رسالة للغرب أم حقيقة؟.. مصر تلوّح مجددا بورقة الهجرة بسبب سد النهضة

إثيوبيا تواصل بناء سد النهضة وسط اعتراضات مصرية وسودانية (رويترز)

القاهرة – جددت القاهرة تحذيرها من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا جراء نقص المياه الناتج عن ملء سد النهضة الإثيوبي وتشغيله من دون التوصل إلى اتفاق ملزم لجميع الأطراف، وهو التحذير الذي يثير الجدل حول كونه حقيقة تهدد الجميع، أم مجرد رسالة توجهها مصر طلبا لموقف دولي وغربي بالخصوص يكون أكثر مساندة للموقف المصري.

نقص المياه لن يقتصر أثره على مصر بل سيمتد ليشمل الدول الأوروبية عبر موجات من الهجرة غير الشرعية، حسب وزير الموارد المائية والري محمد عبد العاطي، علما بأن ملف الهجرة الناتجة عن الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في دول المنطقة يعدّ واحدا من أكثر الملفات التي تؤرّق أوروبا.

وخلال لقائه، أمس السبت، مع خبير المياه بالحكومة الأميركية ماثيو باركس، ونائب السفير الأميركي بالقاهرة نيكول شامبين، قال عبد العاطي إن أي نقص في المياه سيؤثر على العاملين بقطاع الزراعة، وسيسبب ذلك مشاكل اجتماعية وعدم استقرار أمني في المنطقة وسيزيد الهجرة غير الشرعية.

وتأتي مصر في المرتبة الأولى عربيا والثالثة أفريقيا من حيث عدد السكان بأكثر من 102 مليون نسمة.

وأكد وزير الري المصري أن هناك تحديات كبيرة تواجه قطاع المياه في بلاده، على رأسها محدودية الموارد المائية، والزيادة السكانية، والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، فاحتياجات مصر المائية تبلغ نحو 114 مليار متر مكعب سنويا بعجز يقدر بنحو 54 مليار متر مكعب سنويا، مشيرا إلى أنه يتم سد تلك الفجوة بإعادة استخدام المياه، واستيراد مصر محاصيل زراعية بما يعادل نحو 34 مليار متر مكعب سنويا.

وفي ما يتعلق بالموقف الحالي لمفاوضات سد النهضة الإثيوبي، قال عبد العاطي إن مصر أبدت مرونة كبيرة خلال مراحل التفاوض المختلفة لرغبتها في التوصل إلى اتفاق عادل وملزم في ما يخص ملء السد وتشغيله، داعيا إلى ضرورة وجود إجراءات محددة للتعامل مع حالات الجفاف المختلفة، خاصة في ظل اعتماد مصر الرئيسي على نهر النيل.

ولفت إلى أن مصر قامت بمحاولات عدة لبناء الثقة خلال مراحل التفاوض، إلا أن ذلك لم يقابل بحسن نية من الجانب الإثيوبي، حسب وصفه.

تحذيرات مصرية مستمرة

تحذير عبد العاطي بخصوص تأثير سد النهضة على الهجرة غير النظامية لم يكن الأول الذي يصدر عن القاهرة، ففي يوليو/تموز الماضي حذّر عبد العاطي نفسه من أن أي نقص في الموارد المائية ستكون له انعكاسات سلبية ضخمة على نسبة كبيرة من سكان البلاد، موضحا أن الأضرار ستشمل القطاع الزراعي وفقدان فرص العمل، مما سيؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار المجتمعي ستفضي إلى موجة كبيرة من الهجرة غير النظامية إلى الدول الأوروبية وغيرها، أو انضمام الشباب للجماعات الإرهابية، حسب تعبيره.

وتعتمد مصر على المياه بنسبة 97% من نهر النيل، ولا يتعدى نصيب الفرد من المياه 560 مترا مكعبا سنويا، وفي الوقت ذاته تتمتع دول منابع النيل بوفرة مائية كبيرة، فكمية الأمطار المتساقطة على منابع النيل تبلغ (1600-2000) مليار متر مكعب سنويا من المياه، في الوقت الذي لا تتجاوز فيه كمية الأمطار المتساقطة على مصر 1.3 مليار متر مكعب سنويا.

رسالة واضحة للغرب

ويتفق ضياء الدين القوصي المستشار الأسبق لوزير الري المصري مع تصريحات عبد العاطي للوفد الأميركي، ويرى أنها "رسالة للغرب واضحة وبالأرقام، فنقص مليار متر مكعب من المياه تُخصم من حصة مصر البالغة 55.5 مليار متر مكعب الحالية يعني خروج 200 ألف فدان من الخدمة يمتلكها 200 ألف حائز (مزارع)، وكل حائز يعول أسرة من 5 أفراد، وهذا يعني أن هناك مليون مواطن مبدئيا سيعانون الجوع، ومن ثم ليس أمامهم غير الهجرة".

وأضاف القوصي -في تصريحات للجزيرة نت- أن على الغرب إدراك أن مصر هي رمانة الميزان في منطقة الشرق الأوسط، وأن أي اضطراب يحدث فيها بسبب نقص المياه لن يقتصر تأثيره عليها، داعيا المجتمع الدولي إلى فهم حقيقة أن القاهرة استنفدت جميع الطرق والوسائل السلمية، ولم يعد أمامها أي خيار سوى توجيه طائراتها لضرب السد عسكريا، حسب تعبيره.

ورأى القوصي أن كثيرا من الدول تتفهم موقف مصر، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة غير راضية عن التصرفات الإثيوبية في ملف سد النهضة، لافتا إلى تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن احتمال تحرك مصر عسكريا تجاه السد في حال استمرار فشل المفاوضات.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي أبدت مصر رغبتها في استكمال مفاوضات سد النهضة شريطة حفظ حقوقها المائية، بهدف التوصل إلى اتفاق عادل وملزم لجميع أطراف الأزمة. وجاء ذلك خلال استقبال وزير الري المصري وفدا من منظمات دولية تعمل بمجال إدارة الموارد المائية، وممثلين عن الاتحاد الأوروبي وسفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وهولندا وفنلندا.

إثيوبيا تستعد للإنجاز

في المقابل، قال مدير مشروع سد النهضة الإثيوبي -كفلو هورو- إن نسبة إنجاز البناء في السد بلغت 83%، مضيفا أن الاستعدادات جارية لإنتاج الطاقة الأولية من السد عبر تشغيل توربينين اثنين، يولدان طاقة مقدارها 700 ميغاوات.

وأوضح هورو -في لقاء مع قناة الجزيرة- أن كمية الأمطار التي هطلت هذا العام تجاوزت التوقعات، مضيفا أن التعبئة الأولية للسد تكون بذلك اكتملت بنجاح بمرحلتيها الأولى والثانية بمقدار 18.5 مليار متر مكعب.

وفي يوليو/تموز الماضي أعلنت أديس أبابا اكتمال المرحلة الثانية من ملء السد بنجاح، التي كان مخططا لها بـ 13.5 مليار متر مكعب من المياه، من دون أن تعلن حجم المياه التي تم تخزينها بالفعل، وتسعى إثيوبيا لتخزين 74 مليار متر مكعب.

وتُقدّر المياه المحجوزة خلف السد في الملء الأول بنحو 4.9 مليارات متر مكعب، ليبلغ إجمالي المستهدف 18.4 مليار متر مكعب، لكن متخصصين مصريين شككوا في هذه الأرقام في أكثر من مناسبة، وأكدوا أن إثيوبيا لم تحجز أكثر من 10 مليارات متر مكعب من المياه في المرحلتين السابقتين.

الهجرة فزاعة أم حقيقة؟

"ليست فزاعة ولا ورقة، إنما حقيقة"، هكذا وصف مستشار البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بشأن مياه النيل محمد محيي الدين (مصري الجنسية) تلويح مصر بانطلاق الهجرة غير النظامية من السواحل المصرية على البحر المتوسط إلى أوروبا.

وأكد محيي الدين -في حديثه للجزيرة نت- أن تحذيرات وزير الري هي حقيقة لا بد من وضعها في الاعتبار لأن أي نقص في مياه الري سيؤدي إلى عدم استقرار في بلد عدد سكانه يتجاوز 100 مليون نسمة، ونقص مليار واحد من المياه يعني بوار 200 ألف فدان وفقدان آلاف المزارعين أعمالهم ومصادر رزقهم.

وحذر من أن تأثير نقص المياه لن يكون قاصرا على الزراعة، بل سوف يمتد إلى قطاعات أخرى مثل الصناعة والسياحة، وذلك سيرفع نسبة البطالة.

ومن ثم -والحديث لا يزال للخبير الدولي- ستدفع الأزمة إلى حدوث تيارات هجرة على مستويين: الأول هجرة داخلية نحو عواصم المدن، والثاني هجرة خارجية غير نظامية عبر البحر المتوسط، وسيؤدي ذلك إلى قدر كبير من عدم الاستقرار.

ويرى محيي الدين أن الغرب لم يتفاعل مع الأزمة تفاعلا كافيا، لذلك يرى المستشار الدولي أن التحذيرات المصرية رسالة مهمة للغرب الذي يعاني بالأساس من الهجرات غير الشرعية، مضيفا أن "الغرب لا يتحرك إلا في ضوء مصالحه، وعندما يستشعر ويتحقق أن هناك تهديدا حقيقيا من احتمال تدفق عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين لن يقف مكتوف اليدين".

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة

إعلان