العراق.. ما تأثير التدخلات الخارجية في رسم خريطة التحالفات السياسية؟

تتجه الأنظار صوب الدور الذي ستلعبه الأطراف العالمية والإقليمية في رسم خريطة التحالفات والتفاهمات بين الكتل والقوى السياسية العراقية خلال المرحلة المقبلة مع انتظار المحكمة الاتحادية العليا للتصديق على نتائج الانتخابات التي أجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
هذا الترقب يأتي مع رأي الأغلبية من الباحثين في الشأن السياسي الذين يرون أن الدور الأميركي والإيراني هو الأكبر في الشأن العراقي وإن تفاوتت النسب بينهما من مرحلة إلى أخرى، لكن يتم الحديث مؤخرا عن دخول الخط التركي إلى الساحة من خلال دعم بعض الأطراف وجعلها مؤثرة في المشهد السياسي العام في البلاد.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأحزاب تقدمت وأخرى تخلفت.. تعرف على نتائج الانتخابات العراقية بالأرقام
بعد الطعن.. هل يلجأ المعترضون على نتائج الانتخابات العراقية إلى التدويل والمقاطعة؟
العراق.. العامري يشن هجوما على مفوضية الانتخابات ويتهمها بمخالفة الدستور ويصر على الطعن بالنتائج
وأشارت نتائج انتخابات عام 2018 إلى صعود النفوذ الإيراني على حساب الأميركي، إلا أن المعادلة انقلبت في الانتخابات الأخيرة بصعود الثاني وتراجع الأول، وهذا ما دفع بعض الأطراف السياسية المقربة من طهران إلى المطالبة بإلغاء نتائج الانتخابات الأخيرة بحجة وجود فساد وتزوير فيها.
ويأتي تأثير الدول الخارجية في رسم خريطة التحالفات السياسية مع بروز مسألتي "التوافق" الذي تبناه ما يعرف بالإطار التنسيقي -وهو مظلة سياسية للفصائل المسلحة ويضم أغلب القوى الشيعية المقربة من إيران بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي- يقابله في الجبهة الأخرى التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي يصر على "الأغلبية الوطنية" في تشكيل الحكومة الجديدة.

أول تحالف مختلف
ويمثل "تحالف من أجل الشعب" -الذي تشكل مؤخرا بين حركة امتداد المنبثقة من الاحتجاجات الشعبية مع "حراك الجيل الجديد" الكردية المعارضة- أول تحالف يشهده العراق بهذا المضمون المختلف في التوجه السياسي، ويضم 28 عضوا، بواقع 9 أعضاء لكل كتلة، بالإضافة إلى 10 مستقلين.
وانضمت أيضا كتل ونواب مستقلون لتحالفات أخرى كما حصل مع تحالف "عزم" الذي حصد 16 مقعدا في الانتخابات الأخيرة بزعامة خميس الخنجر، ليزداد عدد مقاعده إلى نحو 34 مقعدا بعد انضمام عدد من المرشحين الفائزين إليه.

أعداء الأمس أصدقاء اليوم
قد تكون لقضية التحالفات هندسة سياسية خاصة في العراق مبينة على أطر مذهبية ومكوناتية مع وجود مساحة سياسية تجبر بعض الفاعلين السياسيين على التمحور في ائتلاف معين، حسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور أحمد الميالي الذي يرى أن تأثير ودور العامل الخارجي في التفاهمات السياسية أكبر من التحالفات بين الكتل.
وما يعزز به الأكاديمي العراقي حديثه عن التأثير الخارجي في العراق هو دخول بعض الفرقاء أو الخصوم السياسيين في قائمة واحدة بعد الانتخابات، في وقت تصل الخلافات وحدّة التنافر بينهم إلى أعلى الدرجات قبيل الانتخابات، مستشهدا بذلك بالزيارة التي قام بها مؤخرا زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لأربيل ولقائه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، مع أنه كان بين الطرفين خصام شديد وخلافات في مرحلة من المراحل.
وبالإضافة إلى ذلك، لا يخفي الميالي في حديثه للجزيرة نت دور المصالح الشخصية والسياسية في تعضيد التأثير الإقليمي والدولي على مسار التفاهمات السياسية لمرحلة ما بعد الانتخابات.
وتقسم التأثيرات الخارجية إلى 3 مراحل، يحدد الميالي الأولى منها بين عامي 2003-2011، والتي كان للعامل الأميركي فيها دور كبير دون أن يقابله دور إيراني مؤثر إلا على الأطراف الشيعية فقط، إلا أنه بعد عام 2011 -وهي المرحلة الثانية- أصبحت هناك مساحة للتفاهم والتقاسم بين الساحتين الإيرانية والأميركية، وبات ذلك واضحا من خلال عدم منح الضوء الأخضر منهما لأي حكومة تشكل بدون موافقتهما.
ويشير الأستاذ الجامعي إلى المرحلة الثالثة بدخول خط إقليمي ثالث وهو التركي الذي أصبح له دور كبير في رسم مسار هذه التفاهمات السياسية، ويقر في الوقت ذاته باستحالة تجاوز هذه التأثيرات الثلاثة في أي حكومة تشكل أو حتى تسنّم إحدى الرئاسات الثلاث، مع وجود تفاوت بين النفوذين الأميركي والإيراني في المرحلة الحالية مع تراجع الثاني إلى حد ما.

قلب المعادلة ضد الصدريين
والأسبوع الماضي، حددت المحكمة الاتحادية العليا غدا الأحد موعدا لإصدار القرار بشأن طعون الانتخابات المقدمة من زعيم تحالف الفتح هادي العامري الذي يعد من أبرز الخاسرين في الانتخابات بحصوله على 17 مقعدا، بعد أن حل ثانيا برصيد 48 مقعدا في انتخابات عام 2018.
ويفسر تأجيل المحكمة الاتحادية قرار الطعن لأكثر من مرة وهي مرتبكة -كما يصفها السياسي العراقي مثال الآلوسي- إلى الدور الإيراني بعد تراجعه على إثر نتائج الانتخابات الأخيرة مقابل صعود التأثير العراقي المدعوم أميركيا، ويرى أن خطوة المحكمة هذه هي لإيجاد مخرج لتغيير شكل البرلمان الجديد من مجلس -ليس لصالح طهران في حال صدّقت على النتائج بالشكل الحالي- إلى برلمان يكون حياديا أو لصالح إيران في حال أجرت التغييرات في النتائج.
وسيمهد تصديق المحكمة على نتائج الانتخابات بشكلها الحالي دون تغيير الطريق إلى تحالفات سياسية كبيرة بعيدا عن التأثير الايراني، وفقا للآلوسي.
ويقول للجزيرة نت إن حصول العكس يعني قلب المعادلة ضد الصدريين والحياديين ومن يصفهم بـ"أعداء إيران".

متى ينتهي التدخل الخارجي؟
ورغم إقرار المحلل السياسي كاظم الحاج بوجود تأثير للخارج على السياسة العراقية -كالاحتجاجات والمظاهرات التي شهدته البلاد خلال عامي 2019-2020- فإنه يؤكد أنها ستكون أقل في رسم خريطة التحالفات السياسية الحالية في شكلها ومضمونها.
ويعزو الحاج السبب في ذلك إلى الفراغ الذي أحدثته الكتل السياسية مع جماهيرها سابقا، وتسعى الآن للإتيان برؤية تمهد لبناء جسر مؤسس على تقارب وطني واستقلال سياسي، وهذا ما يعني أن التدخل الخارجي الذي يريد تأمين مصالحه داخل العراق سيكون أقل تأثيرا، لكنه لا ينفي في الوقت ذاته أن التأثير الخارجي يريد أن يستمر المشهد على ما هو عليه في مسألة التوافقية والمحاصصة والشراكة والتوازن وغيرها.
ويؤكد أن هذا الأمر سينتهي خلال الفترة الحالية تدريجيا لحين انصهار القوى الوطنية في ما بينها لتشكيل نموذج عراقي يبني علاقاته مع الدول الخارجية على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة واستقرار الدولة.
ويتوقع الحاج أن تتجه الكتل السياسية إلى اتجاه وسطي يجمع بين الرؤية الوطنية والمصالح الخارجية لاستمرار العملية السياسية، ويصفه بـ"الحالة المثلى" في المرحلة الحالية للخروج من المأزق السياسي الموجود الآن.

البيت الكردي
وبالانتقال إلى البيت الكردي الذي قد لا يختلف كثيرا عن البيتين الشيعي والسني -حسب مراقبين- وعن دور التدخلات الخارجية في رسم تحالفه مع القوى العراقية الأخرى، يحاول الصحفي الكردي سوران علي أن يجيب عن ذلك بالإشارة إلى أن هذا التأثير هو أقل بكثير عند القوى الكردية عما هو لدى القوى السياسية العراقية الأخرى.
ويرى علي في حديثه للجزيرة نت أن معظم القوى الشيعية والسنية يظهر عليها الاستقطاب بجلاء في مواقفها وردود أفعالها على الأحداث، وهذه الأكثرية الشيعية والسنية لا تعرف حدا وسطا، بل هي منحازة بشكل كبير لإحدى الجهات الإقليمية أو الخارجية، على عكس الأطراف الكردية المعروفة بالوسطية وعدم الانجرار وراء التأثيرات الخارجية بشكل تام.
ويستشهد علي بالرئيس العراقي الأسبق الراحل جلال طالباني كمثال على الوسطية الكردية، ويرى فيه كيف كان نموذجا للوسطية ورائدا لها، وهو يحاور القوى الإقليمية والدولية على حد سواء، بالإضافة إلى علاقات قوية مع تلك الجهات مع عمق اختلافاتها وشدة الصراعات في ما بينها.