السودان أمام اختبار القبلتين الصينية والأميركية

كان الطريق ممهداً أمام الصين طوال سنوات حكم الرئيس السوداني المعزول عمر البشير (1989-2019) للعمل مع حكومة الخرطوم كحليف.
وآنذاك، استفادت بكين من تباعد نظام البشير عن الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، منذ أن وضعت الإدارة الأميركية السودان في قائمة "الدول الراعية للإرهاب" قبل نحو 28 عاما، وما تبع ذلك من عقوبات سياسية واقتصادية فرضت على الخرطوم عزلة دولية.
غير أن مياها كثيرة جرت بعد عزل البشير في أبريل/ نيسان 2019، وظهرت متغيرات جديدة بعلاقات الخرطوم الدولية، في مقدمتها التقارب مع واشنطن عقب إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في أكتوبر/تشرين الأول 2020، والدعم الأميركي والأوروبي للحكومة الانتقالية.
ويرى المراقبون أن تغير المعادلة لا يعني بالضرورة إشعال المنافسة لدرجة الصراع بين واشنطن وبكين على هذا البلد الأفريقي الغني بالموارد الطبيعية التي تتنوع بين بترول وغاز طبيعي ومعادن وعلى رأسها الذهب، علاوة على امتلاك السودان أراضي زراعية شاسعة وثروة حيوانية ضخمة تنتظر الاستغلال.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأت وتيرة العلاقات السودانية الأميركية تتجه إلى تحسن كبير، بحسب الخطوات التي تمت من الجانبين، ولعل أبرزها إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، علاوة على توسط إدارة (الرئيس السابق) دونالد ترامب في الاتفاق على تطبيع العلاقات بين تل أبيب والخرطوم.
وتوالت كذلك الاتصالات بين الإدارة الأميركية والسودانية (الانتقالية) وأكد أندرو يونغ نائب قائد القيادة العسكرية الأميركية بأفريقيا "أفريكوم" أن بلاده ترغب في تقوية علاقتها مع الخرطوم وتعزيز التعاون العسكري.
في المقابل، لطالما اعتبرت الخرطوم محطة أفريقية مهمة للصين التي نفذت مشاريع اقتصادية كبيرة في هذا البلد لا سيما قطاع النفط والإنشاءات.
وسبق أن اتجهت الخرطوم إلى بكين لاستخراج النفط عقب الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة منذ عام 1997، وساعدت الصين السودان في دخوله قائمة الدول النفطية عام 1999.
وفي 20 يناير/كانون الثاني الماضي، قالت وزيرة المالية المكلفة هبة محمد علي، في تصريحات صحفية، إن مديونية السودان لصالح الصين بلغت 2.5 مليار دولار. في حين تقدر استثمارات بكين في البلاد بنحو 15 مليار دولار، بحسب آخر إحصائيات حكومية.
ويرى الخبير السياسي حاج حمد محمد أن "التوجه الأميركي نحو أفريقيا بشكل عام، والسودان بشكل خاص، ظل يأخذ طابعا عسكريا فيما يشبه عسكرة صراع الأسواق، فالسلاح والتدريب مدخل الولايات المتحدة لهذه الدول، وتهدف واشنطن دائما لمحاولة استغلال السودان لمزيد من الهيمنة والتبعية للأسواق العالمية".
واستدرك "لكن كالعادة لا تستطيع أميركا والدول الأوروبية الاستمرار في ذلك، بحكم أنها ليست ذات نفس طويل في التنمية لبلد كالسودان".
وقال أيضا "بكين تتوفر لها ميزات من الصعب إزاحتها عن المشهد بأفريقيا والسودان بصفة خاصة، فهي تملك اقتصادا قويا ولا تتدخل في شؤون البلاد التي تتعامل معه، والصين لها القدرة على التعامل مع السودان لأنها تقدم شروطا عبر نظام مرن يسمح بالتسديد على فترات طويلة للديون، وليست كأميركا والغرب التي تستنزف الموارد أولا بأول".
حدود التنافس
وعن شكل المنافسة بين بكين وواشنطن على الكعكة السودانية، يرى السفير السابق ومدير إدارة الأميركيتين بالخارجية الرشيد أبوشامة أن التقارب الأميركي لن يؤثر على علاقة السودان بالصين.
وأوضح أن السودان بالفترة الانتقالية "يسير بتوازن في علاقاته الخارجية، وهذا ينطبق على العلاقات مع الصين" مضيفا أن تولي جو بادين رئاسة الولايات المتحدة "كفيل بتغيير توجهات سلفه ترامب الأكثر عدائية، وهذا التغيير سيمنح السودان فرصة مواصلة علاقته الجيدة مع الصين طالما تمضي في استثماراتها بمجال النفط".
وقد درجت الصين على تقديم مساعدات للدول الأفريقية الفقيرة، تتمثل في إعفاءات الديون، مقابل الاستحواذ على إنشاء المشاريع التنموية، وتقديم القروض لإقامة المنشآت العامة.
وغير بعيد عن هذا الرأي، يستبعد مدير هيئة الخرطوم للصحافة والنشر يوسف حمد عبد الله احتمالات نشوب صراع أميركي صيني حول السودان، ويقول "تلك الاحتمالات تبدو ضئيلة، بالاستناد إلى ما حدث من إدارة ترامب التي لم تبدِ أي رد فعل إزاء اضطلاع بكين بدور في تقديم دعم للخرطوم، رغم أن سياسته حيال أفريقيا تركزت على مواجهة روسيا الاتحادية والصين".
وأشار عبد الله إلى ضرورة انتظار وضوح خطة الرئيس بايدن، على الأقل في المئتي يوم الأولى من حكمه.
وعدد "مزايا العلاقة" بين السودان والصين، قائلا "تعد الصين الشريك التجاري الأكبر للسودان، إلى جانب كونها المستثمر الأكبر في النفط عبر الشركة الوطنية الصينية للبترول المملوكة للحكومة".
كما أشار عبد الله إلى تراجع إنتاج السودان النفطي بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، من 450 ألف برميل يوميا إلى 70 ألفا.
وتابع "صناعة البترول محبطة للغاية السنوات الأخيرة جراء السياسات الحكومية، وآفاق النفط المستقبلية التي راكمت ديونا مستحقة، وبالتالي باتت الشركات الصينية وغيرها من الشركات الماليزية والهندية أكثر ترددا إزاء التوسع بالاستثمارات النفطية، مما يعني أنه لا شيء ذو أهمية حالية يمكن النزاع حوله، سواء بشكل علني أو مستتر".
كما نبه إلى أن" الصين مهمومة بشكل أكبر بتمتين مبادرة الطريق والحزام التي تبنتها ضمن خطة أوسع للتوسع التجاري بأفريقيا، لكن مع ذلك ليس من المحتمل أن يكون السودان عظمة النزاع مع الولايات المتحدة المهتمة أكثر بالخرطوم ودعم الانتقال الجاري".