تورطت بالتصفيات ونشرت الرعب.. هل يقود اعتقال عصابة الموت في البصرة إلى كشف قتلة المحتجين؟
السلطات العراقية ما زالت تتحفظ على كشف أو نشر أي معلومات أولية تخص أفراد العصابة وجرائمها
نشرت الموت في الشوارع وأزهقت الأرواح، بهذه الكلمات أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الاثنين الإطاحة بـ"عصابة الموت" المسؤولة عن قتل ناشطين وصحفيين خلال الأشهر والسنوات الماضية بمحافظة البصرة جنوبي البلاد، متعهدا بمحاكمتهم علنا.
ومنذ صدور هذا الإعلان، يترقب العراقيون والناشطون في الاحتجاجات الشعبية الكشف عن تفاصيل عملية الإطاحة بـ"عصابة الموت" التي أعلن عنها الكاظمي، وقال إنهم متورطون بقتل الناشطة جنان ماذي والصحفي المعروف أحمد عبدالصمد في البصرة.
اقرأ أيضا
list of 3 items100 يوم على اغتياله.. عدم محاسبة قتلة الباحث العراقي هشام الهاشمي تشعل مواقع التواصل
واشنطن بوست: تعهد بتحقيق العدالة.. هل يكسب الكاظمي المعركة ضد قتلة المحتجين؟
ومع أن السلطات العراقية ما زالت تتحفظ على كشف أو نشر أي معلومات أولية تخص أفراد العصابة وجرائمهم، فقد أثار انتفاض ذوي الناشط بمظاهرات البصرة، تحسين الشحماني، الذي قتل العام الماضي برصاص مجهولين، ومطالبتهم بمقابلة أفراد العصابة، الكثير من علامات الاستفهام حول الجرائم والتصفيات التي تقف خلفها مجموعة الموت.
كشف الجناة
من البصرة، وصلت عائلة الناشط تحسين الشحماني إلى بغداد طالبة الكشف عن قتلة ابنهم ومقابلة المتهمين، وأجرت مقابلة لهذا الغرض بمكتب وزير الداخلية عثمان الغانمي.
ويقول حسين الشحماني، عم الناشط تحسين الذي اغتيل بـ21 رصاصة وسط البصرة العام الماضي، للجزيرة نت، إن مجيئهم إلى العاصمة بغداد يأتي لمتابعة قضية ابنهم ومعرفة تفاصيل الجريمة والحرص على كشف الجناة للرأي العام.
وتمكن موقع الجزيرة نت، من الحصول على معلومات تخص "عصابة الموت" وعدد الأفراد الذين ألقي القبض عليهم، وأبرز جرائمهم في محافظة البصرة على مدى سنوات.
وقال مصدر أمني رفيع، إن "العصابة تتكون من موظف في شركة نفط البصرة، ومفوض في الشرطة القضائية في البصرة، وطالب في كلية القانون جامعة البصرة، فضلا عن مدير شركة للتطوير الفني للمقاولات"، مبينا أن "المتهمين اعترفوا بانتمائهم إلى مجموعة إجرامية خارجة عن القانون، ما زال الجهد الاستخباري يبحث عن زعيمهم الهارب".
وبحسب المصدر، تضم عصابة الموت "6 متهمين آخرين ما زالوا هاربين مع رئيس العصابة أحمد عبدالكريم ضمد والمعروف بأحمد طويسة"، مبينا أن "أفراد المجموعة يخضعون للتحقيق على يد فريق من جهاز الاستخبارات العراقي".
وأكمل المصدر في حديثه للجزيرة نت، أن "اعترافاتهم الأولية كشفت عن عمليات نفذت ضد شخصيات حكومية وتجارية وسياسية وناشطين وشخصيات ذات توجهات مختلفة، بينها عملية اغتيال مدير شعبة رفع التجاوزات في البصرة، مكي التميمي عام 2016، واغتيال الناشط مجتبى أحمد جاسم عام 2019، فضلا عن اغتيال الناشطة جنان ماذي، والصحفيين أحمد عبدالصمد وصفاء غالي العام الماضي، وعمليات أخرى، بينها استهداف أرتال التحالف الدولي بعبوات ناسفة".
تفاصيل الملف
حاول موقع الجزيرة نت التواصل مع القيادات الأمنية لمعرفة المزيد من المعلومات حول التحقيقات الجارية مع أفراد عصابة الموت، لكنهم اعتذروا عن عدم التصريح بتوجيهات عليا مشددة، وفي وقت لم تعلن السلطات العليا في البلاد أي معلومات عن العصابة ونشاطها في البصرة، فقد أكدت مصادر أمنية، أن قوة أمنية مختصة من الاستخبارات والمخابرات وقيادة عمليات البصرة أجرت عملية كشف الدلالة للجرائم التي ارتكبتها العصابة، دون إعلان رسمي.
وتحدثت مصادر مطلعة على مجريات التحقيق المستمر مع العصابة للجزيرة نت، أن الكاظمي يعتزم الكشف عن تفاصيل هذا الملف خلال الأيام المقبلة، وقام بإلغاء مؤتمر صحفي للقيادات الأمنية، كان من المقرر عقده نهار أمس، للكشف عن المعلومات الأولية، مفضلا إعلان نتائج التحقيقات بمؤتمر أمني خاص خلال الأيام المقبلة، وسط احتمالٍ بزيارة الكاظمي للبصرة.
وكان مكتب الكاظمي قد أعلن في 3 سبتمبر/أيلول الماضي، تشكيل لجنة دائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم الاستثنائية، برئاسة، أحمد أبو رغيف.
ويرى المحلل السياسي بسام القزويني أن لجنة مكافحة الفساد والجرائم الاستثنائية وبعد مضيها في الملف الأول (مكافحة الفساد) ونجاحها في تنفيذ بعض المهمات ضد مسؤولين سابقين متهمين بالفساد وصدور أحكام قضائية ضدهم، بحاجة إلى تفعيل القسم الثاني من عنوانها وهو (الجرائم الاستثنائية) التي تتعلق بقتل الناشطين المدنيين والمتظاهرين.
وأضاف القزويني في حديث للجزيرة نت أن "القبض على عدد من أفراد عصابة عليها أدلة توثق بأنها معنية بقتل صحفيين وناشطين، يدل على ضعف وتشتت قوى اللادولة، التي لم تأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة، وستكون له انعكاسات سياسية واجتماعية كبيرة، خاصة أن هذا النوع من الجرائم لا تستطيع عصابة عادية تتكون من عدة أفراد القيام به لسنوات بمحافظات بعيدة عن النشاط الإرهابي، دون غطاء معين".
وأشار القزويني إلى أن الإطاحة بعصابة الموت يتضمن رسالة مطَمئنة للمتظاهرين وأحد الخيوط المهمة لمعرفة ما يعرف بالطرف الثالث الذي يقف وراء اغتيال العديد من الناشطين، ويمكن أن تسهم بتوفير بيئة أمنية ملائمة للانتخابات المبكرة، خاصة مع توقعاتنا باعتقالات مشابهة، الأمر الذي يمهد لأن تكون لجنة الفساد والجرائم الاستثنائية هي البداية الصحيحة لإعادة الثقة للمواطن.
الجماجم النبيلة
ويقول أستاذ الأمن الوطني في كلية العلوم السياسية بجامعة النهرين د. حسين علاوي، إن تراكم الجماجم النبيلة للعراقيين والتي تتساقط منذ عام 2006 حتى الآن، وأصوات التغيير الذي يطالب به المحتجون، جميعها أدت لهذا الإنجاز المهم بخصوص القبض على "عصابة الموت" في البصرة، متوقعا المزيد من عمليات الإطاحة بالمتورطين بالدم العراقي والابتزاز لسنوات.
وأضاف علاوي للجزيرة نت أن "العملية الأخيرة تبين نجاح الكاظمي بإعطاء الإرادة السياسية للأجهزة الأمنية"، مبينا أن الغطاء السياسي استثمر طويلا في هذه العصابات الإجرامية، لكن ما جرى منذ احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 وتشكيل حكومة الكاظمي لاحقا، دفع على فترات متواصلة السلطات إلى إجراءات تضمنت عمليات أمنية واستخبارية، جميعها أدت لتعزيز سلطة الدولة التي ترجمت بالوصول إلى الإطاحة بهذه العصابة الإجرامية.
وعن احتمالية أن تكون الإطاحة بهذه العصابة اتفاقا ضمنيا مع الأطراف أو الأحزاب النافذة التي تقف وراء قتل النشطاء، والتي تعرف بالطرف الثالث، يقول المحلل السياسي أحمد السهيل إنه "حتى الآن لا يمكن الجزم في ما لو كانت الإطاحة بالعصابة أتت ضمن اتفاقات مع الفصائل أو الأطراف النافذة، خصوصا أن تلك الأطراف لم تعلن أي موقف حتى اللحظة بخصوص القبض على العصابة".
وأشار السهيل في حديثه للجزيرة نت إلى أن "اللافت ورود معلومات عن انتماء أحد أعضاء العصابة إلى فصيل مسلح معروف، وهو ما يقلل من إمكانية أن يكون الإعلان عن عملية الإطاحة بالعصابة أتى باتفاقات مع تلك الأطراف".