العلاقات بين تركيا وإيران.. ما هي مساحات الاتفاق والصراع بينهما؟

تتجلى المصالح التركية والإيرانية في مجالات الطاقة والتجارة، وبينما تعتمد تركيا على النفط والغاز الإيراني تشكل الواردات الإيرانية من البضائع التركية عصبا مهما في تحريك أسواق طهران

الرئيس التركي أردوغان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي This handout picture released by Turkish presidential office on November 28, 2021 shows Turkish President Recep Tayyip Erdogan (R) posing with Iranian President Ebrahim Raisi (L) as they attend the 15th Summit of Economic Cooperation Organization in Ashgabat, Turkmenistan. (Photo by Murat CETIN MUHURDAR / TURKISH PRESIDENTIAL PRESS SERVICE / AFP) / RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT "AFP PHOTO /Turkish presidential office " - NO MARKETING - NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS
الرئيس التركي (يمين) والرئيس الإيراني وتوجه لتعزيز التعاون على عدة مستويات (الفرنسية)

تتوالى الإشارات الإيرانية والتركية حول نية البلدين تعزيز العلاقات الثنائية بينهما، وتأتي في ظل عدة متغيرات، أهمها: وصول قيادة إيرانية جديدة برئاسة إبراهيم رئيسي، وسياسة أميركية جديدة لإدارة جو بايدن، مرورا بالتطورات الجيوسياسية في جنوب القوقاز، وانطلاق مباحثات فيينا بخصوص البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى ما يبدو أنه إعادة تقييم تركيا علاقاتها الإقليمية، في ظل تحسن علاقاتها مع الإمارات العربية ومصر وإسرائيل.

وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قال في تصريحات له -خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في العاصمة طهران منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- إن بلاده وتركيا اتفقتا على إعداد خارطة طريق لتأسيس تعاون بعيد المدى.

وأضاف أنه سيتم تشكيل آليات عمل مشتركة بين أنقرة وطهران، لإكساب علاقات البلدين زخما أسرع، وقال "سنطلق المباحثات الدبلوماسية بين البلدين في هذا الخصوص".

وفي تغريدة عبر حسابه على تويتر بخصوص اللقاء الذي جمع الرئيسين أردوغان وإبراهيم رئيسي على هامش قمة رؤساء منظمة التعاون الاقتصادي في تركمانستان نهاية الشهر الماضي، قال عبد اللهيان إن اللقاء جرى في "مناخ ودي وصادق للغاية".

وأضاف "تقرر تطوير العلاقات بشكل متعدد الجوانب ورفع بعض العقبات، على أن تتم مناقشة ذلك خلال زيارة أردوغان (المرتقبة) لطهران".

وتثير هذه التصريحات التساؤلات حول طبيعة العلاقات التركية الإيرانية، ومساحة الاتفاق والاختلاف فيها، وإلى أي حد يمكن أن يبلغ التعاون بعيد المدى بين البلدين.

لقاء يجمع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (يمين) مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في طهران (الفرنسية)

المساحات المشتركة

تتجلى المصالح التركية والإيرانية في مجالات الطاقة والتجارة، ويعود ذلك لاعتماد تركيا على النفط والغاز الإيراني. بالمقابل، تعتمد إيران على الواردات من البضائع التركية.

وفي تصريحات سابقة للمتحدث باسم الجمارك الإيرانية حول حجم التبادل التجاري المعلن بين البلدين، كشف روح الله لطيفي أنه خلال العام الإيراني الماضي (انتهى في 20 مارس/آذار 2021) بلغ حجم التبادل التجاري مع تركيا 6 مليارات و856 مليون دولار، وفي أبريل/نيسان الماضي وُقّعت 6 مذكرات تفاهم بهدف زيادة حجم التجارة بين البلدين إلى 30 مليار دولار.

ويضاف هذا إلى قضايا إقليمية وجيوسياسية تجمع البلدين، كمعارضتهما الطموحات الانفصالية الكردية التي تهدد وحدة أراضيهما، وسبق أن تعاونت طهران وأنقرة سياسيا وميدانيا للحيلولة دون انفصال كردستان العراق، بعد أن أجرت حكومة الإقليم استفتاء يؤيد ذلك.

وفي ما يخص السياسة الإقليمية للبلدين في الشرق الأوسط، فإن طهران وأنقرة منخرطتان في منافسة كل من السعودية وإسرائيل على النفوذ في المنطقة، وبدا ذلك واضحا للغاية أثناء المقاطعة التي قادتها السعودية وحلفاؤها لقطر، فيما دعمت أنقرة وطهران الدوحة في تجاوز آثار الحصار الذي فرض عليها.

استنفار دبلوماسي وعسكري في إيران مع سريان العقوبات الأميركية
بسبب عقوبات ترامب على إيران خلال ولايته تراجع الشراء التركي للنفط الإيراني وكذلك واردات إيران من تركيا (الجزيرة)

صراع المصالح

ومع ذلك، هناك قضايا جوهرية خلافية بين أنقرة وطهران، حيث تظل تركيا حليفا إستراتيجيا مهما للولايات المتحدة، العدو الأساسي لإيران، وعضوا فاعلا في "الناتو" رغم أن أنقرة اتخذت مؤخرا موقفا متحديا للولايات المتحدة في العديد من القضايا، بما في ذلك شراء أنظمة دفاع جوي من روسيا، وتنفيذ عمليات ميدانية في سوريا رغم التحفظات الأميركية.

بالمقابل، في العام 2018 وبسبب العقوبات التي أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرضها على إيران تم تقليص شراء تركيا للنفط الإيراني وواردات إيران من المنتجات التركية، خاصة بعد أبريل/نيسان 2019 عندما ألغت الولايات المتحدة الإعفاء الممنوح لتركيا و7 مستوردين رئيسيين آخرين للنفط الإيراني.

وفي عام 2019 انخفضت حصة النفط الخام والمنتجات النفطية في الواردات التركية من إيران بنسبة 63% وانخفض فائضها التجاري التقليدي بنسبة 79%، وأدى "الضغط الأقصى" الذي تمارسه واشنطن على طهران إلى تقليص قدرة إيران على شراء البضائع التركية.

تذبذب المواقف

يبقى الخلاف في سوريا أحد أهم معالم العلاقة بين الجانبين في العقد الأخير، كما تعد مبادرات تركيا التصالحية مع دول إقليمية كمصر والإمارات وإسرائيل والسعودية مصدر تشكك لإيران حول سياسات تركيا الإقليمية ومدى ثبات الموقف منها.

لكن الأهم من ذلك كله هو سياسات تركيا تجاه القوقاز وآسيا الوسطى، والتي تستند إلى فرضية القومية التركية التي تحظى بقدر كبير من الجاذبية للسكان الأتراك في تلك المناطق.

ويثير ذلك قلق إيران كما هو الحال بالنسبة لروسيا، بسبب الاندفاع التركي نحو "أتراك القوقاز وآسيا الوسطى"، لأن كلا منهما يعتبر هذه المساحات جزءا من نفوذه الحيوي.

وبرزت التناقضات في المقاربتين التركية والإيرانية تجاه القوقاز بقوة كبيرة خلال الصراع الأذربيجاني الأرميني في الفترة من سبتمبر/أيلول إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حيث دعمت تركيا أذربيجان إلى أقصى حد، وزودتها بالأسلحة التي كانت عاملا حاسما في انتصارها في الحرب.

بدورها، تنظر إيران بقلق أيضا إلى زيادة شعبية تركيا في البلدان ذات العرقية التركية نتيجة دعمها لباكو بعد انتصار أذربيجان، والذي منحها التواصل المباشر مع حليفتها تركيا، مما يفتح المجال لتشكيل قناة بديلة بين الشرق والغرب لتجارة الطاقة والسلع الأخرى مع أوروبا تتجاوز الممر التقليدي التي تسيطر عليه روسيا وإيران، ويقلل هذا بشكل كبير أهمية طهران لدول آسيا الوسطى، ويضيف إلى حد كبير أهمية لأنقرة.

Meeting of JCPOA Joint Commission in Vienna
تعول تركيا على رفع العقوبات عن إيران ضمن اتفاق حول الملف النووي الإيراني لرفع تبادلها التجاري مع طهران (رويترز)

آفاق محفوفة بالمخاوف

ومن المرجح في حال نجاح مفاوضات فيينا في العودة للاتفاق النووي مع إيران (خطة العمل الشاملة المشتركة التي انسحب ترامب منها في 2018) وما يترتب على ذلك من إلغاء للعقوبات المفروضة على إيران أن يتحسن حجم التبادل التجاري بين التركيا وإيران مرة أخرى.

ورغم أنها قد لا تصل إلى المستوى الذي حققته قبل عام 2018 فإنه لا يزال من المرجح أن تكون إيران موردا رائدا للطاقة لتركيا، وستستمر البضائع التركية في احتلال حصة كبيرة في السوق الإيرانية بسبب الملاءمة الجغرافية وانخفاض تكاليف النقل.

وبالتالي، فإن عناصر التعاون والتنافس متشابكة بشكل وثيق في العلاقة التركية الإيرانية، وقد يكون مطلوبا من الجانبين إدارة توازن معقد بعناية لمنع أي تصعيد كبير للتوترات، وأي تغيير في التوازن بين هاتين القوتين في الشرق الأوسط يمكن أن يعزز عدم الاستقرار في المنطقة.

المصدر : الجزيرة