظر أبو الكباش وأسرته المكونة من 17 فردا، مصير التهجير الفعلي بعد أن لجأ أجداده من منطقة الخليل (جنوب الضفة الغربية) إلى هذه المنطقة منذ عام 1955 إثر تهجيرهم في نكبة فلسطين عام 1948.

وكان الرجل يتنقل ظهر الأربعاء بين بقايا فراش وهياكل حطمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي لحظائر مواشيه، بعد انتهاء إخطار عسكري للسكان بالرحيل مدته 48 ساعة، حيث بدأت طواقم الاحتلال بتفكيك كافة مساكن ومنشآت التجمع، ونقلها إلى مناطق فروش بيت دجن وعين شبلي (جنوب الأغوار) بالضفة الغربية.

ويقول أبو كباش للجزيرة نت "سكنا هذه الأرض طيلة حياتنا، ويريدون الآن تهجيرنا إلى مناطق يسيطر عليها المستوطنون وقوات الاحتلال أيضا".

وسبق أن تعرضت حمصة الفوقا، التي يسكنها نحو 80 فلسطينيا، للهدم كاملة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهدم الاحتلال حينها 73 مسكنا ومنشأة جميعها من الصفيح، حيث يمنع البناء الحجري في الأغوار؛ لكن الأهالي أعادوا بناء مساكنهم، ليهدمها الاحتلال مجددا الأربعاء.

جندي إسرائيلي يشرف على مصادرة هياكل مساكن أهالي حمصة في الأغوار الشمالية الفلسطينية (الجزيرة)

يقول الناشط الحقوقي في مناطق الأغوار، عارف دراغمة، للجزيرة نت إن خربة حمصة تعرضت للإخلاء 11 مرة لإجراء تدريبات عسكرية خلال السنوات الأربع الأخيرة، ومنذ ذلك الحين يتعرض الأهالي لمصادرة جراراتهم الزراعية وملاحقة مربي المواشي منهم، كما يُصعّب الاحتلال نقل المياه بالصهاريج إلى مساكنهم.

وفي عام 2017 تسلمت عائلات حمصة أولى إخطارات وقف البناء وهدم مساكنهم القائمة، وجرى الهدم فعلا لعدة مساكن، وصولا إلى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حيث هدمت الخربة بالكامل؛ لكن سكانها رفضوا مغادرة أراضيهم.

وفي المنطقة التي لم ينته أهلها من حراثة أراضيهم للمحاصيل الربيعية بعد، فرضت قوات الاحتلال الأربعاء طوقا شاملا، ومنعت عشرات المتضامنين والصحفيين من وصولها لتوثيق عملية الهدم والترحيل، التي يصفها رئيس هيئة شؤون الاستيطان في السلطة الفلسطينية، وليد عساف، بأنها التهجير الأوسع منذ هدم وتهجير وادي الحمص (جنوب القدس) في يوليو/تموز 2019.

يقول عساف إن سلطات الاحتلال في الأعوام الأخيرة فصلت العديد من التجمعات الفلسطينية بضواحي القدس والأغوار الفلسطينية على الحدود الشرقية والشمالية الشرقية للضفة الغربية، ومنها تجمعات أبو نوار وجبل البابا والخان الأحمر، واعتبر تهجير حمصة أولى خطوات التنفيذ الفعلي لتهجير هذه التجمعات، وتطبيق مخطط ضم أراضي الضفة الغربية إلى المستوطنات الإسرائيلية القريبة.

ووفق عساف، فإن حمصة الفوقا هي القرية الأولى التي تُهجّر كاملة منذ احتلال الأغوار الفلسطينية بعد حرب 1967. وفي حال نجاحها، فإن "التطهير العرقي للفلسطينيين من القرية التي تقع على سهل البقيعة لن يقف هناك".

يحذر مسؤولون فلسطينيون من أن تهجير حمصة سيفرغ سهل البقيعة من الفلسطينيين تماما (الجزيرة)

تفريغ أهم سهول الضفة

وتقع حمصة الفوقا في قلب سهل البقيعة الممتد على 60 ألف دونم من أخصب أراضي فلسطين الزراعية، ويشمل المثلث قرى المالح والفارسية ثم عين البيضا (شمالا)، ويعود (جنوبا) إلى قرى مرج نعجة ومرج غزال ثم إلى الجفتلك وفروش بيت دجن، وجميعها مهددة بالتهجير الإسرائيلي.

يقول عساف "إذا تم إخلاء حمصة الفوقا وكذلك تنفيذ التهديد بإخلاء خربتي مكحول والحديدية القريبتين، سيتم تفريغ المثلث، الذي تبلغ مساحته 200 ألف دونم، من الوجود الفلسطيني كاملا بما فيه سهل البقيعة أهم سهول فلسطين في الضفة الغربية.

ويعتبر سهل البقيعة أبرز مصادر سلال الفلسطينيين الغذائية، لا سيما زراعة القمح وتربية الثروة الحيوانية، إلى جانب أهميته الإستراتيجية فهو امتداد أراضي فلسطين إلى أراضي نهر الأردن؛ أي ما يعرف بحدود الدولة الفلسطينية مع الأردن.

بانتظار اقتلاع آخر

وفيما يخطط الاحتلال إلى دفع سكان حمصة للهجرة إلى قريتي فروش بيت دجن وعين شبلي (جنوبا)، يقول السكان إنها مناطق محاطة بالمستوطنين ومهددة بإخطارات الترحيل الإسرائيلية أيضا. وقال مسؤول هيئة الاستيطان إن الاحتلال سينفذ عملية تهجير مؤقتة بانتظار اقتلاعهم ثانية إلى مناطق أخرى.

ووفق المصادر الحقوقية، ففي شهر واحد فقط سلم الاحتلال الإسرائيلي إخطارات لهدم 150 منشأة سكنية وزراعية في الأغوار، فيما سُجل اقتلاع أكثر من 10 آلاف شجرة حرجية (شرقي طوباس) بالأغوار الشمالية.

ورغم المراسلات الدولية التي أجرتها السلطة الفلسطينية في اليومين الأخيرين لوقف تهجير حمصة الفوقا، كما أعلن رئيس الحكومة محمد اشتية، إلا أن وليد عساف انتقد ما وصفه بالصمت الدولي من الاتحاد الأوروبي ومحكمة الجنايات والأمم المتحدة ومجلس الأمن، وقال إن هذا الصمت سيكون له مخاطر على باقي التجمعات المهددة بالأغوار.

وتحولت الخربة في السنوات الأربعة الأخيرة إلى مسرح للتدريبات العسكرية الإسرائيلية، التي كانت تجبر الأهالي على مغادرة مساكنهم لأيام بسبب استخدام الذخيرة الحية، إلى جانب تهديدات المستوطنين في مستعمرتي " روعيه" و"بكعوت" المقامة على أراضيهم.

وتسعى إسرائيل إلى إخلاء التجمع ومحو أي أثر فلسطيني فيه وتسليمه للمستوطنين، وكذلك استخدامه لأغراض عسكرية واقتصادية زراعية.

وتمثل حمصة واقع 27 قرية وتجمعا سكانيا في مناطق الأغوار، التي تشكل ربع مساحة الضفة الغربية، وتسعى إسرائيل إلى تصفية الوجود الفلسطيني فيها وتحويلها إلى مناطق استيطانية وعسكرية، وضمّها إلى "دولتها" ضمن مخططات ضم 30% من أراضي الضفة الغربية.

المصدر : الجزيرة