ابتعادا عن روسيا.. ما سرّ جنوح أوكرانيا نحو الغرب؟
كييف- رغم العلاقات التاريخية التي تربطها بها، والأخوة العرقية والدينية التي لا يمكن إنكارها، تجنح أوكرانيا منذ سنوات نحو التحالف مع الغرب ابتعادا عن روسيا، وترى ملاذها ومستقبلها في الحضن الأوروبي الأطلسي.
ويلاحظ السائر في شوارع العاصمة الأوكرانية كييف انتشار أعلام الاتحاد الأوروبي إلى جانب العلم الأوكراني على بعض المباني الحكومية التاريخية، وكأنها تستعجل خلع العباءة السوفياتية الروسية وارتداء الأوروبية.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsحرب محتملة.. ما حقيقة الصراع على أوكرانيا بين روسيا والغرب؟
المواجهة العسكرية بين روسيا والغرب بسبب أوكرانيا.. تهويل أو نتيجة حتمية؟
كل هذا بغض النظر عن عدم وجود أفق واضح المعالم لمستقبل البلاد في معسكر الغرب، وعن التداعيات السياسية والاقتصادية والأمنية التي أشعلها هذا التوجه في العلاقات مع موسكو.
فلماذا "تغامر" أوكرانيا بخسارة روسيا وإشعال غضبها دون ضمانات؟ ولماذا لم تنجح موسكو بالحفاظ على كييف في صفها؟
أسباب تاريخية
وللبحث عن إجابات لهذه التساؤلات، تبرز سريعا أسباب تاريخية يتحدث عنها كل مؤيد لفكرة تحول البلاد نحو التحالف مع الغرب، ومنهم المؤرخ والمحلل السياسي أوليكسندر بالي الذي ألف كتاب "الموجز في تاريخ أوكرانيا".
يقول بالي للجزيرة نت موضحا "لا نفرق بين الاتحاد السوفياتي ووريثته الرئيسية روسيا التي تؤيد كل ما كان وتتجاهل كل ما يثير غضب وحفيظة ومشاعر الأوكرانيين، وخاصة إزاء قضايا كان الخوض فيها من الممنوعات فترة طويلة".
ويسرد بالي أبرز الأسباب التاريخية على النحو التالي:
- تشويه التاريخ من خلال نسب حضارة مملكة "كييف روس" (بين القرنين التاسع والثالث عشر الميلاديين) إلى روسيا، وتجاهل حقيقة أن المملكة قامت على ضفاف نهر "دنيبر" وسط أوكرانيا حاليا، وأن الأوكرانيين هم ورثة تلك الحضارة وامتداد لشعبها، بحسب بالي.
- منطق "الاستعلاء" وأسلوب "الاستيلاء"، فالكاتب يعتبر أن "روسيا لا تعرف التطور إذا لم تفرض سيطرتها بالقوة، ونواياها العدوانية تجاه أوكرانيا تكررت مرارا بعد الاستقلال، وحتى قبل احتلال القرم وأجزاء من دونباس في 2014".
- المجاعة (مأساة "هولودومور") التي قام بها نظام الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين في 1932-1933 لفرض السيطرة على أوكرانيا، وأدت إلى مقتل نحو 10 ملايين أوكراني، بحسب الكاتب الذي يشير أيضا إلى أن "روسيا لا تعترف بالمجاعة كجريمة إبادة جماعية، بل تعتبر ستالين بطلا حتى اليوم".
- تدمير الهوية واللغة، وبالي يعتبر أن "السوفيات قتلوا وقمعوا نحو 90% من نخب أوكرانيا المثقفة، وحاربوا -كما تحارب روسيا اليوم- الثقافة واللغة والروح القومية التحررية للشعب الأوكراني"، على حد قوله.
- خيانة العهود، وهنا يستشهد المؤرخ الأوكراني بأن أوكرانيا دخلت في تحالف مع روسيا القيصرية في القرن السابع عشر، وبعد عامين خانت موسكو العهد، وبدأت تقاسم أوكرانيا مع بولندا، وفق تعبيره. ويضيف في هذا الصدد أن روسيا خانت في 2014 ما تعهدت به في وثيقة بودابست عام 1994، التي تخلت بموجبها أوكرانيا عن السلاح النووي، مقابل ضمانات أمن وسلامة الحدود ووحدة الأراضي.
- استغلال الموارد، فبحسب الكاتب "روسيا نهضت وأصبحت قوة عظمى من خلال استغلال موارد أوكرانيا الطبيعية والبشرية بشكل أساسي، دون اعتراف بهذا الفضل".
الحقوق والحريات والتنمية
وبعد الاستقلال في 1991، يتحدث أنصار المعسكر الغربي في أوكرانيا عن أسباب و"حقائق" تدفع بلادهم نحو البعد عن صف روسيا، وعن "إخفاقات" الأخيرة للحيلولة دون ذلك.
يقول إيهور كوهوت مدير مركز التحليل السياسي، للجزيرة نت، "الأوكرانيون كانوا متمردين على النظام القمعي في زمن الاتحاد السوفياتي، ولا يرضون الوقوف إلى جانب النظام الدكتاتوري الحالي في روسيا، حيث لا ديمقراطية حقيقية، ولا سيادة للقانون، ولا مكانة للشعب أمام المصالح الضيقة"، على حد تعبيره.
ويضيف "الاتحاد الروسي -عمليا- يمارس سياسة اليد العليا، ولطالما تعامل مع الأوكرانيين بطبقية كتابعين، وأخطأ بالاعتقاد أنه يستطيع بذلك الحفاظ على كل الروابط السابقة إلى ما لانهاية، مع أوكرانيا وغيرها".
ويختم بالقول "الأوكرانيون وصلوا -مع مرور الزمن- إلى قناعة راسخة بأن المسار الروسي ينتهي في طريق مسدود، وأنه لا أفق للحفاظ على الحريات والحقوق في ظله، ولأي تنمية أو تطور، وأن طريق التكامل الأوروبي الأطلسي أفضل حتى إن كان طويلا وشاقا"، على حد تعبيره أيضا.
شحن ولهاث وراء "جزرة الغرب"
ولكن ثمة رأي آخر لا يقل قوة كلما دار الحديث عن الأزمة الأوكرانية، وإن كان قد انحسر طرحه منذ أحداث 2014 وما تبعها، مفاده أن "طلاق كييف مع موسكو" جاء نتيجة "فتنة" أشعلها الغرب في العائلة الروسية الأوكرانية، بدفع كييف نحو اللهاث وراء "جزرة الوعود" بالدعم والعضوية، إن صح التعبير.
ويقول المحلل السياسي فولوديمير شومكوف -للجزيرة نت- "أوكرانيا تُدفع نحو خلق هذا التوتر من قبل الغرب وغيره لإسقاط حصون التحالفات الروسية السابقة. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، برزت أول مرة مع أحداث الثورة البرتقالية في نهاية 2004، وتكررت لاحقا".
ويضيف "أوكرانيا هي الخاسر الأكبر لأنها حولت نفسها إلى ساحة صراع، هي فيه الحلقة الأضعف، مقابل سراب مستقبل أوروبي ودعم أطلسي بعيد المنال".