"عمالقة الكيمياء وأساطير الفيزياء".. ضرائب الدروس الخصوصية تثير سخرية المصريين
القاهرة- على مدى سنوات طوال تفشت ظاهرة الدروس الخصوصية في مصر وأصبحت أقرب إلى آفة تحاربها السلطات ومع ذلك فهي باقية وتتمدد وينفق عليها الأهالي مبالغ طائلة، مرجعين ذلك غالبا إلى سوء حال التعليم وحاجة أبنائهم إلى تفوق دراسي يساعدهم على تحقيق أحلامهم الدراسية والمعيشية.
وبعد أن كان اللجوء إلى الدروس الخصوصية قبل عقود من الزمن يتم على استحياء ويقدم عليه المدرسون في الخفاء، أصبح التعليم مثل سلعة تجارية حيث أقيمت مراكز للدروس الخصوصية وأصبحت هناك إعلانات ترويجية وتنافس المدرسون فيما بينهم، فهذا أطلق على نفسه لقب "عملاق الكيمياء" وذاك "أسطورة الفيزياء" فضلا عن "ديناصور الأحياء" و"عبقري الرياضيات" وما إلى ذلك.
وعلى غرار جدل سابق أثارته مطالبة صُناع المحتوى في مصر منذ نحو شهر، بالتوجه إلى مصلحة الضرائب "لفتح ملف ضريبي"، ثار جدل جديد بمواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية مطالبة وزارة المالية لمدرسي الدروس الخصوصية ومراكزها، بالتوجه إلى مأمورية الضرائب لذات الغرض.
وضمن هذا الجدل، اتسعت دائرة سخرية المصريين من هذه المطالبة، خصوصا بالنظر إلى صياغة المنشور الذي وضعته الوزارة على صفحتها الرسمية في فيسبوك حيث خاطبت المدرسين بهذه الألقاب التي اعتادوا إطلاقها على أنفسهم على سبيل الدعاية والترويج.
وفي السياق، نقل الموقع الرسمي لمصلحة الضرائب المصرية، عن رئيسها رضا عبد القادر، مطالبته لمن يقوم بنشاط الدروس الخصوصية سواء جمعيات أو قاعات أو شقق أو عن طريق التدريس عبر الوسائل الإلكترونية، بـ"إخطار مأمورية الضرائب بذلك وفتح ملف ضريبي للنشاط، في موعده أقصاه شهر من الآن (تاريخ النشر 3 نوفمبر/تشرين الثاني)".
أسلوب وزارة المالية غير الاعتيادي من صفحة رسمية تتبع جهة حكومية دفع البعض للتعليق معربين عن تشككهم بادئ الأمر في تبعية الصفحة للوزارة، قبل أن ينتبهوا لكونها صفحة موثقة، فيما سخر آخرون مما اعتبروه أسلوبا يشابه أساليب الصفحات الكوميدية، وغير لائق بصفحة وزارة حكومية.
وكنوع من السخرية، وجد آخرون في منشور الوزارة أسلوبا جذابا، سيدفع قارئه ممن وجه لهم الخطاب للمسارعة والتسجيل لدى مصلحة الضرائب.
ولم يمنع ذلك آخرين من تناول الأمر بشكل جاد، حيث اعتبر نشطاء أن هذا القرار لا يصب إلا في صالح الحكومة ممثلة بوزارة المالية، بينما يتضرر الطالب وولي أمره، إضافة إلى المدرس، كما استنكر آخرون الأسلوب باعتباره يحمل نوعا من التشفي والتحدي.
وانتقد آخرون حرص الدولة على تحصيل الضرائب حتى ممن سبق وأن جرمت أفعالهم واعتبرتها مخالفة للقانون، حيث عده أحد الرواد "غباء" من الدولة، فيما تساءل آخر عما إذا كان من المنتظر استهداف تجار الممنوعات كالمخدرات ونحوها مستقبلا، ومطالبتهم كذلك بفتح سجلاتهم الضريبية!
و إنتوا فاكرين إن أساطير الكيمياء و عمالقة الفيزياء و نمبر وان الماث و إمبراطور الچيولوچيا هيدفعوا الضرايب من جيبهم؟
هأو … تبقوا عبطا.
فلوس الدروس هتزيد على الأقل 20%.
— Great Eagle 𓆎𓅓𓏏𓊖 Ⲕⲏⲙⲉ (@EagleShery) November 3, 2021
ويبدو أن حجم السخرية والاستهجان الواسع الذي استقبل به رواد مواقع التواصل الاجتماعي منشور الوزارة، باعتباره يتجاهل تصور الدولة السابق بعدم قانونية نشاط الدروس الخصوصية، دفعها إلى إضافة لاحقة، تؤكد فيها أن الإخطار وفتح الملف الضريبي "لا يعد سندًا قانونيًا لتقنين أوضاع مراكز الدروس الخصوصية".
ولم يمنع ذلك في المقابل من احتفاء البعض بهذا القرار، ممن يرون في شريحة مدرسي الدروس الخصوصية وأصحاب المراكز التي تقدمها، من أصحاب الدخول العالية الذين لا بد أن تتم مساواتهم مع غيرهم من دافعي الضرائب، فيما برر آخرون استهدافهم رغم عدم تقنين أوضاعهم بأن دور المالية هو تحصيل الحق العام ولا علاقة لها بالوضع القانوني لمن تستهدفه.
فيما اعتبر آخرون أن المطلوب من الدولة هو القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، وتوجهوا باستغاثة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للعمل على إنهاء "هذه الظاهرة التي أفسدت التعليم وأثقلت كاهل الأسرة المصرية"، حسب منشور أحد المتفاعلين.
وبين الفينة والأخرى، تبرز أزمة الدروس الخصوصية بمصر، باعتبارها ظاهرة سلبية، تثقل كاهل أولياء الأمور، فيما تدشن الحكومة من حين لآخر حملات لاستهدافها، إلا أن ذلك لم يمنع تزايدها رغم العواقب الشديدة التي تنتظر المدرسين وأصحاب المراكز، مثل إحالة المدرس لمحاكمة تأديبية وإيقافه عن العمل، وإغلاق المراكز وفصل المرافق مثل الكهرباء والمياه عنها.
وكان وزير التربية والتعليم طارق شوقي، قد قدّر فاتورة الدروس الخصوصية، في اجتماع للجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الوزارة عام 2018، بنحو 111 مليار جنيه سنويا (ما يعادل 7 مليارات دولار).
وكان الوزير قد توقع قبل نحو 4 سنوات القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية بمجرد تطوير المناهج، وقال في تصريحات متلفزة في 20 ديسمبر/كانون الأول 2017 إنه لا مكان للدروس الخصوصية بمصر في عام 2020، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وتمثّل ظاهرة الدروس الخصوصية أرقا للدولة ولأولياء الأمور والطلاب، حتى إن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) يضعها ضمن أهم مؤشرات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2019-2020.
وكشف البحث أن متوسط الإنفاق السنوي للأسرة المصرية على التعليم بلغ سنويًّا نحو 8850 جنيها، بنسبة 12.5% لإجمالي الجمهورية وفي الحضر بنسبة 15.7%، أي نحو 12829 جنيها، مقابل 9.2% في الريف، أي نحو 5720 جنيها (الدولار يساوي 15.7 جنيها).
وتستحوذ المصروفات الدراسية على 38.6% من إجمالي حجم إنفاق الأسرة على التعليم، في حين تستحوذ دروس التقوية على 28.3%، والكتب والأدوات المدرسية 11.3%، ومصاريف الانتقالات على 9.6%، والملابس والحقائب 7.2%.