هل يرفض رئيس برلمان مصر السابق العمل في الظل؟
"يرضيك يا أستاذ مصطفى أكون رئيس مجلس، وبعدين أبقى (ثم أتحول إلى) عضو"؟!.. تلك الجملة نقلها النائب مصطفى بكري عن عبد العال لتوضح حزن الرجل جراء استبعاده من رئاسة مجلس النواب.
بعد 5 أعوام من صخب قيادة البرلمان المصري، وجد الدكتور علي عبد العال نفسه يساق إلى صفوف الظل الصامتة بعدما فقد منصبه رئيسا لمجلس النواب في دورته الجديدة، مما استدعى منه ردة فعل جلبت عليه انتقادات البعض.
ردة فعل عبد العال الذي لا يزال عضوا بالمجلس وإن لم يعد رئيسا، تلخصت في اختفائه التام عن البرلمان، فامتنع عن حضور الجلسات التي يفترض أن يحضرها بوصفه نائبا عن الشعب بعد أن كان ضمن الفائزين في الانتخابات التي أجريت نهاية العام الماضي.
لم يصدر تصريح مباشر من أستاذ القانون الدستوري الذي تجاوز السبعين عاما، لكن الأمور بدأت تتكشف مع الوقت، فالرجل لم يتوقع -على ما يبدو- أن يتم التخلي عن مجهوداته لصالح المستشار حنفي الجبالي الذي صار خلفا له في رئاسة البرلمان.
بداية الأزمة
كان عبد العال تقلد في أوائل عام 2016 منصب رئيس مجلس النواب المصري بغالبية أصوات أعضاء البرلمان.
وربما بنى الرجل طموحاته في الإبقاء عليه رئيسا للبرلمان على أساس تاريخ الدكتور فتحي سرور رئيس البرلمان في زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك، حيث استمر في منصبه لأكثر من 21 عاما، خاصة وأن عبد العال مرّر ما يزيد على 800 قانون كانت في مجملها إن لم تكن كلها على هوى النظام الحاكم.
لكن ما جرى يوم 12 يناير/كانون الثاني الماضي تحت قبة البرلمان في جلسته الافتتاحية للفصل التشريعي الجديد، كان عكس طموحات الرجل وتوقعاته، حيث لم تختره الأغلبية هذه المرة، وإنما اختارت غيره.
في ذلك اليوم، أدى رئيس مجلس النواب السابق اليمين الدستورية، وصفق له عدد قليل من الأعضاء، ثم غادر مبنى البرلمان قبل أن يُعلن عن اسم الرئيس الجديد، وتحدثت بعض الصحف المحلية عن أنه جلس في غرفة منفردة بالمبنى ولم يتمالك دموعه.
لم يرشح عبد العال نفسه من الأساس لرئاسة البرلمان مما يعني أن استبعاده قد تم الترتيب له قبل انعقاد الجلسة الافتتاحية للمجلس، لكن المثير أنه لم يحضر بعد ذلك أي جلسة من جلسات البرلمان، وتوالى الهمس حول أسباب هذا الغياب إلى أن تحوّل الهمس إلى أصوات زاعقة وصلت حد المطالبة باتخاذ الإجراءات القانونية ضده.
أمام ذلك ترددت شائعات داخل المجلس تُرجع اختفاء عبد العال إلى مرضه ووجوده في أحد المستشفيات للعلاج، لكن النائب المقرب للسلطة مصطفى بكري نفى ذلك، مؤكدا أنه يقضي حياته بشكل طبيعي داخل منزله.
وفي الجلسة العامة للمجلس أمس الاثنين، تناول عدد من النواب لأول مرة مسألة غياب الرئيس السابق للبرلمان، مطالبين بتطبيق اللائحة عليه، حيث تنص المادة 362 منها على إخطار رئيس المجلس أو رئيس اللجنة كتابيا بغياب أي عضو، ولا يجوز للعضو أن يتغيب أكثر من 3 جلسات في الشهر، إلا إذا حصل على إجازة أو إذن من المجلس.
وإذا تغيب العضو عن حضور جلسات المجلس أو لجانه بغير إجازة أو إذن، يسقط حقه في المكافأة عن مدة الغياب.
حزن عميق
"يرضيك يا أستاذ مصطفى أكون رئيس مجلس، وبعدين أبقى (ثم أتحول إلى) عضو"؟!.. تلك الجملة نقلها النائب مصطفى بكري عن عبد العال لتوضح ما يعيشه الرجل من حزن جراء استبعاده من رئاسة البرلمان.
وأضاف بكري -في تصريحات صحفية- أن الرئيس السابق للبرلمان يفكر في إرسال خطاب للتنازل عن مكافأة المجلس.
وعن سبب اختيار الجبالي بديلا لعبد العال، رأى بكري -وهو أيضا نائب بمجلس النواب- أن الأخير كانت له وجهات نظر متباينة مع حزب مستقبل وطن صاحب الأغلبية البرلمانية.
وأردف "المرحلة الجديدة في البرلمان وتغيير 80% من الوجوه جعلت البعض يرى أنه لا بد من تغيير رئيس المجلس، لكن مع ذلك قدم عبد العال للوطن الكثير وتحمّل على مدار 5 سنوات وتصدى لقضايا سببت له مشاكل مع الشارع المصري، لكنه رجل دولة حقيقي دافع عن مؤسسات الدولة وهو موضع تقدير من القيادة السياسية"، على حد قول بكري.
واستبعد بكري أن يقدم عبد العال استقالته من مجلس النواب، واستطرد "رغم أن البعض طالبه بذلك، فإنه قال أنا رجل دولة ولن أستقيل".
تصريحات بكري دفعت رئيس الهيئة البرلمانية لحزب "مستقبل وطن" أشرف رشاد للرد عليها، قائلا "ما حدث بين الحزب والدكتور علي عبد العال كان بسبب الاعتراض على مخالفته اللائحة في إدلائه برأيه من فوق المنصة". وأكد أن عبد العال كان يحتكر اللائحة الدستورية لنفسه فقط، رغم أنه رجل قانون ودستور.
وأمام تصاعد الأزمة، نقلت صحيفة "المصري اليوم" عن مصادر مقربة لعبد العال اعتزامه تقديم استقالته للبرلمان عقب موجة الهجوم التي تعرض لها في الجلسة العامة للمجلس أمس الاثنين.
وأوضحت المصادر أن بديل عبد العال في البرلمان سيكون نجل شقيقه أشرف ربيع عبد العال، وهو مرشح احتياطي في قائمة الجيزة والصعيد.
الغاضب والمغضوب عليه
في مقال حمل عنوان "علي عبد العال.. الغاضب والمغضوب عليه"، قال الكاتب الصحفي عصام كامل إن رئيس مجلس النواب السابق يرفض الاعتراف بسنة الحياة، مستنكرا أن يشترط المرء البقاء في صدارة المشهد ويفرض نفسه رغما عن الأغلبية التي رأت أن هناك غيره أجدر.
وأوضح كامل الذي يترأس تحرير موقع "فيتو"، أن الأكثرية رأت الأداء البرلماني لعبد العال باهتا وضعيفا وهزيلا في منصب رئيس للمجلس.
وتابع "الرجل رغم علمه الوفير فإن غياب العلاقة بينه وبين اللغة العربية وضعه في وضع أساء إلى المنصب قبل الإساءة إلى سيادته"، في إشارة منه إلى الأخطاء اللغوية التي اشتهر بها عبد العال في كلماته البرلمانية.
ليست اللغة العربية وحدها السبب، حيث أكد الكاتب الصحفي أن أداء عبد العال اتسم بحالة من العصبية لا يجب أن يكون عليها رئيس مجلس نواب مصر.
وأردف "لم يكن يستحق أن يكون رئيسا لمجلس النواب من أساسه.. هذا ما يقوله البعض، بينما يرى آخرون أن الرجل أدى دورا مهما في ظرف لم يكن يقبل أفضل منه".
الانتقاد الذي حمله المقال نقله أيضا في شكل عتاب الإعلامي المقرب للسلطة عمرو أديب عبر برنامجه التلفزيوني "الحكاية"، حيث استنكر غياب الرجل عن جلسات البرلمان ورفضه تداول السلطة، وتساءل "يعني هو أبقى رئيس المجلس أو مشتغلش؟ (لن أعمل)"، مؤكدا ضرورة التعود على الحياة السياسية التي تدور دون توقف.
وتابع "مينفعش (لا ينفع) كل واحد يبقى في منصب ولما يسيبه يزعل، إحنا موجودين (نحن موجودون) في البلد عشان (لأجل) البلد"، ووجّه حديثه إلى رئيس البرلمان السابق قائلا "لازم تبقى موجود (لا بد أن تظل بيننا) ونستشيرك ونتعلم منك".
عاقبة النفاق
من الأساس لم يكن عبد العال يصلح لمنصب رئيس برلمان مصر، وفق رؤية البرلماني السابق الدكتور عز الدين الكومي، لكن ثمة حسابات أخرى يتم بناء عليها اختيار الرجال في المناصب، كما يقول، مضيفا أن "إجادة عبد العال لنفاق السلطة وتمريره القوانين التي في غير صالح الشعب كانا السبب وراء اختياره كرئيس للبرلمان في الدورة السابقة".
وتابع في حديثه للجزيرة نت "لم يشفع له تنفيذ كل ما أراده النظام خلال 5 سنوات من تمرير قوانين سيئة السمعة وتقيد الحريات وتصنع فرعونا.. وهكذا يكون وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب".
وأوضح النائب البرلماني أن عبد العال توقع أن ينال مكافأة أمام كل ما قدمه للنظام بأن يكون رئيسا للبرلمان فترة ثانية، متجاهلا أن هناك دائما من أولى منه حسب طبيعة المرحلة.
بدوره، تطرق أستاذ فلسفة القانون بجامعة الزقازيق الدكتور محمد نور فرحات إلى أبرز المخالفات الدستورية التي قام بها عبد العال خلال رحلة السنوات الخمس الماضية.
وكتب عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "لا داعي لقلب الحقائق بالحديث عن الدور التشريعي التاريخي لرئيس مجلس النواب السابق، إلا لو كان المقصود الإشارة لدوره التاريخي في مخالفة الدستور".
وعدّد فرحات المخالفات مثل الامتناع عن إقرار تشريعات تطلّب الدستور إقرارها في أول دور انعقاد، وتمرير مئات القوانين دون مناقشة جدية، والموافقة على مد حالة الطوارئ أكثر من مدتين دون استفتاء الشعب، وتمرير اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، والموافقة على تعديل دستور عام 2014 رغم الحظر الوارد في المادة 226 بعدم المساس بمدد الرئاسة.