يوم اعترف العراق بالحكم الذاتي للأكراد.. هل كان إقرارا بحقوقهم أم لزرع الانقسام في صفوفهم؟
مراقبون يرون أن حل المسألة الكردية هو مفتاح الاستقرار للعراق والمنطقة

بعد نحو عامين من المعارك العنيفة بين الجيش العراقي والمقاتلين الأكراد بزعامة مصطفى البارزاني، وافق الطرفان على توقيع اتفاقية 10 فبراير/شباط 1964، التي كان من أبرز بنودها إقامة حكم ذاتي للكرد وحفظ حقوقهم القومية.
واندلع القتال بعد حملة عسكرية كبيرة شنّها الرئيس الأسبق عبد الكريم قاسم عام 1961 ضد مواقع البارزاني لإعاقة خططه في إقامة حكم ذاتي شمال العراق، لكن الحملة توقفت بعد إطاحته ووصول الرئيس عبد السلام عارف إلى الحكم عام 1963.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsقصة الأكراد.. 100 عام من الحرب والخذلان
بعد خذلان ترامب.. هل يكسر بايدن قاعدة "ليس لهم صديق سوى الجبال" ويحقق حلم الدولة لأكراد العراق؟
بدأت القضية الكردية تتضح بعد إلحاق إقليم كردستان بالعراق نهاية عام 1925، إذ إن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تكن تدرك خصوصية القومية الكردية، حسب رئيس الأكاديمية الكردية في إقليم كردستان العراق الدكتور عبد الفتاح البوتاني.

صراع مزمن
ويشير البوتاني -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن تلك الحكومات لم تطبق شروط إلحاق الإقليم بالعراق، التي كانت تتضمن حقوقا قومية متواضعة للأكراد.
ولهذا فإن التعنّت -كما يضيف البوتاني- في عدم تنفيذ مطالب الحركة القومية الكردية في العراق أدى إلى نشوب عدد من الانتفاضات والحركات المسلحة، وأطول هذه الحركات المسلحة كانت انتفاضة سبتمبر/أيلول عام 1961.
في الذكرى ال59 لثورة أيلول بقيادة الملا مصطفى بارزاني تحية لكل الثوار من أجل الحرية والمساواة في كل مكان. pic.twitter.com/EP8DAmbpsf
— JUDGE Zebari ⚖ ⚖ …. 🆎dulrahman (@aszebari) September 11, 2020
ويبيّن البوتاني أن الدول الإقليمية التي تضمّ أجزاء من كردستان، مثل تركيا وإيران والعراق، اتفقت على قمع الحركة الكردية آنذاك، وأطلقت في يونيو/حزيران عام 1963 عملية "دجلة"، فقد اجتمعت هذه الدول لوضع خطة كادت أن تقضي على الثورة الكردية، لولا تدخل الاتحاد السوفياتي والأمم المتحدة.
وبدوره يقول أستاذ العلاقات الدولية الدكتور محمد إحسان إن الحركة الكردية في العراق مرت بمراحل عدة، منذ بداية تأسيس الدولة العراقية، ويضيف أن انقلاب عبد الكريم قاسم وإسقاط العهد الملكي عام 1958 أعطى نقلة نوعية للفكر القومي الكردي والحركة التحررية الكردية في العراق.
ويعزو إحسان ذلك إلى أن المادة الثالثة من الدستور العراقي حينئذ ذكرت لأول مرة أن الشعب العراقي يتكون من قوميتين أساسيتين هما الكرد والعرب، وهذا أحدث طفرة نوعية في النضال الكردي في العراق، لأنهم في سوريا كانوا معدومي الهوية، وفي تركيا كان يطلق عليهم تسمية أتراك الجبال، وفي إيران انصهروا ضمن الثقافة الفارسية.
وينوّه إحسان بأن الصراع المسلح تواصل في أثناء حكم قاسم، إلا أنه بعد وصول البعثيين إلى الحكم حدث نوع من التفاهم المؤقت بينهم وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1964.

هدنة مؤقتة
وبعد انقلاب عبد السلام عارف على البعثيين في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1963، أدرك النظام الجديد عدم إمكانية القضاء على التمرد الكردي بالخيار العسكري، ولهذا اضطرت الحكومة إلى فتح باب المفاوضات عام 1963، كما يفيد البوتاني.
ويضيف الأكاديمي الكردي أن هذه المفاوضات نجحت وتم توقيع هدنة لوقف إطلاق النار في 10 فبراير/شباط 1964، وحصل الكرد بموجب هذه الهدنة على بعض الحقوق القومية التي كانت تضم 8 نقاط. ويلفت البوتاني إلى أن تلك الحقوق لم تكن تلبّي كل مطالب الشعب الكردي، فأدت إلى انشقاق الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى جناحين، جناح المكتب السياسي وجناح بقيادة مصطفى بارزاني.
ويعتقد الكاتب السياسي الكردي ريبوار علي جلبي أن اتفاق فبراير/شباط بين عبد السلام عارف والحركة الكردية لم يكن هدفه منح الكرد حكما ذاتيا، وإنما أراد عارف تطبيق مبدأ "فرّق تسد" داخل الحركة الكردية. ويضيف جلبي -للجزيرة نت- أن الانشقاق الكردي حدث بسبب عدم وجود العقلية الجماعية لإدارة الحزب، والنزعة العشائرية المهيمنة حينئذ.
ويلفت إلى أن شاه إيران محمد رضا بهلوي أراد أن يلعب بالكرد كورقة سياسية لحل مشكلات طهران الحدودية والاقتصادية مع العراق، ونال مبتغاه عام 1975، وترك الحركة الكردية وحيدة، وكل ذلك دليل على أن القيادات الكردية آنذاك لم تكن بالمستوى المطلوب لتلك القضية المصيرية.
ومن جانبه يوضح البوتاني أن الجناح السياسي للأكراد اعترض على عدم ورود مصطلح الحكم الذاتي في اتفاقية فبراير/شباط، ولهذا اتهموا مصطفى البارزاني بأنه تنازل كثيرا لحكومة عارف، وفعلا بعد اجتماعات طويلة وزيارات مكوكية بين بغداد وحاج عمران لم تنفذ هذه الاتفاقية، وكانت النتيجة النهائية استئناف القتال في 2 أبريل/نيسان 1965.

الحكم الذاتي
وبعد سنوات من الصراع توصلت بغداد وكردستان إلى اتفاق جديد في 11 مارس/آذار 1970. ويقارن الدكتور إحسان بين الاتفاقين بالإشارة إلى أن بنود اتفاق 1964 كانت عامة، تتضمن عفوا عاما واسترجاع إدارات، وتعويضات، وغيرها، أما اتفاق مارس/آذار 1970 فقد ناقش الحكم الذاتي بشكل أوضح، وكان يتضمن وزارة كاملة، لكنهم سلّموا مقاليد الإقليم إلى بعثيين أكراد، وليس إلى الأحزاب الكردية المعارضة، وهذا ما تسبب بمشكلات فاقمتها تدخلات خارجية لزعزعة استقرار العراق.
ويلفت إحسان إلى أن اتفاق 1970 كان أفضل، فقد استقرت مناطق كردستان العراق حتى عام 1975، لكنّ تدخلات إقليمية ودولية، وسوء تقدير وعدم وجود نية صافية لدى حكومة العراق آنذاك عقّد الأمور.
ويرى أن حل المسألة الكردية هو مفتاح الاستقرار للعراق والمنطقة، فلو نُفّذ اتفاق 1970 بالكامل لما كانت اتفاقية الجزائر عام 1975، ولا الحرب مع إيران (1980-1988)، ولا غزو الكويت (1990-1991)، ولا حصار العراق وغزوه وتحطيمه اليوم.