المواجهة العسكرية بين روسيا والغرب بسبب أوكرانيا.. تهويل أو نتيجة حتمية؟
موسكو– بين التهديدات بفرض عقوبات جديدة والتمنيات بضرورة التواصل المباشر بين البلدين لحل النزاعات القائمة في أوروبا، انتهت المفاوضات بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن على هامش مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، الذي عقد في ستوكهولم، من دون تحقيق أي اختراق يذكر من أجل خفض مستوى التوتر العالي بين موسكو والغرب.
ويأتي ذلك وسط حديث عن احتمال اندلاع حرب كبرى بين روسيا وأوكرانيا، وتفاقم وشيك للنزاع في دونباس على خلفية تقارير عن تمركز القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية، وفشل مجموعة الاتصال الثلاثية ورباعية نورماندي في إحراز تقدم في المفاوضات بشأن تسوية سلمية للنزاع.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsشرق أوكرانيا.. سيناريو جورجيا أم قره باغ؟
مقال بواشنطن بوست: لماذا تشعر السي آي إيه بقلق شديد بشأن روسيا وأوكرانيا؟
دعم عسكري ورزمة عقوبات جديدة.. كيف تستعد واشنطن لغزو روسي محتمل لأوكرانيا؟
ورغم نفي الكرملين وجود أي استعدادات للقيام بعمل عسكري ضد أوكرانيا فإنه يعترف بتدهور الوضع.
وتشير تصريحات لمسؤولين روس إلى أن موسكو تراهن أكثر على لقاء القمة -المقررة عبر الفيديو- بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جو بايدن في السابع من الشهر الحالي، بالنظر إلى أن الاتصال المباشر على مستوى الزعيمين أصبح أكثر إلحاحًا، وفرصة لتفعيل نتائج قمة جنيف بينهما في يونيو/حزيران الماضي، كما يرى هؤلاء.
نتائج عكسية
وخلافًا لما تم الاتفاق عليه خلال القمة "التاريخية" الأخيرة بينهما في جنيف، من أجل تأكيد أهمية "اللقاء المباشر" لخفض التوتر بين البلدين، فضلًا عن نوايا المصالحة التي أظهرها الزعيمان الروسي والأميركي؛ فإن الملفات التي تسبب التوتر بينهما ازدادت وأصبحت أكثر تعقيدًا.
فبالإضافة إلى تعقد الأزمة بشأن أوكرانيا خلال الأسابيع القليلة الماضية، اندلعت أزمة الهجرة على حدود بيلاروسيا، واستؤنفت الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان.
ويشير محلل الشؤون العسكرية إيفان كونوفالوف إلى أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) رفعا مستويات التأهب لقواتهما المسلحة من الدرجة 5 إلى 4 في 30 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، بذريعة الوضع المتوتر على الحدود الأوكرانية.
ويوضح كونوفالوف أن المستوى الخامس من الاستعداد العسكري الأميركي يتوافق مع أوقات السلم، لكن واشنطن – برأيه- لا تتعامل مع المرحلة الراهنة بأنها كذلك، لذا رفعت منسوب الاستنفار العسكري إلى المستوى الرابع، الذي تصبح فيه جميع الأجهزة الخاصة -بما في ذلك المخابرات العسكرية- أكثر نشاطًا، كما كانت عليه الحال خلال الحرب الباردة بين حلفي وارسو والناتو.
ويتابع أن العلاقات بين أميركا وروسيا بسبب الأزمة مع كييف تراجعت تقريبًا إلى زمن أزمة الصواريخ الكوبية، بسبب سياسة الولايات المتحدة التي بدأت في السنوات الأخيرة ببناء قواتها المسلحة وفق نموذج يحاكي ظروف الحرب الباردة.
وبخصوص الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا، يؤكد أنها تدريبات عسكرية روتينية، ضمن مجموعة من الإجراءات المضادة التي تم تضمينها في برامج بناء وتطوير القوات المسلحة، لكنها تحمل رسائل سياسية وعسكرية، ردًا على الوضع المضطرب في أوكرانيا، ونشر قوات الناتو على طول الحدود مع بيلاروسيا.
وفي رأيه، فإن إثارة موضوع الغزو الروسي لأوكرانيا استفزاز إعلامي، جاء تمهيدًا لقيام الجيش الأوكراني بنقل القوات إلى إقليم دونباس بذريعة التدريبات الروسية، ويختم بتساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء إصرار واشنطن وحلفائها على الترويج بأن التحركات الروسية تأتي استعدادًا لعمل ضد أوكرانيا، وتثبيت كابوس المواجهة العسكرية.
مبررات القلق
في المقابل، يؤكد مدير البرامج في مركز فالداي للأبحاث إيفان تيموفيف وجود مؤشرات ترى فيها واشنطن وحلفاؤها مقدمة لعمل عسكري، على قاعدة أن استخدام القوات المسلحة الروسية ينتهي عادة بعواقب سياسية.
ويشير إلى أن تدخل موسكو في النزاع بين جورجيا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عام 2008 سرعان ما أدى إلى تغير الوضع القائم، وانتهى بالاعتراف بالحكم الذاتي بوصفهما دولتين مستقلتين.
وعندما نفذت روسيا عملية خاطفة في شبه جزيرة القرم عام 2014، وخلقت الظروف لإجراء استفتاء لاحق حول إعادة الاتحاد؛ كانت النتيجة السياسية تشكيل جمهوريتي دونباس ولوغانسك.
ويضيف أن التبعات السياسية الدولية للحملات العسكرية التي قامت بها روسيا كانت سهلة نسبيًا، إذ لم تتدخل أي دولة أجنبية في هذه النزاعات بشكل صريح، كما أن المساعدات العسكرية لهذه الدول لم تغير بشكل جذري ميزان القوى، فضلا عن أن العقوبات الاقتصادية في شكلها الحالي -وإن أضرت الاقتصاد الروسي- فإنها ليست بالغة الكلفة.
ويتابع أن الغرب يدرك أن موسكو ليست مستعدة لتحمل الوضع الراهن القائم في العلاقات مع أوكرانيا؛ فكييف تتحدث صراحة عن عدم نيتها الالتزام باتفاقية مينسك، في حين لا تنوي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تغيير هذا الخط، رغم دعواتهما في الوقت نفسه لروسيا للالتزام بالاتفاقية المذكورة.
محاذير
ومع ذلك، لا يرجح الخبير الروسي سيناريو الحرب لأن مثل هذا الصراع العسكري من غير المرجح أن ينتهي باتفاق واضح، كما أن الانتصار على القوات المسلحة الأوكرانية لن يؤدي إلى سلام سريع؛ فقد تتطور الحرب إلى مواجهة طويلة، خاصة إذا ظل جزء من البلاد (على سبيل المثال أوكرانيا الغربية) تحت سيطرة القوات المسلحة الأوكرانية.
إضافة إلى ذلك، سيؤدي الصراع إلى تغيير حاد في نهج تزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات العسكرية الحديثة؛ ففي الولايات المتحدة وفي الغرب ككل سيتم اعتبار الوضع الجديد حالة طارئة، ولن يتم ادخار الأموال لدعم القوات المسلحة لأوكرانيا.
وعليه، فإن من شأن المساعدات العسكرية الغربية واسعة النطاق لأوكرانيا إطالة أمد الصراع؛ وعندها لن تكون روسيا قادرة على منع مثل هذه الإمدادات، كما أن امتناع حلفاء كييف عن الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة مع موسكو سيتم تعويضه بدعم عسكري كبير للجيش الأوكراني.
ويختم بأنه في حال شنت روسيا الحرب على أوكرانيا فستجد نفسها في عزلة دبلوماسية؛ فعلى عكس القرم ودونباس فإن الأمر هنا يتعلق بصدام واسع النطاق ومفتوح بين القوات المسلحة لكلا البلدين، أي هي حرب شاملة، وسيتم اعتبار روسيا الجانب المهاجم، وستصنف أفعالها على أنها عدوانية.