رسم فتشويه فترميم.. جداريات "الشيخ جراح" بالقدس مساحة لنضال الأهالي والمتضامنين
"الاحتلال وجد أن معركته خاسرة في الحي مع تشكل رأي عام والتفاف عالمي حول سكان الشيخ جراح وقضيتهم، وظنّ المستوطنون أنهم بتشويه الجداريات سيقهروننا".
القدس المحتلة- بُعيد انتهاء العدوان الأخير على قطاع غزة في مايو/أيار المنصرم، قرر المتضامنون مع قضية حي الشيخ جرّاح في القدس تزيينه بجداريات تدل على الصمود ورفض سياسة التهجير القسري.
ورسم المتضامنون آنذاك خارطة فلسطين وكتبوا حولها "أهلا وسهلا بكم في حي الشيخ جرّاح الصامد"، وكتبوا أسماء العائلات الـ28 التي تعيش في كرم الجاعوني داخل نبتة الصبّار التي رُسمت على أحد جدران الحي، بالإضافة لعبارة "هنا باقون".
اقرأ أيضا
list of 3 itemsقانون “كامينتس” الإسرائيلي.. كابوس يقضّ مضاجع أهالي حي البستان في سلوان
التضامن الميداني والإعلامي المتواصل.. أبرز ما تطلبه عائلات حي الشيخ جراح مع اقتراب جلسة محاكمتها
أغاظت هذه الجداريات حينها المستوطنين الذين يعيشون في الحي منذ استيلائهم على منازل الفلسطينيين هناك بالقوة، وأقدم هؤلاء بمساعدة طواقم البلدية على طمس الجداريات، لكن طمسها لم يدم طويلا بعدما قرر المتضامنون استبدالها بلافتات حملت المضمون ذاته، وثبتوها على جدران الحي.
ولاحقا رسم المتضامنون جداريات إضافية في الحي يقع جزء كبير منها داخل ساحة عائلة الكرد المهددة بالتهجير والتي يستولي المستوطنون على نصف منزلها، وأقدم هؤلاء على تشويه هذه الجداريات 4 مرات في الأسبوع الأخير فقط.
المتضامن المقدسي رمزي العباسي تحدث للجزيرة نت عن علاقته بهذا الحي وجدارياته، وإصراره على التواجد فيه رغم المضايقات والملاحقة.
وقال إنه بدأ -منذ إطلاق الحملة الإلكترونية العالمية لإنقاذ حي الشيخ جراح- بتنظيم جولات إرشادية لتعريف المقدسيين على الحي وقصص سكانه، وألحق ذلك بالمساهمة في تنظيم فعاليات مختلفة كرسم الجداريات وتنظيف بساتين المنازل وتزيينها وتنظيم ندوات قانونية لتعريف الزوار على الوضع القانوني للسكان، وغيرها من الفعاليات.
انتماء عاطفي للمكان
مع التردد المستمر، شعر رمزي أنه ينتمي لهذا المكان عاطفيا، وهو ما دفعه للمشاركة في كافة فعالياته بما فيها رسم الجداريات والمسارعة لترميمها في كل مرة يُقدم فيها المتطرفون على تشويهها.
يقول "عندما طُمست الجداريات للمرة الأولى ثبتنا مكانها لافتات كانت جاهزة خلال 4 ساعات، واستأنفنا الرسم أسفلها سرا كي لا تُطمس مجددا، ولاحقا توسع رسم الجداريات ليشمل جدران ساحة عائلة الكرد".
ويؤكد أن استهداف الجداريات الجديدة بالتحديد بدأ بعد الخطاب الذي ألقاه محمد الكرد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إذ "وجد الاحتلال أن معركته خاسرة في الحي مع تشكل رأي عام والتفاف عالمي حول سكان الشيخ جراح وقضيتهم، وظن المستوطنون أنهم بتشويه الجداريات سيقهروننا".
وعند سؤاله عن إصراره على المشاركة في أعمال ترميم الجداريات كل مرّة، أجاب رمزي "وصلنا لإنجازات معينة يجب الحفاظ عليها، ولن نسمح للطرف الآخر بأن يحقق أي انتصار علينا.. الجداريات كانت الفعل وتشويهها رد الفعل، وترميمها واجب للحفاظ على موقفنا كخلّاقين وسبّاقين إلى حين إنجاز الهدف الأعظم، وهو الحفاظ على بيوت الحي وسكانها من التهجير القسري".
رسائل الجداريات تُرعبهم
الشابة المقدسية شادن قوس (19 عاما) تدرس على مقاعد جامعة بير زيت بتخصص القانون، لكنها تمارس الرسم الحر هواية، وكانت من أوائل المبادرين للرسم على جدران أحياء بلدة سلوان المهددة بالتهجير والشيخ جرّاح.
وعن محتوى الجداريات، قالت "كل ما رسمناه كان باتفاق جماعي عفوي، نتوجه للحي ونتناقش ثم نُزين الجدران بسواعدنا وقلوبنا المؤمنة بعدالة قضية الشيخ جرّاح".
رسمت شادن جدارية "لا لنكبة جديدة في وحدات الشيخ جراح وسلوان"، ووضعت داخلها عدد المقدسيين المهددين بالتهجير منها ويبلغ 7850 مقدسيا. ورغم تشويه المتطرفين الجداريات التي استمر العمل عليها ساعات طويلة، فإن هذا لم يدفع هذه الشابة لليأس، بل للإصرار على إعادة ترميم الرسومات.
تقول: "الفن هو أداة للمقاومة، والجداريات حملت رسائل واضحة مفادها أننا لن نسمح بنكبة جديدة في الحي، والمستوطنون تزعجهم هذه الرسائل بطبيعة الحال فسيستمرون باستهدافها وسنستمر بإيصالها".
المسن نبيل الكرد وثق وأفراد أسرته تشويه الجداريات في ساحة منزلهم، وقدموا مقاطع الفيديو التي توثق هوية المعتدين على الجداريات، إلا أن الشرطة الإسرائيلية لم تُحاسب ولم تستدعِ أيا منهم.
يقول ساخرا "كاميرات المراقبة كاذبة وهواتفنا ونحن كذلك"، ثم يؤكد: "الشرطة وظيفتها حماية عربدة المستوطنين في الحي لا معاقبتهم".
وعمّا تعني له هبّة المتضامنين لترميم الجداريات بعد ساعات من تشويهها، أكد الكرد أن التضامن معهم يخفف عنهم ما يعيشونه من ضغط وتوتر في الحي، ويطمئنه أن الشعب قادر على النهوض من تحت الركام في كل مرة يستدعيه الوطن وقضاياه المصيرية فيها.
صالح ذياب الذي يسكن الحي أيضا شارك في رسم وترميم الجداريات مع المتضامنين، وقال إن أكثر ما يسعده توجه الفلسطينيين من خارج الحي لالتقاط صور مع عبارات "هنا باقون"، و"لن نرحل"، و"لا لنكبة جديدة".
وأكد ذياب -في حديثه للجزيرة نت- أن هذه الجداريات باتت جزءا لا يتجزأ من نضال أهالي الحي ضد محاولات تهجيرهم قسريا من موقع إستراتيجي وحساس في القدس.