تركيا وأرمينيا.. صفحة جديدة هل تطوي تاريخا حافلا بالتوتر؟
بالنظر إلى الملفات الشائكة بين أنقرة ويريفان، يفرض تساؤل نفسه؛ وهو هل يمكن أن تطوي صفحة جديدة بينهما تاريخا حافلا بالتوتر والاتهامات؟
أنقرة- تسارع التطورات والتغييرات في المنطقة والعالم يدفع كل من أنقرة ويريفان نحو بعضهم البعض لطي صفحة تحمل إرثا تاريخيا ثقيلا خيم بشكل سلبي على علاقات البلدين طوال 28 عاما الماضية.
فقد شهدنا تصريحات من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومن رئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشينيان بهذا الاتجاه خلال الأشهر القليلة الماضية.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsعام على حرب قره باغ.. كيف استفادت تركيا اقتصاديا من تحرير الإقليم؟
إيران وأرمينيا وأذربيجان.. صراع الغاز والتجارة على أرض قره باغ
ولاقى إعلان وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو بأن المرحلة القادمة ستشهد تبادل تعيين ممثلين خاصين مع أرمينيا؛ ترحيب يريفان التي قالت إنها "على استعداد دائم لإطلاق عملية تطبيع العلاقات دون شروط".
وبين جاويش أوغلو -في تصريحات للصحفيين- أن شركات طيران تركية وأرمينية، ستبدأ بتسيير رحلات جوية مباشرة بين يريفان وإسطنبول خلال الأيام المقبلة.
ملفات التوتر
يعود التوتر في العلاقة بين البلدين إلى عقود طويلة، لا سيما بسبب رفض أنقرة الاعتراف بـ"الإبادة الجماعية" للأرمن، إبان السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.
وإن كانت تركيا وريثة الإمبراطورية بعد تفككها عام 1920 تقر بوقوع مذابح؛ فإنها ترفض توصيفها بالإبادة، مشيرة إلى أن حربا أهلية في الأناضول تزامنت مع مجاعة، تسببت بمقتل ما بين 300 و500 ألف أرمني، فضلا عن عدد مساوٍ من الأتراك.
وبعدما كانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال أرمينيا عام 1991 عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، إلا أنها قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع أرمينيا، وأغلقت الحدود معها عام 1993، بعد احتلال أرمينيا مدينة كلبجار الأذرية أثناء حرب قره باغ الأولى.
ومن ملفات التوتر أيضا، رفض يريفان الإقرار باتفاقية قارص 1921، وهي الاتفاقية التي رسمت الحدود بين الدولة السوفياتية الناشئة حينها وتركيا، وتخلت فيها أرمينيا السوفياتية عن منطقتي قارص وأردهان اللتين احتلتهما الإمبراطورية الروسية في حروب القرن الـ19 مع الإمبراطورية العثمانية.
وتواصلت المباحثات والجهود لتطبيع العلاقات الأرمينية التركية منذ أكثر من 15 عاما، وكادت تتكلل بالنجاح في عام 2009، بعد توقيع وزيري خارجية البلدين في ذلك الحين؛ التركي أحمد داود أوغلو ونظيره الأرميني إدوارد نالبنديان، على بروتوكولين لتسوية الخلافات العميقة بين الدولتين.
واتفق الطرفان حينها على الاعتراف المتبادل بالحدود الحالية بين البلدين، كما حددتها اتفاقيات القانون الدولي ذات الصلة، لكن جهود التطبيع تعثرت بعدما ضغطت أذربيجان على تركيا حينها.
وعلى صعيد العلاقات الثنائية بين أرمينيا وتركيا، فقد قطع الطرفان شوطا كبيرا منذ 2009 في حل معظم القضايا الخلافية مثل الاعتراف بوحدة أراضي تركيا، والاعتراف باتفاقية قارص 1921.
وفي خريف 2020، تصاعد التوتر بين البلدين بسبب النزاع العسكري بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورني قره باغ، حيث دعمت أنقرة حينها باكو. وتوقفت المعارك بعد إبرام اتفاق على وقف الأعمال القتالية برعاية موسكو، كرس هزيمة عسكرية أرمينية ومكاسب كبيرة لباكو وأنقرة.
وبموجب الاتفاق، تنازلت أرمينيا عن مساحات من الإقليم خسرتها خلال المعارك، إضافة إلى 7 مناطق محاذية كانت قد سيطرت عليها خلال الحرب السابقة في تسعينيات القرن الماضي.
وبالنظر إلى هذه الملفات الشائكة بين الطرفين، والتي تعود بالأصل إلى التاريخ، يفرض تساؤل نفسه؛ هل يمكن أن تطوي صفحة جديدة بين أنقرة ويريفان تاريخا حافلا بالتوتر والاتهامات؟
فرص التطبيع كبيرة
وفي السياق، ذكر الباحث في سياسة تركيا الخارجية وشؤون القوقاز الدكتور باسل الحاج جاسم أن رغبة التطبيع متبادلة بين الجانبين لأسباب عدة لعل أبرزها أن أرمينيا تواجه انسدادا جغرافيا من جانب تركيا بعد إغلاق الثانية حدودها عام 1993 تضامنا مع الشقيقة أذربيجان خلال حرب قره باغ الأولى، واليوم السبب الأهم لذلك الإغلاق لم يعد موجودا بعد استعادة أذربيجان أراضيها.
وقال جاسم للجزيرة نت "من الأسباب أيضا رغبة تركيا بتصفير مشاكلها، فضلا عن أن السبب الأبرز قد يكون رغبة يريفان بالاستقلال عن النفوذ الروسي المسيطر على كل مفاصل البلاد، لا سيما بوجود حكومة أرمينية ينظر على أنها غربية الهوى".
ولفت الباحث في شؤون القوقاز إلى أن فرص تطبيق التطبيع كبيرة كون الظروف المحيطة باتت أكثر ملائمة بعد استعادة أذربيجان حليفة تركيا أراضيها، حيث كانت باكو ترفض تطبيع أنقرة مع يريفان قبل استعادة إقليم قره باغ.
وأضاف "لن يكون أمر طي صفحة الماضي المليئة بالاتهامات بهذه السهولة، إلا أن مجرد تعيين الدولتين مبعوثين خاصين لمهمة التطبيع، فهذا يعني أن الأمور تسير باتجاه إيجابي قد يكون سريعا هذه المرة بسبب الرغبة المتبادلة، وسبق عام 2009 خلال ما أطلق عليها بروتوكولات التطبيع أن تم تجاهل كل ما يثير حفيظة أنقرة أو يريفان، ولكن تبقى عقبة مواقف اللوبيات الأرمنية في أوروبا والولايات المتحدة وروسيا التي تعارض دوما أي تقارب مع تركيا".
واقعية سياسية
من جهته، يرى طه عودة أوغلو الباحث التركي في العلاقات الدولية أن توقيت تقارب أرمينيا وتركيا مهم كونه لا ينفصل عن المتغيرات المهمة التي طرأت بالمنطقة بدءا بالضغوط الأميركية على تركيا لتطبيع العلاقات مع أرمينيا؛ حيث كان مطلبا للرئيس الأميركي جو بايدن خلال لقائه الأخير أردوغان في روما، مرورا بالتغيير على صعيد سياسة أنقرة الخارجية، وهذا التغير أسهم بجزء كبير في تخفيف التوترات والصراعات بالمنطقة، ختاما بانتهاء أزمة إقليم قره باغ.
وقال عودة أوغلو للجزيرة نت "الدوافع الاقتصادية ستلعب دورا خلال المرحلة المقبلة في مسار العلاقات التركية الأرمينية، كما سيكرس حضور تركيا في منطقة القوقاز من خلال الدفع نحو مشروع فتح طريق بري مع أذربيجان عبر إقليم ناختشيفان.
وأكد أن النخب في أرمينيا باتت أقرب إلى الواقعية، وترى أن بلادها لا تستطيع مواجهة تركيا، وأنه من الأفضل تحسين العلاقات معها إلى حين توفر ظروف مغايرة.
عقبات
وتبقى عقبتان تقفان أمام سير قطار التطبيع بين الدولتين؛ الأولى اعتراف أرمينيا بوحدة أراضي أذربيجان وسيادتها، وذلك عبر الاتفاق على تشكيل لجنة ثنائية لترسيم الحدود حتى نهاية العام الحالي.
والثانية اتفاق الأطراف الثلاثة على مواصلة العمل لفتح جميع طرق المواصلات، ويسهل هذا الاتفاق التوصل إلى تفاهمات بشأن ممر زانغيزور الرابط بين إقليم ناختشيفان وباقي أراضي أذربيجان عبر منطقة سيونيك الأرمينية.
ورفض وزير الخارجية الأرميني، آرارات ميرزويان شروط أنقرة لإقامة علاقات طبيعية بين البلدين، بما فيها شق ممر عبر أراضي أرمينيا ليربط أذربيجان بتركيا، مع إشارته إلى أن بلاده مستعدة لتطبيع العلاقات مع تركيا من دون شروط مسبقة على الرغم من المساعدة الهائلة التي قدمتها تركيا لأذربيجان أثناء حرب قره باغ.
وذكر مراقبون أنه من الصعب أن تقبل أميركا وأوروبا حدوث أي تقارب تركي أرميني، وبالتالي رباعي (روسي-تركي-أرميني-إيراني)، كونه يصب في مصلحة جميع هذه الأطراف ويجعلهم إحدى محطات التحالف الصيني الروسي ومن معهما من منظمات وكيانات وتحالفات إقليمية صاعدة.