العراق يقترب من إغلاق آخر مخيمات النزوح وسط غموض حول مصير ساكنيه
منذ تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء، استطاعت الحكومة العراقية إغلاق 50 مخيما، وتقول إن العمل جار لإغلاق مخيم الجدعة الذي يعد الأخير.
الموصل – أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية قبل أيام أنها ستغلق آخر مخيَّمات النازحين خلال هذا الشهر، لكنها أكدت صعوبة إغلاق مخيمات النازحين في إقليم كردستان شمالي البلاد.
وقالت الوزيرة إيفان فائق لوكالة الأنباء العراقية (واع) إن الشهر الحالي سيشهد إغلاق مخيم الجدعة جنوب مدينة الموصل، وهو آخر مخيم للنازحين يقع ضمن المناطق التي تخضع لسيطرة العراق.
آخر مخيمات النزوح
تسببت الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية بنزوح ملايين العراقيين عن ديارهم، ويؤكد وكيل وزارة الهجرة كريم النوري أن أعداد المخيمات عام 2017 بلغ 120 مخيما نزح إليها ما يربو على 5 ملايين شخص، مشيرا إلى أن كثيرا منهم نزح إلى المخيمات الموزعة على محافظات بغداد ونينوى وصلاح الدين والأنبار وكركوك وديالى وبابل وإقليم كردستان.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsالخوف والجوع والتشريد.. ثلاثية تطارد النازحين في العراق بعد قرار إغلاق المخيمات
نازحو العراق يواجهون أوضاعا إنسانية صعبة في مخيم الخازر
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد النوري أنه ومنذ تولي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي منصبه، استطاعت الحكومة إغلاق 50 مخيما، وأن العمل جار على إغلاق مخيم الجدعة الذي يعد الأخير.
ويعد مخيم الجدعة واحدا من 5 مخيمات أنشئت في محافظة نينوى على عجل خلال عمليات الحرب ضد تنظيم الدولة، وبعد إغلاق 4 منها.
يقول النوري إن جميع النازحين أعيدوا أو سيعادون لمناطقهم أو مناطق أخرى طواعية، مؤكدا أن من بقي منهم بمخيم الجدعة يخضعون لبرنامج إعادة تأهيل مجتمعي قبل إعادتهم، وأن جهات دولية مثل منظمة الهجرة الدولية تشارك بالبرنامج.
وعن الجهة التي سيعاد إليها النازحون، كشف النوري عن أن ذلك يخضع لدراسات ضمن توجه المجتمع المضيف، مبينا أنه وفي حال رفض مناطقهم الأصلية استقبالهم فإنهم قد ينقلون إلى مناطق أخرى.
نفي الإغلاق
من جهته، نفى النائب الكردي في البرلمان شيروان الدوبرداني ما أكدته وزارة الهجرة عن إغلاق مخيم الجدعة، كاشفا في حديث للجزيرة نت أن الحكومة غيرت اسم مخيم الجدعة إلى (مركز تأهيل الجدعة) وبذلك يعد ملغى من قائمة المخيمات رسميا.
وتابع الدوبرداني أن تغيير تسمية المخيم إلى مركز للتأهيل يمكن وصفه بـ "اللعبة الجديدة" لتتحول تسمية المخيم بالمراسلات الحكومية إلى مركز تأهيل، مبينا أن غالبية قاطني هذا المخيم الوقت الحالي من العائلات التي تم نقلها خلال الأشهر الماضية من مخيم الهول السوري إلى مخيم الجدعة وفق اتفاق الحكومة مع الجهات الدولية الأممية والولايات المتحدة لاستقبال نحو 500 عائلة عراقية.
مخيم الهول السوري
منذ سيطرة تنظيم الدولة على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، حاول عدد غير معروف من العراقيين ضمن مناطق سيطرة التنظيم الفرار من مدنهم تجاه مناطق سيطرة التنظيم في سوريا أملا بالسفر إلى تركيا، إلا أن كثيرا منهم تقطعت بهم السبل في الأراضي السورية.
ومع تقدم العمليات العسكرية العراقية لاستعادة المدن بين عامي 2016 و2017 لم يستطع أولئك العودة إلى البلاد، لينضم إليهم مقاتلو تنظيم الدولة وعائلاتهم الذين فروا من العراق. وخلال أشهر، ومع صعوبة العبور إلى تركيا وتراجع المساحات التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا بعد عام 2018، استقر هؤلاء في مخيم الهول الذي يعد أكبر المخيمات شمال شرق سوريا وتسيطر عليه حاليا قوات ما تسمى سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بـ (قسد).
وكان مخيم الهول قد أنشأته الأمم المتحدة عام 1991 إبان حرب الخليج الثانية وغزو الكويت، حيث فرت العديد من العائلات العراقية تجاه سوريا حينها، وظل خاليا حتى سيطرة التنظيم على مساحات شاسعة من العراق وسوريا.
وبهذا الصدد، يقول النوري في حديث سابق للجزيرة إن أعداد العراقيين النازحين في مخيم الهول تقدر بنحو 20 ألفا، مشيرا إلى أن غالبيتهم ليسوا من تنظيم الدولة، وأن جلهم من النساء والأطفال.
ويضيف أنه كان من المقرر أن تتم إعادة هؤلاء للعراق منذ فترة طويلة، إلا أن جائحة كورونا أدت لتأجيل إعادتهم، وأنه لم يكن أمام الحكومة إلا 3 خيارات، فإما تركهم بمخيم الهول بما فيه من مخاطر في ظل وجود 10 آلاف فرد من التنظيم، وإما تركهم بالصحراء السورية دون إعادتهم، وإما إعادتهم إلى البلاد مع العمل على تأهيلهم نفسيا ومجتمعيا تحت أنظار الحكومة.
مخاطر جمة
واتساقا مع تصريحات النوري، يعود النائب الدوبرداني فيكشف أن أعداد العراقيين بمخيم الهول تقدر بـ 30 ألف نازح من بينهم 18 ألفا من أهالي محافظة الأنبار (غربا) و4 آلاف من نينوى (شمالا) والبقية من المحافظات الأخرى، حيث أعيد نحو 2500 منهم إلى مخيم الجدعة خلال الأشهر الستة الماضية.
واختتم حديثه بالإشارة إلى خطورة هؤلاء العائدين لمخيم الجدعة على الوضع الأمني بالبلاد، مبينا أن معلومات تملكها الأجهزة الأمنية تؤكد ارتباط بعض هؤلاء مع ذويهم من المنتمين للتنظيم الهاربين خارج العراق.
من جهته، يؤكد الباحث الأمني والإستراتيجي فاضل أبو رغيف أن حل ملف مخيم الهول بحاجة لجهد دولي، سيما أنه يضم جنسيات مختلفة. وعن إعادة نازحيه العراقيين لبلادهم، يقول "إن العائدين يدققون أمنيا ومن ثم يدخلون مخيم الجدعة" لافتا إلى أن الحل الأمثل يتم من خلال استقبالهم على مجاميع صغيرة لا تتجاوز 50 فردا "ومن تثبت عليه الإدانة يحال للقضاء".
واجب حكومي
وأضاف أبو رغيف للجزيرة نت أن على الحكومة إعادة تأهيل الأبرياء منهم ودمجهم بالمجتمع طواعية لأجل، وبغير ذلك ستظل المخيمات بؤرة لما وصفه بـ "التطرف".
وقد حاولت الجزيرة نت الاتصال مع قيادة العمليات المشتركة العراقية للوقوف على إجراءاتهم المتعلقة بإعادة نازحي مخيم الهول، إلا أن عدم الرد على الاتصالات حال دون ذلك.
في غضون ذلك، يرى رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان السابق أرشد الصالحي أن على الحكومة النظر في إعادة النازحين إلى مناطقهم، سيما أنهم أعيدوا دون توفير سبل العيش في ظل فقدانهم لممتلكاتهم ومنازلهم خلال الحرب.
وحذر الصالحي من خطورة رفض المناطق الأصلية لهؤلاء النازحين عودتهم، ووصف في حديثه للجزيرة نت إغلاق الحكومة مخيم الجدعة بـ "الخطأ الكبير" على اعتبار أن عودتهم بالإكراه ستتسبب بمشكلات أمنية وعشائرية، بحسبه.
وتعليقا على ذلك، يرى مهند الجنابي أستاذ العلوم السياسية بجامعة جيهان في أربيل أن الحكومة العراقية تأخرت في معالجة ملف المخيمات لسنوات، على اعتبار أن النصر العسكري ضد تنظيم الدولة لم يعزز مباشرة بسياسات بناء السلام الذي كان واجبا لأجل ديمومة النصر.
وبين الجنابي أن جميع الحكومات الماضية لم تفلح في حل هذه القضية، معتبرا أن الظروف الحالية غير مواتية لغلق مخيم الجدعة وإدماج نازحيه في المجتمع، خاصة أن غالبيهم يفتقرون إلى (المستندات) الثبوتية مع عدم توفر برامج حقيقية لإعادة التأهيل وسط رفض مناطقهم الأصلية استقبالهم.
واختتم حديثه للجزيرة نت بأن الحكومة تهدف من إغلاق المخيمات إلى طي هذه الصفحة التي تؤرقها على الصعيد الدولي، إلا أنها لن تحقق الأهداف الإستراتيجية المتمثلة باستمرار الأمن والسلام وطي صفحة الحرب، بحسب تعبيره.
مخيمات كردستان
وضمن الملف ذاته، وفيما يتعلق بتصريح وزيرة الهجرة عن صعوبة إغلاق مخيمات النازحين بإقليم كردستان، عاد النائب الدوبرداني ليكشف عن أن الإقليم يضم 26 مخيما، 16 في محافظة دهوك و6 في أربيل و4 في السليمانية، ويبلغ عدد قاطنيها قرابة 350 ألف نازح.
وبين النائب الكردي أن إغلاق هذه المخيمات الوقت الحالي يعد مستحيلا، سيما أنه لا مكان لهؤلاء للعودة إليه، إذ إن غالبيتهم من قضاء سنجار (شمال غرب الموصل) الذي تسيطر عليه قوات حزب العمال الكردستاني. يضاف لذلك التوترات بين الحزب وبين القوات العراقية والبشمركة.
إنه إصرار عراقي حكومي على طي صفحة مخيمات النازحين في البلاد، إلا أن منظمة الهجرة الدولية (IOM) أكدت في آخر تقرير لها نشر قبل أيام أن ملف النازحين العراقيين لا يزال حاضرا مع استمرار نزوح مليون و200 ألف مواطن عن ديارهم وإن كان جلهم خارج المخيمات.